كنا نتمنى أن يكون هذا المؤتمر باباً تخرج منه اليمن من أزماتها الطاحنة، ومن صراعاتها القديمة المتجددة، إلى أفق رحب وواسع تستغل فيه طاقات وإمكانات اليمنيين لبناء مستقبل زاهر لبلادهم، يقوم على أسس وثوابت المجتمع اليمني، التي تتمثل أول ما تتمثل في دينه وشريعته الربانية؛ فإذا بنا نفاجأ بأن هناك أجندة خاصة بعيدة كل البعد عن قضايا الشعب ومعاناته وخارجة عن ثوابته وهويته!! ولا تزال التيارات الليبرالية تتخذ من بعض الشعارات البراقة الفضفاضة أداة لتمرير مشاريع فساد وتخريب، ملوحة بهذه الشعارات "إرهابا" في وجه كل ناقد ومحاور وفريق يرفض هذه المشاريع الرخيصة؛ في حين أن القوى السياسية الحزبية التي أوصلت اليمنيين إلى هذا الواقع مشغولة باقتسام المكاسب والمصالح خلف أبواب مغلقة وغرف في داخل البلاد وخارجها، وبرعاية دولية تعيد التموضع لأحجار الشطرنج! إنهم يتحدثون عن الحقوق والحريات، فلا تجد حقوقا إلا للفساد وللعبثية وللانحلال، ولا تجد حريات إلا لتيارات متاجرة بالدين والعرض والعقل والأرض. ويتحدثون عن الاتفاقات والقوانين الدولية ولا يتحدثون عن الشريعة والأعراف والعادات الاجتماعية. ويتحدثون عن العدالة الانتقالية وأياديهم ملطخة بالدماء من صعدة إلى حجة والحوف، ومن أبين حتى شبوة ولحج، وخلال مراحل صراعات عنف على السلطة وتحت شعارات يسارية ماركسية وقومية اشتراكية ووطنية علمانية ومذهبية سلالية! إنهم يتحدثون عن حوار شفاف، لكنهم يديرونه في الظلام حيث لا شمس ولا هواء ولا رقيب ولا حسيب! إنهم يتحدثون عن حوار بلا سقف فإذا نطق دعاة المبادئ والقيم وحملة العلم خنقوهم وعلقوا لهم مشانق الإرهاب الفكري على سقف الحوار! إنهم يتحدثون عن حوار في الخطوط العريضة ثم تجد شواهدهم تفاصيل هزيلة! إنهم يتحدثون عن حوار يرسم ملامح المستقبل وهم مسكونين بأفكار الماضي العفن فلا تجديد في الرؤى ولا في الآراء رغم سقوط كل مدارسهم الفكرية والسياسية على محك التجربة والواقع! إنهم يتحدثون عن حوار الوحدة فيه خط أحمر.. لكنهم يبقون كافة أشكال الفرقة والخلاف والنزاع! حتى أن ما بقي لنا من حصن منيع للوحدة والاجتماع (الدين والشريعة) يريدون هدمه! إن ما حصل في فريق بناء الدولة من محاولة لاستبعاد أن يكون الإسلام دين الدولة وأن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لجميع التشريعات, لا يعني سوى القضاء على ما تبقى من هوية جرى مسخها خلال عقود بأفكار يسارية وقومية وناصرية وسلالية مذهبية وعلمانية وليبرالية! أي نتيجة ستكون لحوار يعاقب ناصحا أمينا، بعد أن شارك بكل فعالية خلال المرحلة الماضية، ولم يسجل عليه أي مخالفة أو إساءة إلى الأعضاء، تحت تهم كاذبة ودعاوى ملفقة؟! إن قرار إيقاف عضو المؤتمر الشيخ كمال بامخرمة وإحالته إلى لجنة الانضباط والمعايير مهزلة تشهد بأن القوى السياسية والمسلحة والقبلية والمذهبية التي تستبيح البلاد طولا وعرضا وتحضر بممثليها في المؤتمر، ثم يمارس ممثلوها البلطجة السياسية والأخلاقية في المؤتمر دون أي عتاب أو إنكار من رئاسة المؤتمر، هي التي تحترم. وهذا سيدفع الناس إلى الانخراط في مثل هذه المشاريع الهدامة ليكون لهم اعتبارهم! لقد سعت أطراف مشاركة في المؤتمر ابتزاز الشيخ كمال بامخرمة من خلال إلصاق تهمة التكفير به، وتهديد الأعضاء عليه! لا لشيء إلا لتكميم فمه! رغم أنهم يدعون "المدنية"! والنشاط "الحقوقي"! ومناصرة "الحريات"! إنهم جزء من صناع المشهد الذين يمارسون الإرهاب الممنهج على كل صوت صادق، مستخدمين وسائل الإعلام ومنابر القضاء، ومقاليد السلطة..! إن جميع العقلاء باليمن –بمن فيهم كاتب هذا المقال- يؤمنون بضرورة الحوار وأهميته، للخروج من الأزمات والصراعات التي تدار عبر العنف والسلاح. فالحوار هو السياج الذي يحمي لحمة الشعب والمجتمع اليمني. وهو الوسيلة لاستيضاح سبيل الرشاد ومعرفة الصواب من الخطأ، والنافع من الضار، والأصلح والأنسب من بين البدائل والخيارات. والحوار هو الطريق الآمن لإقامة العدالة وترسيخ الاستقرار وبناء الدولة وتحسين ظروف التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولكن، شريطة أن يتم هذا الحوار بشكل متعقل وحكيم وباحث عن الحق والصواب، وعبر شفافية حقيقة ولست مدعاة، وفي ظل مراجعة حقيقية للمراحل الماضية في ضوء معايير الربح والخسارة، ومع مصداقية الجميع للوصول إلى اتفاق شامل يتم الالتزام به من كل الأطراف. إن جميع مشكلات اليمن: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والبيئية لم تكن في يوم من الأيام ناشئة من الإسلام، بل كانت ناشئة من أمرين: - الفهم المغلوط للإسلام وما لحق به من بدع ومفاهيم وتصورات دخيلة عليه، ما جعل كل السلوكيات الخاطئة في العبادات والمعاملات والعادات والتقاليد تنسب للإسلام زورا وبهتنا، والإسلام منه براء. - الإقصاء المتعمد للإسلام، إما مضمونا وشكلا، أو بقاء الشكل وتفريغ المضمون. فإن جميع الدساتير التي نصت على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات لم تفعل على أر الواقع، واقتصر منها على إجراءات شكلية وتطبيق جزئي مشوه وعلى الضعفاء دون الناس كافة! لقد كان الأولى برئاسة المؤتمر وأمانته العامة أن تكون محايدة ومؤيدة لما ذهب إليه الشيخ كمال بامخرمة في مقاله وندائه. فقد مارس حقا دستوريا وقانونيا، وخاطب بكل شفافية الشعب اليمني في أهم قضية تمس مصيره وهويته. إن ما يؤخذ على الشيخ كمال أنه لم يطلب مصالح (!!) ولم يفاوض على مكاسب (!!) بل كل رجاءه سيادة الشريعة وعلو شأن الإسلام، خاصة وأنه يرى أن المشاركين ينتسبون جميعا للإسلام، بل إن بعضهم يرفع شعار: "الله أكبر.....، النصر للإسلام"!! الشيخ كمال لم يزايد، ولم يسعَ للحصول على فتات من هنا أو هناك، فكان جزاءه التلويح بالقضاء! ومن المؤسف أن الناشطين الحقوقيين والمنظمات الحقوقية وبعض المنتسبين لثورة شعبية تسقط الجبروت والظلم والاستبداد تلوذ بالصمت في موضوع كهذا. إن هذا التصرف من المؤتمر ورئاسته وبعض أعضائه تجاه زميلهم المتحاور يفقدنا الثقة بنتائج هذا المؤتمر, وأن الأطروحات التي تطرح هي أطروحات شعب وقناعات مجتمع.إن الخطوط الحمراء التي ترسم بالأخصأمام البعض لا تبشر بخير، فيما يرتفع البقية في كل قضية دون اعتبار أو ضابط. أعلمونا إن كان لديكم أجندة معدة سلفة, ولا تضحكوا علينا وعلى الشعب بهذه الهالة الإعلامية التي صنعتموها حول المؤتمر. ودمتم سالمين!