إحتفلت بلادنا اليوم الثلاثاء وسائر بلدان العالم للمرة الثانية والعشرين بعد المائة بعيد العمال العالمي، الذي يصادف الأول من مايو من كل عام، وذلك تكريماً لهم ولدورهم وتقديراً للعامل وجهده وعرقه، وتعاطفاً معه ومساندته في جميع مجالات العمل . وبهذه المناسبة أقيمت احتفالات تكريمية في معظم دول العالم تم من خلالها تكريم المبرزين في مختلف ميادين العمل والإنتاج كتقليد سنوي تأكيداً على الدور الذي تلعبه شريحة العمال في رفاهية المجتمع وتطوره وخدمة الوطن والمواطن باعتبارهم المحرك الأساس لعملية التنمية المستدامة . وفي الإحتفال الذي نظمته بلادنا على قاعة المركز الثقافي بصنعاء أكد رئيس مجلس الوزراء الاخ محمد سالم باسندوة حرص حكومة الوفاق الوطني على التعاون مع اصحاب العمل ووزارة الشئون الاجتماعية والعمل من اجل تحسين حياة العاملات والعمال والارتقاء باوضاعهم المعيشية، واعطائهم كل الاهتمام الذي يستحقونه بمجرد ان تتحسن ظروف اليمن ونتجاوز الأوضاع الراهنة، وذلك تقديرا لجهودهم وتضحياتهم ومعاناتهم . واعتبر الاخ رئيس الوزراء لدى حضوره اليوم بصنعاء الاحتفال التكريمي بمناسبة الاول من مايو عيد العمال العالمي هذه المناسبة محطة مهمة لإجراء مراجعة مسئولة لمستوى العلاقة بين الأطراف المعنية بمنظومة العمل: الحكومة، والعامل وصاحب العمل، والتأكد من مستوى إنفاذ التشريعات الحاكمة لبيئة العمل . وخاطب عاملات وعمال اليمن قائلا " يسرني أن أتوجه إليكم بأحر التهاني وأطيب الأمنيات بيوم العمال العالمي، هذا اليوم الذي يخلد إنجازاتكم وعطاءاتكم وإسهاماتكم في بناء الوطن، فأنتم وقود التنمية وأنتم سواعدها، وأنتم أعمدتها العتيدة، وأخص بالتهنئة زملاءكم الذين تم تكريمهم هذا العام، نظير ما قدموه من عطاء وبذل وتفاني في ميدان العمل والإنتاج ". وأضاف " ها نحن اليوم نحتفل معكم بهذه المناسبة، اعترافاً بفضلكم، وتقديراً لجهودكم، وإيماناً بدوركم الأساسي في الحياة، ولولاكم لما سارت الحياة.. ولقد آن الأوان لكي تستقيم المعادلة، وتتحقق العدالة، ولن تتحقق العدالة إلا حينما نراكم تنعمون بعوائد التنمية التي أُنتجت بسواعدكم ". كما حث العمال والعاملات على الصبر والمثابرة، والعطاء والإنتاج، وأن يكونوا كما عهدناهم جنوداً أوفياء لوطنهم وسواعدَ فتيةً لبناء اقتصاد الوطن.. فنحن جميعاً نقف على قارب واحد، ونتطلع إلى أن نصل إلى شاطئ الأمان، شاطئ اليمن الجديد الذي يتشكل بإرادتكم الصلبة وبإصراركم على الحياة الحرة الكريمة . وجدد الاخ رئيس الوزراء في ختام كلمته التهاني والتبريكات، لكل الذين كرموا بهذه المناسبة، وهنأهم على كل ما قدموه، واستحقوا لأجله التكريم والثناء العطر، وهو تكريم لكل عامل وعاملة . من جانبه اعتبر أمين عام اتحاد نقابات عمال اليمن علي أحمد بالخدر ان الاحتفال بعيد العمال العالمي يجسد آمال وتطلعات الطبقة العاملة لتجاوز ما آلت إليه أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصعاب والتحديات التي يواجهها الوطن في مختلف المجالات . وقال:" إن الحماية الاجتماعية للعمال تمثل أهمية بالغة ومطلبا رئيسا ليستطيعوا الشعور بالاستقرار النفسي واﻷسري في ظل صعوبات الحياة المعيشية وقلة الأجور ". وطالب الحكومة بإيجاد مساحات لبناء وحدات سكنية للعمال والموظفين يتم تمويلها من الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتأمينات والبنوك ورأس المال المحلي وتقسط من رواتبهم وإعطاء اﻷولوية لتوفير التأمين التقاعدي واتخاذ إجراءات تشريعية بإلزامية التأمين وتنفيذ التوجيهات السابقة بإنشاء بنك للعمال والاهتمام بالمتقاعدين وتحسين أوضاعهم وتنفيذ ما تبقى من الاستراتيجية الوطنية للأجور ورفع الحد اﻷدنى لها بما يتناسب مع الأوضاع المعيشية الصعبة . رئيس المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أحمد صالح سيف بدوره قال:" إن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي ملك للعمال المؤمن عليهم وأسرهم من بعدهم وليست ملك للدولة ".. مشيرا إلى أن المؤسسة تسعى إلى تقديم الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص من خلال مساواتهم بزملائهم في الجهاز الاداري للدولة والحصول على المعاشات في حالة الوفاة أو العجز أو التقاعد . وأوضح أن المؤسسة عملت خلال السنوات القليلة الماضية على تحسين مستوى الخدمة المقدمة للمؤمن عليهم وأسرهم من بعدهم ورفعت الحد اﻷدنى للمعاش التقاعدي من موازنتها الذاتية إلى 20 ألف ريال وساهمت في بناء 620وحدة سكنية خاصة لذوي الدخل المحدود من الموظفين وعمال القطاع الخاص في محافظتي حضرموت وتعز .
فيما أشار رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية محمد عبد سعيد أنعم إلى أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى منها اليمن ولا زال يعاني منها إلا أن الشركات ومؤسسات ومصانع القطاع الخاص حريصة على الاهتمام بالعامل والمحافظة عليه ولم تسعى إلى اﻻستغناء عنه رغم تكبدها خسائر فادحة . وأكد أن القطاع الخاص شريك أساسي في عملية التنمية ومعني بإيجاد فرص عمل وتذليل الصعاب والمعوقات خاصة تحقيق الاستقرار وإدراك القوى العاملة بدورها الحيوي في هذه العملية وأن لا تسعى إلى هز الثقة فيما بينها وبين أصحاب العمل .. لافتا إلى أنه كلما كان هناك تعاون كامل بين أطراف العمل الثلاثة تمكن هذا القطاع من إيجاد فرص عمل وما يتبعها من تنمية وتقدم لكافة أفراد المجتمع . وقال:" إن اليمن يواجه تحديات صعبة على رأسها تحقيق الأمن والاستقرار وانتهاج سياسة اقتصادية واضحة معززة بخطط وبرامج تهدف إلى التخفيف من الفقر ومعاناة المواطنين ".. مبينا أن اليمن تزخر بموارد كثيرة يتم استغلالها لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني . وحث على أهمية تتظافر الجهود من أجل أمن واستقرار اليمن وتوفير المناخ المناسب لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية . وتم في نهاية الحفل الذي حضره عدد من الوزراء وأعضاء مجلسي النواب والشورى وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى اليمن تكريم 132عاملا وعامله من مختلف محافظات الجمهورية . الخلفية التاريخية والدلالة للأول من مايو: يذكر أن عيد العمال العالمي أو يوم العمال، هو احتفال سنوي يقام في دول عديدة احتفاءً بالعمال، وهو يوم عطلة رسمي في العديد من الدول . ورغم أهمية الدور الذي يلعبونه فقد تعرض العمال لشتى صنوف القهر والتعذيب والعمل في الظروف القاسية وغير الملائمة، ولدت هذه الفكرة في أستراليا عندما قرر العمال سنة 1856م، تنظيم يوم للتوقف الكامل عن العمل مصحوب باجتماعاتٍ وتسلياتٍ تأييداً ليوم عمل ذي ثماني ساعات وفي البداية كان مقرراً أن يكون هذا الاحتفال في الحادي والعشرين من أبريل، وكان العمال الأستراليون يريدون أن يحتفلوا هذا الاحتفال للعام 1856 فقط، لكن الاحتفال الأول كان له وقع شديد على جماهير البروليتاريا في أستراليا، رافعاً معنوياتهم، ودافعاً إياهم نحو تحريض جديد، وهكذا تقرر أن يقام الاحتفال كل عام . وكان العمال الأميركيون أول من حذا حذو العمال الأستراليين، حيث نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة قومية للعمال عام 1886 وهى الاتحاد الأمريكي للعمل وتبنى هذا الاتحاد الدعوة لاعتبار يوم الأول من مايو 1886 يوم للإضراب العام من أجل مطلب يوم العمل ذي الثماني ساعات في جميع الصناعات . وجاء أول مايو 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ أمريكا، حيث وصل عدد الإضرابات التي أعلنت في هذا اليوم نحو خمسة آلاف إضراب واشترك في المظاهرات 340 ألف عامل وكان الشعار المطلبي المشترك لأحداث هذا اليوم هو من اليوم ليس على أي عامل أن يعمل أكثر من 8 ساعات . وعلى أثر نجاح الإضراب دعا عمال شيكاغو التي كانت أكثر المناطق التي شهدت تظاهرات ضخمة، إلى تمديد الإضراب يومي 3 مايو و 4 مايو 1886م حيث دعا لاجتماع سلمي في هاي ماركت إلا أنه تعرض لقمع السلطات الأميركية التي فتحت النيران على العمال بحجة قيام العمال بإطلاق النار على الشرطة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 عامل، واعتقلت الشرطة عدداً من القادة النقابيين حكمت على ثمانية منهم بالإعدام وسجنت البقية لسنوات تراوحت بين 3 - 15 سنة . وبالفعل فإن أحداث ذلك العام أصبحت في كل عام بمثابة صرخة مدوية لعمال العالم تدعوهم للوحدة من أجل الدفاع عن حقوقهم وانتزاع المكاسب لهم للعيش بكرامة إنسانية . وكان قرار قد صدر من قبل الجناح اليساري الماركسي في الأممية في باريس في يوليو 1889م بمناسبة العيد المئوي للثورة الفرنسية، دعا لمظاهرات عمالية أممية في نفس اليوم وبنفس المطالب . في نفس الوقت قرر اتحاد العمل الأمريكي أن ينظم مظاهرات مشابهة في الأول من مايو1890م وهو نفس اليوم الذي حدد للتظاهر في أوروبا، ولم تكن الدعوة لحدث سنوي بل ليوم واحد محدد، بل ولم تكن الأحزاب الاشتراكية التي دعت لهذا اليوم تضع أهمية ضخمة عليه ولكن الذي حدث في مظاهرات أول مايو 1890 فاق كل التوقعات وقد كان أحد أسباب ذلك هو التوقيت من الناحية السياسية فقد تزامنت تلك اللحظة السياسية مع انتصارات هامة للحركة العمالية وتقدم كبير في وعى وثقة الطبقات العاملة الأوربية، مما اجبر مالكي الشركات والمصانع إلى الخضوع لمطالب العمال . يذكر أن المحاولات الأولى لإنشاء أول منظمة نقابية كانت في بريطانيا عام 1831 عندما تأسست "الجمعية الوطنية لحماية العمال"، وبعد ذلك وفي عام 1834 تأسست على يد روبرت أوين "النقابة الموحدة الوطنية العظمى" ومنذ ذلك الحين بدأت تنتشر في أوروبا فكرة إنشاء النقابات للدفاع عن مصالح العمال ولكنها كانت تجابه بقمع الشرطة، ففي فرنسا ظل التنظيم النقابي ممنوعاً حتى 1884، أما في إيطاليا فإن الإضراب عن العمل ظل ممنوعاً حتى 1889، وفي ألمانيا سمح فقط للعاملين في مجال الصناعة بالانتماء النقابي تحت شروط كثيرة ومختلفة، وفي الولاياتالمتحدة، ورغم السماح للنقابات بالعمل، فقد ظل القانون الأميركي لا يتعامل مع النقابات حتى نهاية القرن التاسع عشر .