تحدثت إلى شيخ خبرته تجارب الأحداث، وله نظرة رائدة بالتاريخ، لاسيما التاريخ اليمني وأحداثه الثورية الماضية، سبق وأن استفدنا منه كثيرًا عن الوقائع التاريخية والأحداث اليمنية، حيث طفقت أبشّره وأبارك له بالمنعطف التاريخي لشرق أوسط جديد حسب ما يشي لكثيرين بعد سقوط نظامي تونس ومصر، وترنّح الكثير من الأنظمة الحالية، وأضحيتُ ألمّح له أنه عمّا قريب سيرى فجرًا يلوح من جبال اليمن الذي كان سعيدًا، وسيرى فجرًا صادقًا يسطع لا فجرًا كاذبًا؛ ليفرح أهل اليمن كما فرح أهل مصر وتونس، وزعمت أن اليمن هو المرشح بعد مصر وهو قيد الانفجار، حيث قد وجدت رياح التغيير من قبل أرض الكنانة؛ فجعل يقول: هذا ليس رائعًا ولا حلوًا ولا جميلاً..! بل سيكون فاجعة عظيمة لا يعلم إلاّ الله بخطورتها..! نحن نشيد بثورة تونس ومصر؛ فوضع تونس في هذه النقطة عكس اليمن، فقد تحوّل من سيّئ إلى أحسن، وكذلك مصر إلى أفضل، حيث قد بلغ الشر لديهم منتهاه...إلاّ أن اليمن في رأيي غير تونس ومصر؛ لأسباب عديدة: منها: أن الشعب اليمني مسلح وتلك شعوب عزلاء، وهذا يعني دماء وقتلى في اليمن وفوضى لا يعلمها إلاّ الله . ومنها: أن تلك شعوب مثقفة ومتعلمة وتعرف من ينادي بمصلحتها ومن يتاجر، وتعرف كيف تطيع ومن تطيع. أما نحن في اليمن فالأمية هي الغالبة، والمثقفون غير متفقين فيما بينهم، فضلاً عن قيادة الشعب ومشايخ القبائل وأصحاب الأموال؛ فهم أصحاب الكلمة المسموعة، وكل شيء قابل للبيع والشراء عند طائفة عريضة للأسف الشديد. ومنها: أن تلك الشعوب قد سئمت وضاقت ذرعًا بالفساد والفاسدين، وعندنا مازال الحاكم يضرب الموالين بالمعارضة؛ فحينما يخرج اللقاء المشترك في مظاهرة يشارك فيها الآلاف للمطالبة بالتغيير يخرج في مقابلها أصحاب الحزب الحاكم في مظاهرة مضادّة لهم؛ فأولئك ينادون لا نريد "علي"، والآخرون يقولون: مالنا إلا "علي"!! ولايزال الموالون للحزب الحاكم مرابطين في ميدان التحرير في صنعاء ليمنعوا المعارضة من الوصول إليه، يعني هذا أن النظام الحالي مازال يتمتع بقدر كبير من المرتزقة، والذين يخافون فقدان مصالحهم إذا ترنّح النظام وسقط. فرأيي في شعب مثل هذا في مواقف مفصلية يختلفون بسبب الولاء الحزبي؛ فهذا يعني لو تفاقم الأمر -وليس بعيداً- ستمزق اليمن إلى دويلات صغيرة، وتنشأ الحروب وتتصعد الجبهات الداخلية، وسيتقاتلون من باب إلى باب ومن طاقة إلى أخرى، والولاء القبلي حينها سيُذكى وسيكون جرحًا نازفًا... وعلى صعيد آخر عندنا اللقاء المشترك أبرز المرشحين لخلافة الحزب الحاكم هم مجموعة من الحوثيين والاشتراكيين والإصلاحيين والبعثيين والناصريين، ولو تمكنوا فإنهم سيختلفون سريعًا، حينها سيكون التغيير للتغيير ذاته، وهذا التغيير يحتاج إلى تغيير كذلك...! إيماننا المختلج فينا: هو انتشار الفساد والظلم بأكثر مما يتصوره البعض بمجرد احتكار وظيفي أو لقمة عيش فحسب، بل نقول بأن ذهاب النظام القائم هو الأفضل، ولكن ما هو السبيل إلى ذهابه دون الدخول في حمام من الدماء؟ حيث إن الوضع في اليمن خطير والفساد عظيم. ومن جانب آخر: هناك حوثيون، ودعاة للانفصال، وفساد وعملاء، وقاعدة، وتربّص أمريكي..! بالإضافة كما سبق إلى نية تقسيم البلد ليس إلى يمنين ولكن إلى أكثر، ثمة مشاكل كثيرة... فكيف الخروج منها؟! وهنا تكمن أهمية الموقف الصادق من قبل العلماء والدعاة الذين يجب أن يبلغوا عن مثل هذه المخاطر التي تحتف باليمن، لاسيما الموقف السلفي في اليمن؛ الذين هم في التغيير السياسي غائبون تماماً، ليس كحجم التغيير الاجتماعي والثقافي والشرعي حيث لهم حضور واضح وملموس؛ ولكن لسان الحال يقول إذا لم تستطع شيئًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع، فإلى الآن ليس السلفيون حزبًا حتى يكون لهم مشاركة، وعلى العكس من ذلك فالسلفيون مدارس، وبعضها للأسف تسبح بحمد الحاكم، ويسمّون هؤلاء الذين يخرجون في مظاهرات خوارج.. والله المستعان! ثم إنهم بالأخير هم الصوت الناطق المسموع الوحيد للسلفيين..! ومن وجهة نظري أن التغيير في اليمن ليس مطلب الشعب إلى الآن، بل مطلب أحزاب سياسية فقدت مصالحها فألّبت الناس على الحاكم، الشعب إلى الآن لم يصل إلى النضج الذي وصل إليه غيره من الشعوب. لا يكفي الشعور ما لم توجد القوة التي تحوّله إلى فكرة، ومن ثم إلى حركة تهون في سبيلها كل التضحيات ، وفي رأيي مازال هذا بعيدًا. فإن حصل التغيير اليوم فهو تغيير حزبي وليس تغييرًا شعبيًا، وبعد فترة سيكون التغيير بحاجة إلى تغيير... بمعنى ما فائدة أن نغير نظام صالح، ثم نأتي بنظام حميد مثلاً، أو ياسين ثم بعد ذلك يختلف الشركاء على تقسيم الكعكة، وينتج عن ذلك مشاكل لا حصر لها، فما هي الفائدة التي جناها الشعب؟! أتحدث هنا كوني واحداً من الشعب، ولسنا نحن من يضحك على الشعب.. فأخاطب الذين يتاجرون بلقمة الشعب، وأقول لهم: لا تضحكوا علينا؛ فأنتم جزء من النظام، والتغيير يجب أن يشملكم. أما لو شئت الحق فإن التغيير الحقيقي هو تغيير المجتمعات والأفراد لا تغيير الحكام (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فلو تغيرنا لغيرنا، ويبدو أن هذه فلسفة خاصة بالسلفيين. العجيب أن لا أحد يشاركهم فيها. إن المسلمين في الشرق والغرب يثورون جدًا عندما تمس مقدّسات البطون المتمثلة في متع الدنيا، وعندما تُمسّ ثوابت الشريعة وفروعها لا يحركون ساكنًا إلاّ ما رحم ربك. فعندما تكون هذه الغضبة لله ولرسوله ولكتابه فسنكون على خير حتى لو جعنا. نعم المساس بلقمة العيش هو مساس بأحد الضروريات الخمس، لكن ترتيب الضروريات الخمس مهم؛ فكل الأربع التي تلي الأولى تصبح فداءً للأولى، والذي يحصل اليوم هو العكس، وهو أننا نتساهل اليوم في الأولى ما لا نتساهل في الخامسة! الشعب يعاني من أزمات متراكمة ومتجذرة، بيد أنه يجب أن نعيش وسط الشعب ونعيش معاناتهم، ونقول لهم: علاج هذه المشاكل كلها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الآن الذين أحرقوا أنفسهم هنا وهناك ما السبب؟! إن هذا الأسلوب (حرق النفس) يمثل حلاًّ رأسماليا بامتياز؛ إذ إن الفقر وغلاء المعيشة والبطالة وغيرها أمراض الرأسمالية العالمية وعالجوها بإحراق أنفسهم..! أما العلاج الإسلامي: فهو أن يملأ الإنسان صدره رضًا ويقينًا بالله، ويفعل السبب تلو السبب حتى يرفع ما به، ومن أهم الأسباب: الدعاء، فالذي خلقك قد تكفّل برزقك، وموضوع المطالبة حقّ ولا شك، لكن المطالبة بتحكيم شرع الله الذي يعطيني حقي كاملاً أولى من ذلك، فالدعاء شأنه عظيم، وقد أهلك الله كثيراً من الظالمين بدعاء المظلومين. ثم إن التغيير الحقيقي الذي ننشده ليس تغيير رئيس برئيس، بل تغيير إلى تطبيق الإسلام في جميع مفاصل الحياة. فهل نطالب بالرغيف ولنا في ذلك كامل الحق، وليس من حقنا أن نطالب بأن يحكمنا شرع الله..! علينا أن لا ننخدع بدعاوى التغيير المجزّأة، بل نريد تغييرًا إسلاميًا صحيحًا، ولا ننسى أننا نسعى إلى الالتزام بشرع الله، حينها سيصل لكل واحد حقه كاملاً غير منقوص. وهنا نستطيع أن نقول: حنانيك بعض الشر أهون من بعض، وفي ظني أن شر النظام القائم أقل خطراً من شر الحوثية والاشتراكية اللذين قد حكم اليمن كل منهما ردحًا من الزمن؛ فتجريب المجرب خطأ إستراتيجي فظيع، هذا إذا جئنا نوازن ونقدر المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، ما لم يفق الشعب ويضع ذلك بالحسبان.أ.ه. وهنا أقدم ثنائي العطر، وأبدي إعجابي بهذا الطرح المتحرر من التبعية، وأكن الاحترام لوجهة النظر هذه...مع الإشادة بمطالب الشعب المشروعة والحقوق المنتزعة عبر وسائل التعبير السلمية التي لا تهلك الحرث والنسل، وتتعدى على الممتلكات العامة والخاصة التي هي ملك للشعب، وأن تتحول المطالب الحزبية إلى مطالب شعبية لتنال الحقوق بالتساوي، ونطالب الأنظمة القائمة بإعطاء الحرية لشعوبهم ورفع الظلم عنهم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وأن لا يكونوا سببًا في ولوج الشعب والوطن إلى الانزلاق في فتن القتل والتمزيق، وأن يبتعدوا عن تعامل القمع الفاحش للمسيرات السلمية ولغة السلاح، مع إحداث تغييرات جذرية في الأنظمة حتى تعود المياه إلى مجاريها الصحيحة...