الظواهري و"تحية" متأخرة لأوباما!! ياسر الزعاترة ( لُجينيات ) المصريون ربما كان من حُسْنِ حظ باراك أوباما أنَّ أحدًا من قادة القاعدة، لاسيما أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، لم يتحدث في الشأن الأمريكي خلال الانتخابات. ولا يُعْرَفُ –للدِّقَّةِ- لماذا حدث ذلك: هل لأنهما فضَّلَا فوزه (أعني أباما)، أم لأنهما فضَّلَا فوز ماكين، ولم يُعَلِّقَا على المعركة، اعتقادًا منهما بأن التذكير بفشل حرب بوش العبثية ضِدَّ ما يسميه الإرهاب سيَصُبُّ في صالح أوباما. أيًّا يكن الأمر، فقد انتهت الانتخابات، وفاز أوباما، وكان من الطبيعي أنْ تحتفل قيادة القاعدة بالنتيجة على طريقتها، وبالطبع عبر التذكير بأنّ خَصْمَهَا الشرس (بوش) قد أنهى وَلَايَتَيْهِ بفشل ذريع على مختلف الأصعدة، بينما خصومه الذين وَعَدَ بجلبهم إلى العدالة، أو تحويلهم إلى جثث (أسامة بن لادن، الظواهري، الملا محمد عمر) لا يزالون على قيد الحياة، فيما يُدِير مريدوهم وحلفاؤهم حربًا بالغةَ الأهمية في أفغانستان، وأخرى في الصومال، فضلًا عن ثالثةٍ لم تنته فصولها بعد في العراق، حتى لو قيل: إنّ نفوذ القاعدة فيها قد تراجَعَ، وهو كذلك بالفعل، وإن بقيت ذيوله فاعلةً، بدليل مسلسل التفجيرات الذي لا يتوقف. إضافةً إلى التذكير بهزائم بوش وفَشَلِهِ، رَكَّزَ الظواهري في رسالته على ثلاثة أبعاد رئيسة، أولها: البُعْدُ الشخصي لأوباما، وثانيها: سياسته الْمُتَوَقَّعَة في العراقوأفغانستان، أما ثالثها: فيتعلق بمصير العمل "الجهادي" في ظل التطورات الجديدة. في البعد الشخصي، انتقد الظواهري مواقفَ أوباما حيال الدولة العبرية، وذكَّرَهُ بتنَكُّرِهِ لأصله (المسلم)، مع أن الأمر كان طبيعيًّا في واقع الحال، إذْ مال الرجل إلى دين أمه بعد تَخَلِّي والده عنه، ولعله لا يعرف شيئًا عن الإسلام، مع العلم أنه لو كان مسلمًا، وليس مسيحيًا من أمٍّ بيضاء، لكان وصوله إلى ذلك الموقع في الحزب الديمقراطي مستحيلًا، فضلًا عن فوزه بالرئاسة. أما المقارنة مع "مالك الشهباز"، أو مالكوم إكس، فلا تبدو مقنعة، إذ لم يقدم أوباما نفسَه كداعيةِ حقوق مدنية للسود، لا مثل (إكس) الذي أَسْلَمَ وتحَوَّل إلى مالك الشهباز بعد أدائه فريضة الحج، قبل أن يُقْتَلَ بعد ذلك، ولا حتى مثل مارتن لوثر كينغ، الذي لقي نفس المصير. ربما كانت الإشارة إلى موقفه من الدولة العبرية مُوَفَّقَةً إلى حد ما، وهي القضية التي سيكون لها تأثيرها الكبير على الموقف منه في العالم العربي والإسلامي، لكنّ الرجل لن يكون قادرًا على فِعْلِ الكثير على هذا الصعيد، فالقوة اليهودية في الولاياتالمتحدة باتت أكبرَ من قُدْرَةِ أيِّ رئيس على تحديها، وعندما عيَّن الإسرائيلي رام إيمانويل في منصب كبير مُوَظَّفِي البيت الأبيض، فقد كان يبعث برسالة وُدٍّ لتلك القوة، أكثر من أي شيء آخر. في الجانب المتعلق بسياسات أوباما المقبلة، كان من الطبيعي أنْ يشير الظواهري إلى تَوَجُّهِهِ نحو سحب جزء من قواته في العراق وتحويلها إلى أفغانستان، ومن ثَمَّ تحذيره من الفشل، مع العلم أنّ سياسةً من هذا اللون ستشكل خطأً كبيرًا، فهي من جهةٍ لن تَحْسِمَ المعركة مع طالبان، لكنها ستزيد من جهةٍ أخرى في خسائر الأمريكان؛ لأنّ فرصة صيدهم من قِبَلِ مقاتلي الحركة ستكون أكبرَ كُلَّما زاد عددهم، وكثرت تحركاتهم. ثم إنّ التفريق بين العراقوأفغانستان لا يبدو منطقيًّا إلى حَدٍّ كبير. بقي الجانب الثالث المتعَلِّق بمصير العمل الجهادي، وهنا كانت رسالةٌ مهمةٌ للظواهري، مفادها عَدَمُ التهاون في ملاحقة الأمريكان، ورَفْضُ أي تسوية معهم. وإذا كان هذا الخط معلومًا لدى الْمُلَّا محمد عمر، رغم العروض السخية المقدمة إليه للحوار، فإن الموقف لا يبدو كذلك مع الصوماليين الذي تورط بعضهم في تسوية سياسية، وقد ينسحب ذلك على الآخرين، ولذلك خَصَّهُمْ بالتحذير؛ هم وجماعته في العراق بقيادة "أبو عمر البغدادي"، وإن لم ينس المجاهدين الآخرين. وهكذا يُوَاصِلُ الظواهري وابن لادن لُعْبَة التحريض التي تَخَصَّصَا بها منذ سنوات، تارِكِينَ للمُرِيدين حريةَ الاجتهاد، ومن ثَمَّ التنفيذ بالطريقة التي يرونها مناسبة.