صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العثماني: مبالغة التنظير لتماهي الدين بالدولة رد فعل لتطرف العلمانيين في دعوى الفصل الكلي
قال إن العلمانية الفرنسية تحولت إلى عقيدة ولم تعد علمانية مدنية..
نشر في الصحوة نت يوم 30 - 05 - 2010

جدلية تداخل الديني بالسياسي وعلاقة الدولة الدينية بالدولة المدنية من القضايا الفكرية المعاصرة الأكثر جدلاً في أوساط نخب المشهد السياسي والفكري العربي بمختلف أطيافه وتوجهاته من إسلامييه إلى علمانييه مروراً ببقية شركاء المشهد من لبراليين وقوميين، هذا الجدل برز مؤخراً في أدبيات الحركة الإسلامية السياسية، في مراجعات فكرية أبتدأها ضيف هذا الحوار قبل عدة سنوات، وتبلورت في كتابين هامين صدرا مؤخراً هما " تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الإمامة:الدلالات المنهجية والتشريعية" وكتاب "الدين والسياسة تمييز لا فصل " وقبل هاتين الرسالتين، صدر للمؤلف الكريم كتاب بعنوان" الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي و الإمام " وكتاب آخر حول " المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام بن تيمية" وفي هذا الحوار الذي أجراه كل من نبيل البكيري ومجيب الحميدي وعدنان العديني مع المفكر الإسلامي والسياسي المغربي الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي رئيس المجلس الوطني ومسؤل العلاقات الخارجية في الحزب الدكتور سعد الدين العثماني أثناء زيارته لصنعاء الأسبوع الماضي، يسُلط العثماني الضوء على الخطوط العامة لهذا المشروع الإجتهادي، وبعض قضايا الفكر السياسي الإسلامي المعاصر:

مجيب الحميدي:- في إحدى دراساتك المنشورة ترى أن كثيرا من الاختلافات وسوء التفاهم بين مختلف المدارس المتصارعة في موضوع علاقة الدين بالسياسة يرجع إلى الاختلاف الاصطلاحي أكثر منه إلى جوهر الإشكاليات، ما مدى تقييمك لاستيعاب الحركات الإسلامية لطبيعة هذا الخلاف وما الآثار العملية لهذا الإدارك على واقع علاقة الإسلاميين بالعلمانيين؟
أنا أظن أن الفكر الإسلامي في بداية النهضة العربية الإسلامية وخصوصاً نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تشكل كرد فعل على هجمة الثقافة الغربية وكان من الطبيعي أن تظهر فيه بعض الأخطاءوبعض المبالغات التي لم تكن مبنية على عمق نظري واستقراء موضوعي للموقف الشرعي ولكن على حل إشكالات للحفاظ على الوجود في مقابل هجمات الفكر الغربي و من بين القضايا التي كان فيها غموض إلى عهد قريب هي علاقة الدين بالدولة بالدنيا بالسياسة في الإسلام.

مجيب الحميدي:- ما هي الإشكاليات التي استدعت هذه المراجعة لما تصفه بالمبالغة في التماهي بين الدولة والدين؟
الفكر يتطور.
مجيب الحميدي:- هل نتج عن هذا التماهي إشكاليات على صعيد المزج بين الفتوى والرأي البشري ؟
الحضارة الإسلامية في بداية القرن الماضي أرادت أن تُعيد شمولية الدين إلى العقل الإسلامي المتأثر بالفكر الغربي والذي بدأت تنشأ فيه مدارس تحاول أن تجاري الفصل بين الدين والدولة والدين والسياسة في أقصى درجاته، فبالغ للتنظير للتماهي بين الدين والدولة والدين والسياسة وهذابالطبع انتج إشكالات أخرى ونتيجة هذه الإشكالات التي طرحت وعلامات الاستفهام فيها هو الذي أدى إلى خروج فكرة التمييز لا الفصل التي نادى بها كُتاب كثيرون.

مجيب الحميدي:- هل يؤدي عدم التمييز من وجهة نظرك إلى كهنوتية تفرض نفسها على الحياة السياسية؟
ليس الكهنوتية كلها ولكن قريبة منها، حيث وجدت إشكالات لم تستطع أن تجد حلاً في هذا التماهي ثم وقع أيضاً انفتاح على النموذج الأنجلو سكسوني من الناحية النظرية، ففي البداية الذي سيطر في الدراسات النظرية في علاقة الدين بالدولة والدين بالسياسة هي المدرسة الفرنسية ، العلمانية الفرنسية المتشددة ضد الدين أو المهمشة للدين بشكل كبير ، لكن بعد ذلك تبين حقيقة أنه حتى في الفكر الغربي هُناك مدارس وهُناك اتجاهات، وأن هذا الاتجاه الواحد هو الاتجاه المسيطر نظرياً لكن عملياً هُناك توجهات أخرى هي أقرب إلى الفكرة الإسلامية مع شيء من التعديل واختلافات محدودة، لكن هي الأقرب ومن هُنا جاءت فكرة التمييز.

مجيب الحميدي:- أنت أشرت إلى أن فكرة التمييز تأتي لفتح فضاءات الاستفادة من عطائات التجربة الإنسانية، في مجال السياسة، لأن البعض ربما تجمدت عندهم الصورة التاريخية للدولة الإسلامية وهناك من يعتقد أن صورة الدولة الإسلامية هي الصورة التاريخية في عصور الخلافة مثلاً ؟
هذه إحدى نتائج التماهي المفرط بين الديني والسياسي في الفكر الإسلامي المعاصر، حيث صار السياسي ينطبق عليه ما ينطبق على كثير من جوانب الدين من الثبات، وهكذا تجمد الفكر وحاول الناس أن ينحتوا من التاريخ الإسلامي أفكاراً مقابلة للافكار الغربية مستقاة من الالفاظ الدينية والنصوص الدينية مثل الشورى مقابل الديمقراطية على أساس افتراض التضاد ومثل الخلافة مقابل الدولة المدنية وهكذا ولكن مع التمعن نجد أن هذا التضاد في الحقيقة مصطنع ونكتشف أنه ليس حقيقي عندما نفكك القضايا لأن معالجة القضايا بصورة نظرية بصيغة التعميم يغطي ما فيها من صواب أو ما فيها من إيجابيات وما فيها من خير ويجعلها كلها في سلة واحدة وهذا لا يليق كمنهج في التحليل والنظر وتقييم أي تجربة بشرية وكل تجربة بشرية وكل فكر بشري يُؤخذ منه ويُرد، يُستفاد من إيجابياته وتطرح سلبياته ، يسلط عليه النقد ولكن ايضاً يُؤخذ بما فيه من إيجابي للإنسان ، وهذا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق التفكيك ، أما النظر إلى الأمور بالعموميات هكذا، وإصدار أحكام مطلقة عليها، فهذا ينافي المنهجية العلمية وينافي حتى المنهج الإسلامي في النظر إلى الأمور.

عدنان العديني:- في هذه النقطة أشرت في كتاب تصرفات النبي (ص) في الإمامة إلى أن هذا المسلك في التمييز بين تصرفات النبي (ص) في النبوة والإمامة يؤدي هذا التأصيل إلى الفصل بين السلطات وإيضاح الجانب المدني وأن الدولة تتأسس على جانب مدني، كيف ذلك ؟
هاتان فكرتان متمايزتان مختلفتان، الفكرة الأولى بأن التنظير الذي قام به الإمام شهاب الدين القرافي في بعض كُتبه وخاصة في كتابه المعروف " الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي و الإمام " عملية التمييز التي قام بها هي إبداع حقيقي لأنها تشكل بذور جنينية للتمييز النظري في الفكر السياسي بين هذه السلطات عندما يمييز بين القاضي كقاضي وبين رئيس الدولة الذي يقوم بالوظيفة السياسية ويعطي لهذا سمات الفعل ا لقضائي وسمات العمل السياسي هذا إبداع في الفكر البشري وهذا شيء مهم، على أساس أن التشريع أساساً للفقيه في المجتمع المسلم قديماً لأن آنذاك الفقيه يشكل السلطة العلمية وحتى سلطة الشورى، لأن الفقهاء والعلماء، نتيجة وحدة المعرفة أنذاك وبساطتها وهذه في الحقيقة هي بذور وليست فصل حقيقي بين السلطات ولكن بذور للنظرية للفصل بين السلطات.

عدنان العديني:- إذا صح التوضيح الذي ذكرته في كتابك في مسألة تعريف أبن خلدون للسلطة السياسية وواجباتها بأنها نائبة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجانب السياسي، هل يصح هذا الاعتبار في السلطة التشريعية باعتبار أن الفقيه هو نائب عن النبي (ص) ؟
العلماء ورثة الأنبياء كعلم، لكن يجب أن لا نأخذ حتى تقسيمات القرافي كمسلمة مطلقة خارج الزمان المكان والسياق لكن أنا قلت هي بذور وهي فكر يصلح لعصره، لكن قضية أبن خلدون أنا تحدثت عنها في سياق مغاير، السياق الأخر هو بالنسبة للسلطة السياسية ما دام هي تَخْلُفْ النبي، لكن تخلفه في ماذا ؟ تَخْلفه في الجانب السياسي وبالتالي فإذا كانت تصرفات النبي صلى الله عيه وسلم السياسية نفسها تصرفات مدنية، تصرفات إجتهادية ، تصرفات بشرية ، فمن باب أولى أن تكون تصرفات من بعده تصرفات سياسية لا تخرج عن هذا السياق البشري الاجتهادي.

عدنان العديني:- ذكرت أيضا يا دكتور أن ولاية الأمر في السلطة السياسية وهذا كثيراً ما يجعل البعض يخلطون في هذه النقطة بين العُلماء والحكام ؟
لا التمييز الذي أتى به القرافي "التصرفات بالإمامة " يعني التصرفات بالسلطة السياسية والإمام هُنا معرف لدى القرافي محدد وهذا مصطلح وبالتالي التقسيم يجب أن يُفهم في إطار المصطلح كما حُدد، سمه إماماًً وسميه رئيس دولة، الألفاظ يجب ألا تحجب المعاني بل المعاني هي التي لها الأولوية في فهم الألفاظ، والدولة المدنية بمعنى أن الاجتهاد فيها بشري، القرار السياسي فيها بشري، وبالتالي فهي مدنية ليست دينية.

عدنان العديني:- هل يعني هذا أنه عندما تكون ليست دينية بالمعنى الغربي ستكون ليست مدنية بالمعنى الغربي أيضاً ؟
لا ، المعنى الغربي،المشكل فيه هو في الدين، لأن الديني في المعنى الغربي يستحضر المعنى الكنسي، أما المدني لا ، وأنا قلت أن هُناك فرق بين العلمانية الفرنسية وSecularism في الأنجلوسكسونية، والعلمانية الفرنسية هي عقيدة ونحن لا نستحضرها هُنا وليست هذه مدنية حقيقية لأن المدنية خارج إطار أي عقيدة، هي تسيير وتدبير شؤون الدولة وشؤون السياسة بناءا على النجاعه بناءاً على المصلحة بناءا على المألات وهي كلها مفردات تستخدم في الفكر والحقل الإسلامي.


نبيل البكيري:- بناءاً على هذا هل نستطيع القول أنه ليس هُناك أي معنى حقيقي للعلمانية الغربية ؟
لا، لأنه عندما نستدعي النموذج الغربي هو للاستفادة وللمقارنة وليس للتبني المطلق، ليس هُناك أي تجربة في أي ثقافة أو أي حضارة أو أي مجتمع تُبنى عن طريق نفخ تجربة أخرى، وأنا أقول أكثر من هذا أنه حتى في العلاقة بين الديني والسياسي في المجتمعات المسلمة ليس من الضروري أن تكون على نمط واحد، فيمكن لكل مجتمع أن يبنى تجربته من سياقه التاريخي وتكون مختلفة عن تجربة العلاقة بين الديني والسياسي في أي مجتمع أخر، ولو كانا مجتمعين مسلمين، لأن هُناك ما يسمح به واقع المجتمع فيما يتراضي عليه الناس، هُناك أبعاد كثيرة قد يختلف فيها مجتمع مسلم عن مجتمع مسلم.

نبيل البكيري:- هل نستطيع القول إذاً بناءا على هذا أن تجربة الخلافة الإسلامية الراشدة كانت تجربة سياسية بشرية بامتياز، وهي بالتالي ليست هي الصورة التي لا يمكن الخروج عنها في تشكيل قالب الدولة التي يريدها الفكر الإسلامي ؟.
نعم، هذا صحيح، فإذا كانت تصرفات الرسول (ص) السياسية نفسها هي تصرفات بشرية اجتهادية فمن باب أولى أن تكون تصرفات خلفائه الراشدين بشرية واجتهادية أيضاً.

مجيب الحميدي:- من خلال تتبع كتاباتك نلاحظ أن التنظير لتمييز الدين عن السياسة،لا الفصل ، ينم عن مشروع متكامل في إطار اهتمام محوري، وهل يمكن أن نعزو هذا الاهتمام إلى محاولة إيجاد مقاربة فكرية تفضي إلى تقارب فكري بن الإسلاميين والعلمانيين بشكل من الإشكال؟
هذا مشروع مستمر، وممكن أيضاً أن يفضي إلى تقارب بين الإسلاميين وفصيل أو فصائل من العلمانيين ليس كلهم, لأن العلمانية هي أنواع وأشكال، هُناك علمانية أقرب ما تكون إلى التصور الإسلام، وهُناك علمانية بعيدة مغرقة في التشدد كما أن هناك هُناك في الفكر الإسلام من هم متشددون، ومن هم أقل تشدداً ومنهم وسطيون.

نبيل البكيري:- هذا يعني أن الدكتور العثماني يتفق مع مقولة الدكتور المسيري وتقسيمه للعلمانية إلى " علمانية جزئية وعلمانية شاملة" ؟
هذا ملحظ مهم عند المسيري بقوله أن هُناك علمانية جزئية وعلمانية شاملة على أساس أن العلمانية الجزئية هي علمانية على مستوى المؤسسات فقط تمييز بين الديني والسياسي على مستوى الدولة والمؤسسات فقط حتى لا تكون هُناك هيمنة للديني على القرار السياسي وهذه هيمنة بينما الشاملة عقيدة في المجتمع وعقيدة في المؤسسات وهناك تمييز بين المستويين، لكن هذا ليس معناه أن هذه العلمانية الجزئية التي طبقت في بعض الدول الغربية هي نفسها التي ندعي أنها علاقة الديني في السياسي بالإسلام، كل تجربة عندها سياقها وعندها خصوصياتها أيضاً.

نبيل البكيري:- نفهم من كلامك يا دكتور أنه ممكن أن نستضيء من ملامح تجربة علمانية ما للاستفادة منها في واقع مجتمعاتنا الإسلامية؟
نعم هذا صحيح، المسلمون استفادوا عبر القرون من تجارب دول كافرة، عمر بن الخطاب أخذ نظام الدواوين من الفرس، وكثير من الأنظمة في التاريخ الإسلامي أخذت من حضارات أخرى غير مسلمة.

نبيل البكيري:- في هذه النقطة بذات تحدث الدكتور محمد عابد الجابري - رحمه الله- أنه ليس هُناك علمانية في المجتمع الإسلامي لأنه ليس هُناك كنيسة، وبالتالي ليس بالإمكان الاستفادة من أي تجربة علمانية ؟
لكن هو نفسه يستحضر هُنا التجربة الفرنسية، فالنخب في المغرب هي نخب فرنكفونية، ولقد استفادت من الفلسفة الفرنسية وبالتالي هو يقول لا يمكن أن تكون هناك علمانية في الإسلام، لكن نحن ندعو ليس إلى العلمانية ولكن إلى الديمقراطية، وفي هذا نوع من البرجماتية ومحاولة التهرب من ردود الفعل الغاضبة، لأن طرح العلمانية يؤدي إلى ردود فعل مضادة، وبالتالي هو يدعو إلى التخلى عن التسمية واستبدالها بمصطلح الديمقراطية والعقلانية.

عدنان العديني:- يمثل هذا الطرح يا دكتور من قبلكم كمنتمين للتيار الإسلامي تجديداً وتحديثاً فكرياً يحد من مساحة المواجهة والصدام مع نخب المشهد السياسي والفكري العربي الأخرى من علمانيين ويساريين وقوميين وغيرهم ، هل هناك تحديث ومراجعة من الطرف الأخر وخاصة العلماني تصب في هذا الاتجاه ؟.
قضية الحديث عن تصرفات الرسول في الإمامة وعن سماتها وعن الدولة المدنية في الإسلام، وعن التمييز بين الديني والسياسي، ليس تقرباً من العلمانية, لكن إذا تمعنا في التاريخ الإسلامي نجد أن هذا التمييز وجد باستمرار، فنحن عندنا نشأت في الفكر الإسلامي المعاصر منذ بداية القرن الماضي، مبالغة في هذا الأمر كرد فعل على التجربة العلمانية الغربية، وبتالي فهذا تصحيح وقام به جيل من المفكرين ومن العلماء، جيل كامل من العلماء نظروا له تدريجياً وهذا طبيعي في أي فكر. بالنسبة للجانب العلماني، هناك كثير من الناس كانوا يتبنون العلمانية هذبوا رؤاهم وعدلوا في بعض أفكارهم واقتربوا أكثر من الفكر الإسلامي، وهذا طبيعي.

نبيل البكيري:- إلى أي مدى ممكن أن ينعكس هذا على السياسة، مشروع الدولة، لأن أغلب نقاط الصراع كان في هذا الجانب ؟
لا، أنا في رأيي، مشروع الدولة ليس ضروري أن يكون عنده انعكاس في ذلك، لأن الديمقراطية هي تنافس بين مختلف القوى سوى كانت علمانية أو إسلامية أو غيرها، لأن الديمقراطية أوسع في الوطن، من طوائف أو أفكار، فكرة التمييز بين الديني والسياسي هي فكرة لإعادة بناء وقراءة هذه العلاقة في الفكر الإسلامي بغض النظر عن المشروع السياسي، صحيح أنه بالنسبة للمشروع يجعله أكثر واقعية ويجعله أكثر قبولاً ويجعله يستوعب أكثر التطورات الموجودة في الفكر البشري وفي الواقع الإنساني.

عدنان العديني:- العقيدة السياسية هي قاعدة ضمن مدرسة الدولة الغربية، الجميع يُنشأ على هذه القاعدة الموحدة تصوراتهم لفكرة الدولة ولوظيفة الدولة، وبالتالي يختلف الناس بالمشاريع السياسية والبرامج الانتخابية لكن القاعدة واحدة، بينما لا توجد هذه القاعدة في مجتمعاتنا؟.
هذا صحيح لأننا في حالة انفعال بالأخر، لأننا لسنا في مرحلة البناء المؤسسي الحقيقي في العمق، نحن منفعلون وهذا طبيعي لأن هناك حضارة مهيمنة وحضارتنا في طور البناء والتأثر.

مجيب الحميدي:- كيف تقيم تجربة العدالة والتنمية التركي على ضوء نظرية الفصل والتمييز هذه بين الديني والسياسي؟
التجربة التركية, لها سياق مختلف تماماً على مستوى الدولة وعلى مستوى السياسية وعلى مستوى المجتمع وبالتالي فمستقبل التجربة وتطوراتها مختلفة، وتركيا كدولة حديثة ليست كدولنا دول تقليدية، ونحن لا زلنا تلاميذ في مجال الديمقراطية على حسب تقديري، وعلى مستوى المجتمع هناك تحديث على مستوى المجتمع، والتحديث هنا بمعنى البعد عن التخلف أما نحن في مجتمعاتنا لا زال هناك تخلف واسع، ملايين من الأميين، وتخلف على مستوى البناء الاجتماعي وعلى مستوى التصورات وعلى مستوى الدين نفسه, وبالتالي لا مكان للمقارنة بين التجربتين.

العثماني في سطور
الدكتور سعد الدين العثماني -مواليد 1956م-من أبرز السياسيين الإسلاميين في المغرب؛ فقد خاض غمار العمل السياسي منذ أن كان نائباً برلمانياً في مدة الولاية التشريعية 1997 وحتى 2002، ومن المدة التشريعية الثانية من 2002 حتى 2007 . كما كان مديراً لحزب (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) من يناير 98 إلى نوفمبر 1999، وعضواً مؤسساً لحزب (التجديد الوطني) 1992 الذي تعرّض للمنع من السلطات المغربية.إضافة إلى أن الدكتور العثماني كان نائباً للأمين العام لحزب (العدالة والتنمية) منذ 1999، إلى أن أصبح أمينه العام منذ أبريل 2004م.

و على الرغم من تجربته السياسية إلا أن تاريخه الأكاديمي كان حافلاً؛ فهو يحمل الدكتوراه في الطب العام سنة 1986، من كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، كما قرنها بإجازة في الشريعة الإسلامية سنة 1983 من كلية الشريعة بأيت ملول.

كما نال دبلوماً في الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ( نوفمبر 1999)، تحت عنوان "تصرفات الرسول صلى الله عليه بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية". ودبلوماً آخر في الطب النفسي سنة 1994 المركز الجامعي للطب النفسي، بالدار البيضاء. كما حاز شهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله سنة 1987 دار الحديث الحسنية في الرباط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.