مطالبات حوثية لقبيلة سنحان بإعلان النكف على قبائل الجوف    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوهر العدالة الانتقالية يتضمَّن مصالحة وطنية شاملة ..!!
أ. د. أحمد محمد الدغشي ل«فكر الجمهورية» :
نشر في الجمهورية يوم 04 - 10 - 2013

تواصلاً للنقاشات الفكرية الأسبوعية نعرّج هذا الأسبوع مع الأستاذ الدكتور أحمد محمد الدغشي- أستاذ أصول التربية وفلسفتها – كلية التربية - جامعة صنعاء على أهم القضايا الشائكة في الفكر المعاصر .. و كذلك أهم القضايا الوطنية التي تدور حولها إشكالات عديدة .. !!
نبدأ من حكاية خمس الخمس التي تحدث عنها الشيخ عبدالمجيد الزنداني في الاجتماع الأخير لهيئة علماء اليمن .. و قال: ينبغي أن يسلّم إلى آل البيت .. ألا تعتقد أن القول بأن خمس الثروة لسلالة من الناس من هفوات وسقطات التراث البليد الذي لا ينبغي أن ينشغل الناس به في عصر الديمقراطية والمساواة ..؟
- بعد الشكر لك ولصحيفة الجمهورية دعني أؤكد أولاً على أن في تراثنا الإسلامي إشكالات كثيرة كأي تراث قام به أفراد إنسانيون، إما لأن بعض تلك الاجتهادات كانت مناسبة في زمنها، وإما لأنها خطأ على الأقل من وجهة نظر آخرين، في زمن ظهورها نفسه، مابالك بزماننا، مع التأكيد على أن المقصود بالتراث هنا كل اجتهاد إنساني قام به عالم أو فقيه أو فيلسوف مسلم أو سواهم عبر التاريخ الإسلامي، مع التأكيد أكثر على أن ذلك الإشكال في الاجتهاد وليس في النص القرآني أو النبوي الصحيح الصريح ناهيك عن المتواتر، الذي استند إلى فهمه أيٍّ من أولئك المجتهدين. ومع أننا نؤكد هذه الأخطاء في الحالتين، لكن لا أسمح لنفسي – أدبياً - أن أصفها ب(التراث البليد) على حد ما ورد في السؤال، ذلك أنه – يا صديقي- قد يقال عن رأيك غداً مثل ذلك، لأن معطيات جديدة تغيرت فهل تقبل؟ فلننتقد الرأي أو الاجتهاد بعيداً عن التجريح والإساءة لأصحابه، ومهما قلت لي بأنك تعمل الشيء ذاته فإن وصف (البلادة) لابد أن تطال صاحب الرأي بالضرورة .وأما عن موضوع السؤال فقد كنت بالمناسبة حاضراً في اللقاء (المؤتمر) الذي دعت إليه هيئة علماء اليمن وغيرها واستمعت إلى كلمة الشيخ الزنداني في اللقاء (المؤتمر) ووجدتها بالجملة كلمة تاريخية جامعة، عمل فيها على محاولة تقديم رؤية عملية للقضايا الكلية الثلاث، الجنوب وصعدة والجماعات المسلحة، دعك من محاولة تصيّد الأخطاء، وتحميل الرجل فوق ماقصد، وهذا هو المؤسف أن تضيع القضية الكلية التي من أجلها دعا الشيخ الزنداني الى ذلك اللقاء في أتون تأويلات بعضها متعسف، وتكلف غير أخلاقي أحيان، يرجع من قبل بعض من خاض في هذا الأمر إلى موقف سياسي وشخصي ونفسي من الشيخ، حتى من داخل الإطار الذي ينتمي إليه. والأغرب أن بعضاً ممن يشنع على الشيخ اليوم ويذهب في تأويل حديثه بعيداً بقصد الإمعان في الإساءة لشخص الرجل قد يكون من خصومه المنتمين إلى هذه الفئة التي لطالما طالب بعضها وصرّح في أكثر من مناسبة بأنهم ظلموا طيلة حكم الثورة، بسبب انتمائهم العائلي، كما أن غيرهم ممن ينتمي إلى تيار الحداثة و(الدولة المدنية الحديثة) أضحى لا يرى مشكلة في فكر الحوثيين، فلِم جن جنون هؤلاء وأولئك حين جاء الحديث (المتوازن) من قبل الشيخ الزنداني، وراحوا يتحدثون عن مشايعة الشيخ للتمييز ورفض المساواة وجعجعة نعرفها من أخزم – كما تقول العرب -، وهؤلاء الأخيرون من وصفتهم في كتابي الأخير عن الحوثية(مستقبل الحركة الحوثية وسبل التعايش) ب(الحداثويين الحوثيين). أما موضوع الخمس في حديث الشيخ وما قيل فيه فليس له علاقة بثابت (المساواة)، إذ تاريخ الشيخ معروف في الجهاد ضد الاستبداد وادعاء التميز لأيٍّ كان فرداً أو شريحة اجتماعية، وهو تلميذ أبي الأحرار الزبيري، لكنه أكد – في سياق المعالجة لقضية صعدة- على أن موضوع الخمس مسألة فقهية اجتهادية، كما صرّح في السياق نفسه على أن ذلك لا يعني فضلاً لبني هاشم على غيرهم ليتميزوا، ولا يجوز لهم أن يدّعوا حقاً خاصاً في الحكم وغيره، بل الشيخ يقرر رفض الظلم والحرمان على أي أحد. وعموما فالحوار الصحفي لا يتسع للحديث التفصيلي في الأمر، ولدي رغبة في الكتابة المستقلة عن الموضوع بحول الله.
.. الوثيقة الفكرية للحوثيين تؤكد أن الله اصطفاهم على العالمين ، وجعل فيهم دون غيرهم العلم والحكم وقيادة البشرية .. ما الذي تسعى إليه جماعة الحوثي من وراء هذا الأمر ؟
- أخذت الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين جانباً من النقاش والتفنيد من قبل نخبة من الباحثين الجادين وفي مقدمتهم: العزيزان زايد جابر وعبد الله السالمي، كما ناقشتها كذلك في كتابي الأخير المشار إليه آنفاً عن الحوثيين، بما حاصله أنها وثيقة مؤسفة أن يخرج علينا بعض إخواننا الذين يرفعون في خطابهم الإعلامي شعار (الدولة المدنية الحديثة) وينطلي ذلك على كثيرين – مع الأسف- على حين أنهم يؤصلون لذلك التميز لأفرادهم بمثل هذه الوثيقة، وينشئونهم عليها، وهذا - في الواقع- حاصل ما قاله الناطق الرسمي للحوثيين الأستاذ محمد عبد السلام للباحث العسكري المعروف العميد محسن خصروف - حسب رواية الأخير على قناة سهيل في 2/9/2012م في برنامج “الحكمة يمانية” - حين اندهش العميد خصروف مما ورد في الوثيقة من مجاهرة بالفكر العنصري وادعاء التميز على اليمنيين، فاتصل هاتفياً على الفور بالناطق الرسمي للجماعة، وأعرب له عن اندهاشه مما ورد في الوثيقة، وهل يعقل ذلك؟ فكان المثير في جواب محمد عبد السلام اعترافه بالحرج البليغ الذي أحدثته الوثيقة، والضرر الأكبر الذي لحق بسمعة الجماعة، لكنه أكّد للعميد خصروف - في الوقت ذاته- إن الوثيقة محض تثقيف داخلي لأفراد الجماعة غير قابل للنشر!
.. في ضوء الصراع اللفظي حول الدولة المدنية و الإسلامية .. هناك رأي ثالث يقول: نريد دولة أو حكومة شرعية فما تعليقك ؟
- الحقيقة إن ممارسات بعض دعاة الدولة المدنية الحديثة من اليسار واليمين تجاه الأحداث الجارية في مصر وسوريا- ومصر بوجه خاص- عمّق المشكلة اليوم أكثر، حيث عزّز عملياً موقف الرافضين لشعار هذه الدولة، وراحوا يقولون انظروا أول مخرجات دعاتها : الوقوف مع ما حدث في مصر، تجاه الإسلاميين - يقول الرافضون لشعار الدولة المدنية الحديثة- عن حرية الرأي والتعبير من خلال وقوفهم مع الانقلابين إغلاق عشرات المنابر الإعلامية ، واستغلوا المنابر الرسمية – فضلاً عن الأهلية والخاصة- للتحريض ضد خصومهم وبث ثقافة الكراهية والعنف عبرها، وحظي ذلك كله بدعم رسمي علني من بعضهم، ولا يمنعهم ذلك من أن يرددوا شعار (الدولة المدنية الحديثة)، ثم جاء مؤتمر اليسار اليمني عندنا ليصدم كثيرين حين نادى برفض السماح لأحزاب ذات مرجعية دينية، وغير ذلك من الغرائب التي تدفع لإعادة السؤال التقليدي ذي الدلالة الكبيرة : من المستفيد من تهييج الأطراف الأخرى وهي أكبر منهم وأوسع وأعمق شعبياً –بطبيعة الحال- أليس في ذلك استعداء – مريب- على اليسار من خلال مثل هذه التصريحات؟ وليس أدل على ذلك من أن خصوم شعار (الدولة المدنية الحديثة) صاحوا: الحمد لله الذي كشفكم على حقيقتكم باكراً، هل هذا ما تبشرونا به؟!
أما رأيي - وهو بدهية هنا لا يختلف عليها نظرياً على الأقل أحد من كل أطياف الإسلاميين- إنه لا توجد في الإسلام دولة دينية (ثيوقراطية)، بل الدولة في الإسلام (مدنية) والحاكم ليس معصوماً عن المساءلة، وليس فوق الشرع أو القانون، ولكن ذلك لا يعني (علمانية) الدولة، أو إلغاء مرجعية الدولة (الإسلامية) بل المقصود أن تظل مرجعية الشريعة الإسلامية هي النموذج الحاكم للجميع عند النزاع، وأرجو هنا أن لا يردد البعض تلك المقولة الهشة: الشريعة وفق أي مذهب أو جماعة؟ الحقيقة- مرة أخرى- إن حديثاً صحفياً لا يتسع لتناول القضية على نحو معمق، لذلك أشير إلى أن هذه الشبهة تناولها بعض المفكرين والباحثين، كما ناقشتها – حسب اجتهادي- في دراستي عن الموضوع ضمن كتاب (من يمثل الإسلام: قراءة حضارية في إشكالات فكرية معاصرة) طبعة مركز الناقد الثقافي بدمشق .. ولكن – وبمعزل عن الممارسات السيئة الجديدة لبعض دعاة الدولة المدنية الحديثة من اليسار واليمين- أحسب أن مصطلح الدولة المدنية الحديثة بات – ولاسيما مع هذه الممارسات- يمثّل مشكلة ذهنية ونفسية -دعك من الجانب العلمي والشرعي الآن- لكثيرين حتى مع الإسلاميين الذين كانوا يؤيدون المصطلح بسبب الظلال التي يوحي بها المصطلح سواء من حيث نشأته الغربية ودلالتها (Civil State)، أم من حيث هذه المسلكيات الجديدة الداعمة لخصومه. ولهذا فأقترح أن يستبدل بمصطلح (دولة العدالة) (Justice STATE)( الذي يؤدي ذات الدلالات الإيجابية من حيث تقرير حقوق الحرية والمساواة والكرامة، ورفض الظلم والتمييز ونحو ذلك، لكنه مصطلح محايد ينزع الالتباس (المعجمي) الذي يكتنف مصطلح (الدولة المدنية)، وإذا كان إخواننا – بالذات- الليبراليين واليساريين ومن يذهب نحو رأيهم معنيين بالمضامين والدلالات والنتائج وليس بالصور والتراكيب والألفاظ فإنهم لن يعترضوا على مقترح كهذا، أما إن اكتشفنا- لا قدّر الله – أنهم أصوليون – من الأصولية الحرفية الغربية Fundamentalism أكثر من غلاة السلفية في الفكر الإسلامي، فحينها سيتعزز اتجاه الطرف الرافض للمصطلح أكثر، وسيقول بالصوت العالي: أرأيتم المسألة ليست مسألة عدالة وحرية ومساواة ورفض ما يناقضها، بل ذلك مجرد شعار خادع لهدف أكبر حقيقته استيراد نموذج غربي (معلّب) كامل، رافض للدين والشريعة، معادٍ لقيم الأمة وهويتها ومرجعيتها. وحقيقة هذا ما لا يريده أيّ ناصح مخلص لكل الصادقين في الدعوة لإقامة دولة مدنية حديثة وفق ثوابت الأمة ومرجعيتها الكلية.
.. هناك الكثير من الباحثين يقول : إن العلمانية من صميم الدين الإسلامي .. فلماذا الخوف من كل هذا .. أم أن اللفظ يثيركم ؟
- أرجوك أولاً لا تقل لي الكثير، ولكن ثمة أصواتاً تقول بذلك، وأقول : إن جئت إلى دلالة العلمانية ( Secularism ) المعجمية فحسب علمي لن تجدها من العلم Science ولكن من الدنيوية Earthliness، وعدم الاكتراث بشأن الدين. أما إن أصر البعض على أنها من العلم فذلك شأنه، ولكني أقول : هب أنها كذلك، غير أن ما استقر عليه الأمر في أوروبا، على خلفية النزاع في أوروبا من بعد القرن الخامس عشر الميلادي أنها حركة فكرية اجتماعية سياسية أقصت الدين عن ميدان الحياة، وحصرتها في نطاق الطقوس الدينية الخاصة، وهذا أخف أنواع الفلسفة العلمانية، أما مسلكياتها العملية أحياناً سواء في فرنسا – على سبيل المثال- أم في التحارب التي فرضت على دول إسلامية كتركيا وتونس يوماً، فتتدخل حتى في أخص الخصوصيات الفردية (نموذج غطاء الرأس)، فذلك يؤكد أن الحديث عن علمانية (إسلامية) محض خرافة! تأمل لو كانت المسألة (لفظية) فقط لفظ (المدنية) لم يكن محل اتفاق – كما سبق القول- رغم أننا نقول : المجتمع النبوي في المدينة (مجتمع مدني) أو (المجتمع المدني)، لكن هل هذا محل اتفاق اليوم من قبل كل من يردد هذا المصطلح؟ بالطبع لا وقس على ذلك مصطلح (الاشتراكية) فلا أحد يختلف بأن اللفظ عربي فصيح، لا إشكال في ذلك لكن دلالة المصطلح متنافرة في كثير من الأحيان، رغم أنها تلتقي مع مبادئ جوهرية في الإسلام كالعدالة الاجتماعية- على سبيل المثال- لكن أبرز أنواعها (الاشتراكية العلمية) ذات المضامين (الأيديولوجية) المناقضة لجوهر الدين ، أيّ دين. وكذا مصطلحات أخرى كالقومية بمفهومها الذي تم التخلي عنه اليوم كثيراً من قبل كثير من الأفراد والقوى القومية، ولو نظرياً، مع أنه وارد في الأصل في القرآن الكريم بلفظ (قوم) و(قومه) و(ياقومي)، وحتى في السودان فإن الحركة الإسلامية كانت يوماً تسمى (الحركة الإسلامية القومية) لكن تلك التسمية غير ذلك المعنى الذي استقر لحقبة زمنية غير قصيرة لدى القوميين في سوريا والعراق- على سبيل المثال- أي ذاك المفهوم الذي كان يقصي رابطة الدين ليُحل محلها رابطة العرق! فإذاً لا تحدثني عن آمال ومثاليات (طوباوية) لاوجود لها على الأرض، بل العبرة بما استقر عليه المصطلح وبدلالاته الفعلية على الأرض.
.. هل باتت العلمانية مطلباً ملحاً وضرورة تفرضها أحداث العصر لاسيما في ظل الظروف التي شهدناها في المرحلة الأخيرة من صراعات مذهبية وطائفية بعد أن كان ظننا خطأ إننا قد تجاوزنا ذلك بزمن وما هو شكل هذه العلمانية إن كانت مناسبة فإن لم تكن كذلك فكيف تفسّر انتكاسة الوضع الاجتماعي وخضم الصراعات الطائفية والمذهبية والصراع على شخوص التاريخ ؟ كيف لنا أن نتجاوز ذلك ؟
- أريد أن آتي على الجواب من آخر السؤال هناك من يفترض أن التعصب المذهبي والطائفي اليوم سببه (الدين) لأن كل جماعة أو مذهب أو طائفة تدعي بأنها تمثل الدين الصحيح، ومن ثم تستبيح دماء خصومها، وهذا تلبيس بل تزييف صارخ للوعي، ذلك أن الذي يجري هو تسييس للدين كما يجري تسييس لأي مبدأ إنساني (عظيم)، فإذا صح أن الذي يجري اليوم باسم الدين يكون مذهبياً أو طائفياً فليس بالضرورة أنه مذهبي أو طائفي ديني بل سياسي، أي مذهبية أو طائفية سياسية، وشواهد الواقع في العراق ولبنان – مثلاً - من أقوى الأدلة على ما أقول. وهنا ثمة تسطيح معيب يقدم على أساس أن العلمانية هي التي ستقضي على كل الخصومات والنزاعات التي تنسب إلى الدين، وكأن العلمانية شيء واحد بسيط متفق عليه، وينسى هؤلاء أنه إذا كانت شكواهم من الدين إنه نماذج كثيرة في صور التدين فإن العلمانية صور أكثر من ذلك بكثير يصعب حصرها هنا، بما في ذلك قيمتها الكبرى (الديموقراطية)، وكثير من القهر والقمع الذي يجري في مجتمعاتنا جرى تحت عنوان العلمانية، أرجوك لا تقل ذلك كذباً على العلمانية، فالعلمانية براء من ذلك، لأنك هنا ستناقض نفسك، إذ إن علماء كثرين ومفكرين إسلاميين عظاماً يؤكدون قبل ذلك أن هذا النموذج الذي يقتل باسم الدين فرداً كان أم جماعة لا يمثّل نموذج الدين الحق، وهل حلت المشكلة إذاً؟ .. لا بل إني أذهب إلى أبعد من ذلك حين أؤكد أنه إذا فرضت العلمانية على مجتمعاتنا المتدينة فستكون كارثة محققة، لأن أغلبية مجتمعاتنا بالقطع ترفض أن تحكمها سوى الشريعة، وقد أفصحت عن رأيي في موضوع العلمانية عما إذا كانت دواءً ناجعاً أم داء أشد، بنقاش مستفيض في سلسلة حلقات نشرتها في أسبوعية الناس قبل ما يقارب العامين تحت عنوان (حوار في الإسلام والعلمانية: هل العلمانية هي الحل؟)، ثم نشرت في مواقع إلكترونية عدة.
.. هل أنت مع الفيدراليات كخيار لإشكاليات الوضع الحالي ؟
- أرى الأمر جد معقداً، وخياري مع الدولة الاندماجية القائمة على أن تمنح كل محافظة كامل الصلاحيات، لتجاوز سلبيات المركزية التي كانت قائمة في عهد النظام السابق. أما خيار الأقاليم – دعك من الإقليمين- فصرت على قناعة بأنه مقدمة للانفصال، خاصة مع تصريحات رئيس فريق القضية الجنوبية بأنه سيمنح العمالة الشمالية أولوية في دولة شعب الجنوب القادمة! وبت على قناعة أكثر بأنه حتى بعض أولئك الذين جاءوا للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني من المحسوبين على جناح الوحدة من الحراك الجنوبي، بأن كثيراً منهم يبيّت الانفصال ولكن بعد أربع أو خمس سنوات، أي بعد أن يقيموا – كما يردد بعضهم- مؤسسات للدولة - في تلك اللحظة يُعلن بأن كل طرق الوحدة وصلت إلى طريق مسدود، ومن ثم فليس أمامنا سوى فك الارتباط فعلياً! ومع اختلافنا مع مبدأ الحراك الشمالي الذي يطالب بالانفصال صراحة، كالحراك الانفصالي في الجنوب إلا أنه قد كشف حقيقة المرامي التي يريدها الانفصاليون الذين قدموا إلى الحوار من الجنوب باسم الوحدة، إذ بدلاً من أن يرحبوا بذلك إذا بهم يشنون حملات ضارية على الحراك الشمالي، لأنه كشف حقيقة مراميهم، وفقاً لحديث الأستاذ عبد الوهاب طواف- رئيس الحراك الشمالي.
.. العدالة الانتقالية .. ما المقصود منها ؟.. و هل تعني عزلاً سياسياً للرئيس السابق وبقية القائمة .. أم أن هناك مصالحة و تعويضاً فقط .. و إذا قلت « عزلاً» ألا ترون أن هذا سيفجّر أزمة سياسية قادمة ؟
فلسفة العدالة الانتقالية بمعناها التفصيلي يُسأل عنها خبراء قانونيون مختصون أو متابعون، لكن ما أفهمه هو أن جوهر العدالة الانتقالية يتضمن مصالحة وطنية شاملة تتم فيها معالجات لمن أصابهم الضرر من الشهداء أو القتلى والجرحى في الفترة المتفق عليها، على أن يكون من مشمولات ذلك بطريق الأولى عزل المتسبب في تلك الجرائم عن العمل السياسي، لكي تكون المصالحة كاملة. وأقول : ما أفهمه بفطرة الإنسان السوي وبلغة القانون والقضاء والسياسة معاً أن من يمنح عفواً أو حصانة عن المساءلة القانونية يعني بداهة أنه متورط في جرائم تستحق ذلك العفو أو الحصانة، ومقابل ذلك العفو أو تلك الحصانة أن يتوقف عن الاستمرار في ممارستها.، أما إذا كان واثقاً من براءته فلماذا ينزعج من كل حديث عن نزع الحصانة، ويعده خروجاً عن بنود المبادرة الخليجية؟ ، وكونه يسعى الى الاستمرار في العمل السياسي، ذلك يعني نسف العدالة الانتقالية بما فيها من مصالحة وطنية من الجذور، لأنهم سيرجعون بنفسية المنتقم الذين يبغون إثبات أن سياستهم مستمرة، وان الربيع اليمني لم يسقطهم، وأن كل من تآمر (هكذا سيقال وهو يقال دائماً ) قد فشل في ذلك، ولابد أن ينال جزاءه العادل، وبذلك نتذكر مقولة (كأنك يابو زيد ماغزيت)، وتذهب – من ثم- دماء الشهداء وتضحيات الجرحى، وما أصاب الشعب من فقر وقهر وضنك ومعاناة أدراج الرياح، فضلاً عن أن هؤلاء سيعودون لإنتاج مسلسل العنف والصراع والتخلّف من جديد – لا سمح الله-.
.. من المعروف أن الفكر السياسي الإسلامي السني يقوم أكثر ما يقوم على ما يمكن تسميته ب« الطاعة السياسية» وفق أحد الباحثين فهل سقطت الآن منظومة الطاعة لاسيما وأننا نشاهد اليوم جماعات الإسلام السياسي وهي سنية تتجاوز ذلك الطود العظيم الذي طالما ارتكزت عليه في منظومتها السياسية ؟؟ هل تتصور أن الفكر السياسي السني سيجدّد من طروحاته أم أن تلك المنظومة التطويعية ستبقى وستكون هذه الأحداث التي جرت في السنوات الأخيرة مؤثرة أم ان التصلب سيكون هو سيد الموقف ؟
- لست أدري ماذا تقصد ب(الطاعة السياسة) ووصف الفكر السني بحق (الامتياز) فيها، إذ إني لا أفهم – من حيث المبدأ- من كل فرد سوي في أي نظام سياسي واجتماعي إلا أن يلتزم بواجباته، في المجال السياسي – على سبيل المثال- كما يطالب بحقوقه، فهل هذه سمة سنية خاصة؟ أم سمة الأفراد والمجتمعات السوية المستقرة الراقية، حتى في الغرب العلماني؟ إلا إذا كان التمرد لذات التمرد خصلة حميدة تستحق الإعجاب، فتلك معايير أعترف بأن فهمي لها لايزال قاصراً. أما إن كان القصد هو أن هناك تنشئة في الإطار السني خاصة بالسمع والطاعة العمياء للحاكم، من قبل الرافضين لأي تغيير إذا خالف هوى الحاكم، المشرعنين للاستبداد والقهر والجهالة باسم السماء، على غرار من يُعرفون ب(حزب الولاة) المنتسبين إلى الاتجاه السلفي، فتلك مشكلة أخرى لا تمثّل في الحقيقة الفكر السني الوسطي الواسع – وهو اتجاه الأمة في أغلبيتها- كما لا تمثّل فصائل أخرى في الجماعات السلفية، بل تمثّل جماعة من جماعاتها، وهذا ما أوضحته بقدر من التفصيل المناسب في الكتاب الجديد الأخير الذي لم ير النور بعد عن (فصائل السلفية في اليمن).
.. كيف تقرأ واقع الفترة الانتقالية بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني؟
- واقع الفترة الانتقالية بعد مؤتمر الحوار الوطني يبدو لي محفوفاً بجملة من التحديات أبرزها تحدي بقاء اليمن موحداً، وتحدي فرض سلطة الدولة على كل ربوع الوطن، وتحدي صياغة الدستور القادم وبينها مشكلات كثيرة بعضها أساسي وبعضها فرعي، وثمة مسألة هامة، أخشى أن تجرنا خارج القضايا الجوهرية وهي ما إذا كان الحوار الوطني ناجحاً ؟ وإلى أي مدى ؟ وهل يكفي لإعطائه درجة الامتياز أن يعلن الراعون الدوليون والأستاذ جمال بن عمر ذلك ؟ بمعزل عن الحقائق على الأرض؟. وهل فشله في بعض الجوانب يعني أنها الكارثة المحققة؟ كلا، لا أعتقد ذلك، ومن الخطورة الترويج لمثل هكذا قناعة منذ بدايات الحوار، وهو ماحذر منه بعض العقلاء منذ وقت مبكر.
.. أنت قدّمت أطروحة الدكتوراه تحت عنوان (نظرية المعرفة في القرآن وتضميناتها التربوية ) ثم صدرت في 2002م عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، هل يمكن تقديم موجز عن تعريف نظرية المعرفة، وطبيعتها ومصادرها؟
- الموضوع طويل ومعقد وله انعكاساته التربوية، لكن كفكرة عامة نظرية المعرفة تبحث في قضايا طبيعة المعرفة، ومصادرها، ومدى إمكان الحصول عليها. أما طبيعة المعرفة فالبحث في العلاقة بين الذات العارفة (الإنسان)، والموضوع المعروف: عالم الغيب والشهادة وعالم الأنفس والآفاق. أما مدى إمكان الحصول عليها فمبحث فلسفي لا يمثّل مبحثاً أصلياً في نظرية المعرفة في القرآن، لأن القرآن جاء دعوة إلى المعرفة بلا حدود { وقل رب زدني علماً } ،{ وفوق كل ذي علم عليم}، وثمة حثٍّ على الحصول عليها، عبر آيات أخرى وأحاديث صحيحة كثيرة، وهل يمكن أن يكون ذلك إلا لأن الإنسان قادر على أن يحصل عليها بداهة؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.