قدر ما تختزل مدرسة وجامع العامرية من تاريخ حقبة زمنية سياسية مهمة فإن نقوشها و زخارفها تختزل تاريخ المدارس الفنية و الإبداعية والثقافية وكل تفاصيل الفنون المعمارية والهندسية اليمنية . حظيت مدرسة العامرية في مدينة رداع باهتمام واسع وشهدت تنفيذ عمليات ترميم منذ 1983م في سبيل الحفاظ على هويتها الثقافية والحضارية . تسليط المزيد من الأضواء على الكثير من الجوانب المتعلقة بمراحل الترميم ..التقينا يحيى محمد النصيري مدير عام مكتب الآثار في محافظة البيضاء مدير مشروع ترميم مدرسة وجامع العامرية بمدينة رداع فسألناه أولاً عن المستوى الذي وصلت اليه عملية الترميم فقال: عملية الترميم يتم تنفيذها على مراحل وبطريقة بطيئة لمنع حدوث أية أضرار في المعلم ومن هنا نجد أن المرحلة الأولى من أعمال الترميم قد استمرت من مارس 1983م وحتى ديسمبر 1999م تم فيها صيانة القباب واعادة بناء ما تهدم منها من المعالم وتواصلت المرحلة الثانية من 2000م وحتى 2005 وتم فيها صيانة النقوش والزخرفة الداخلية وصيانة الحديقتين الداخلية والخارجية والانارة والممرات كما تم فيها رفع نفقات أعمال الترميم حيث تواصلت الأعمال وبشكل مستمر من النصف الثاني لعام 2000م وحتى الانتهاء من المرحلة الثانية بالافتتاح في سبتمبر من 2005وبلغت تكلفة المرحلتين مائة واثنين وستين مليون ريال من بداية العمل في مارس 1983م و حتى الافتتاح في 2005م. اما بخصوص المرحلة الثالثة فأضاف انه قدمت خطة عمل باستكمال الاعمال الترميمية و اللمسات الفنية الاخيرة وتجديد اماكن العبادة والسكن والمدرسة. و بخصوص تقييمه لهذه المراحل من حيث الدلالة والأهمية يقول: كل مرحلة مرت فيها عملية ترميم شكلت جزءاً هاماً لا يمكن تجاهله في العملية الشاملة للحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري للإنسان فكما أسلفنا عملية الترميم بحد ذاتها هي عملية معقدة و ذات أهمية بالغة تقوم بدرجة أساسية على الحفاظ على المضمون والشكل وهما بحد ذاتهما يشكلان عناصر أساسية في دراسة الدور الإنساني والثقافي والاجتماعي والمعماري لتلك الفترة . واوضح : بأن ما تحقق يعتبر مكسباً وطنياً بجميع المعايير حيث إن التكلفة هي خمسمائة وأربعون مليون ريال وما تم إنفاقه هو مائة واثنان وستون مليون ريال أي حوالي ثلث المبلغ المقدر لتنفيذ هذه المرحلة إضافة إلى ذلك فإن ما تحقق من انجاز تم تنفيذه بأياد يمنية اصبح يشكل ثروة بشرية يفخر بها الوطن ويمكن الجزم بأنه من خلال أعمال الترميم تم إعداد و تأهيل كادر فني كما تمت عملية إحياء المهنة التي كانت قد اندثرت وهي مهنة القضاض الذي يعتبر مادة أساسية في العمارة اليمنية . مراحل اما ما يتعلق بالاهتمام الدولي والقيمة الحضارية التي يمثلها المعلم فيقول النصيري : إذا نظرنا إلى المعلم وما يمثله من أهمية تاريخية ونموذج رائع نادر للعمارة اليمنية الإسلامية حيث يشمل المعلم جميع الطرز الزخرفية الإسلامية فقد جمع المعلم نماذج لفن الزخرفة الإسلامية الشرقية والغربية وهذا نادر إذ نجد جميع الطرز الزخرفية موجودة في معلم واحد وليس غريباً أن يحظى هذا المعلم بالاهتمام الحكومي وغير الحكومي بل وحتى الاهتمام الدولي حيث وقد شاركت الحكومة الهولندية مشكورة في أعمال الإنقاذ والترميم لهذا المعلم التاريخي وقدمت العون المالي والإعلامي حيث شارك الجانب الهولندي في تمويل إعادة أعمال المنجور الخشبي كما ساهم في تجهيز الطابق الأرضي وبالصورة وجعله متحفاً يظهر المبنى قبل الترميم والحالة الإنشائية السيئة التي كانت عليها ...واضاف : كما شارك الجانب الهولندي في تمويل عملية تنظيف و تثبيت الزخارف و النقشات الملونة إلى جانب الصندوق الاجتماعي للتنمية وقد قام بتنفيذ هذه الأعمال فريق ايطالي إلى جانب فريق يمني من الاختصاصيين بالهيئة العامة للآثار إضافة إلى الكادر المحلي من أبناء رداع . وفيما يتعلق باهتمام القيادة السياسية ممثلة بالاخ رئيس الجمهورية في الحفاظ على هذا الموروث الإسلامي النادر في رداع يقول النصيري : لقد أولت القيادة السياسية هذا المشروع كل رعاية واهتمام ومتابعة ومن خلال هذا الاهتمام والتوجيه والمتابعة تحقق هذا الانجاز الوطني العظيم وأصبحت المدرسة العامرية مرشحة لعدة جوائز عالمية من أهمها جائزة اليونسكو في حماية التراث العالمي وكما أعلنت مؤسسة الآغا خان العالمية فوز مدرسة وجامع العامرية التاريخية بمدينة رداع بجائزتها في العمارة الإسلامية . جائزة الفوز وجاء فوز العامرية بالجائزة حسب هيئة الجائزة بالمؤسسة بناءً على خصوصيتها الفنية والمعمارية التي استوعبت في ترميمها أكبر عدد من الحرفيين والأثريين ، وكذا تدريب اكبر عدد من العاملين الذين سوف يكون لهم دور كبير في حماية وترميم العديد من المعالم التاريخية والأثرية الأخرى في اليمن والعالم الإسلامي ، والحفاظ على الموروث الشعبي الحضاري الإنساني ، وقبل ذلك خطوات تنفيذ عملية الترميم التي حافظت على البصمة الأصلية لروح العامرية تصميماً ومعماراً ونقوشاً ومواد خام فضلاً عن كونها من خلال عملية الترميم أسهمت في إحياء مهن تاريخية وأثرية واستخدمت مواد أصلية هي نفسها التي استخدمت في بناء العامرية عند إنشائها في عهد السلطان عامر بن عبد الوهاب إبان الدولة الطاهرية عام 1504م/ 910 ه ، حيث لم تستخدم أية مواد حديثة في عملية الترميم فضلاً عن الحفاظ على تفاصيل ومحتويات المعالم الأثرية في مختلف النواحي وبدقة وبراعة متناهية وفق بصماتها الأصلية. ورشحت مدرسة وجامع العامرية التاريخية بمدينة رداع لنيل عدة جوائز عالمية مؤخراً أهمها جائزة الآغا خان في العمارة الإسلامية وجائزة اليونسكو في حماية التراث العالمي... والأخيرة لم تعلن نتائجها بعد ..وتأسست جائزة الآغا خان سنة 1977م بدعم وتمويل من الأمير آغا خان الزعيم الروحي للمسلمين الإسماعيليين في العالم ، كخدمة للإسلام من خلال الاعتراف بفن العمارة في جميع أنحاء العالم الإسلامي وتشمل أيضاً المباني المنجزة في دول غير إسلامية والمخصصة لخدمة الجالية المسلمة... كما تكافئ الجائزة من لهم دور في إنجاز صروح وتحف معمارية وخطط تساهم في تطوير الأرياف وتحافظ على البيئة العمرانية والاستفادة من التكنولوجيا كهدف أساسي للتصميم ومشاريع الإسكان الاجتماعية ومشاريع الترميم والمحافظة على التراث المعماري القديم وتمنح الجائزة كل ثلاث سنوات وتصل قيمة الجائزة إلى 500000 دولار وتعد أكبر جائزة معمارية إلى الآن، ولولا الاهتمام والمتابعة و الرعاية من فخامته لما تحقق هذا الانجاز ، وأصبحت اليمن في مقدمة الدول التي ينظر إليها العالم باهتمام لما تقدمه من حماية ورعاية وإنقاذ للتراث العالمي ولا ننسى بأن فخامته قد وجه بترميم وإعادة تأهيل العديد من المعالم والمواقع الأثرية والتاريخية بالمحافظة ومن أهمها قلعة البيضاء وقلعة رداع وجامع الرباط وجامع البغدادية برداع وهذا يؤكد الاهتمام والرعاية التي يوليها فخامته للموروث الحضاري والإنساني الذي يعتبر ثروة وطنية يفاخر بها اليمن أمام العالم .