يتساءل الكثيرون عن جدوى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتعلقة بالمرأة في ظل عدم التفاته لسياسة الإقصاء المدمرة لكيان المرأة ووجودها الإنساني من مراحل طفولتها الأولى في الوقت الذي تغيب فيه الرؤية الواضحة لأهداف التعليم الأساسي الذي قاد إلى تخبط وعشوائية العملية التعليمية؛ فما يمارس من انتهاكات ضد الطالبة اليمنية منذ التحاقها بالمرحلة التعليمية عبر مناهج التعليم الأساسي التي تجحف حق المرأة وتسلبها أبسط حقوقها في ان تنال حقها التعليمي أسوة بالطالب، في جعلها تعيش مسلوبة الحرية والحقوق منذ أول خطوة لها نحو التعليم، وذلك حسب مختصين يكشف تلميحاً أغوار المجتمع وخفاياه ضد الطالبة والمرأة عموماً. ففي المجتمع اليمني لا سيما المناطق الريفية يُختزل دور المرأة في عالم لا يتجاوز باب المنزل للاهتمام بالزوج ورعاية الأطفال على اعتبار أن هذا هو الوضع الطبيعي لها والملائم لفطرتها. في الوقت الذي تعاني فيه المرأة اليمنية الأمية بما نسبته (%65) تتجاوز المجتمعات المتقدمة إصدار التشريعات والقوانين التي تنظم حياة وعمل المرأة إلى تفعيل تلك التشريعات وترجمتها على أرض الواقع. مناهج تسرق إنسانيتها على الرغم من الجهود التي بذلت لتضمين حقوق المرأة في المناهج المدرسية إلا أن محتوى الكتب المدرسية ما يزال معظمها يتسم بالتمييز ضد المرأة سواء في كتب اللغة العربية والاجتماعيات التي غالباً ما تحدد تقسيماً للعمل قائماً على أساس النوع الاجتماعي، فالمرأة إما ربة بيت تقوم بطهي الطعام أو تنظيف الملابس، وتابعة للرجل محافظة على ماله، وفي أحسن الأحوال هي مدرسة أو ممرضة، بينما الرجل هو المدير والضابط والقائد... إلخ. وتكاد تخلو كتب التاريخ من أي أدوار بطولية للمرأة فالرجل وحده من يصنع التاريخ ويحقق المعجزات ويقوم بالثورات. وما تزال المناهج الابتدائية تهمش المرأة وتتناولها بنظرة قاصرة، بل وتكرس العنف ضد المرأة، فما تزال هناك صور في الكتاب المدرسي توحي للطفل بأن المرأة ضعيفة وليس لها ما له من الحقوق وتنمي العنف ضد المرأة. لقد وجدنا في كتاب اللغة العربية للصف الأول الابتدائي صفحة 24 من الجزء الأول: الولد يشد شعر البنت بعنف، وهي تساعده على النهوض من الأرض، وفي ص ال22 توضح ملامح الولد يضحك بينما كانت البنت تبكي، وفي ص ال21 الولد يبتسم ويقرأ والبنت حزينة ومكتئبة، بالإضافة إلى أن معظم صور الألعاب في الكتاب نفسه يمارسها الولد، فيما البنت ليس لها نصيب، وهذه الصور معظمها لألعاب عنيفة مؤذية كرمي النوافذ بالكرات أو توسيخ الأماكن، وهناك صور أخرى توضح الأسرة المتكونة من الأب والأم وولدين وبنت أو ثلاثة أولاد وبنت وتعكس هذه الصورة إظهار أغلبية الاولاد من الذكور على الإناث؛ وتوجد بالكتاب نفسه 509 صور منها 309 للولد وعدد ضئيل من الصور خُصص للطفلة بما يُقارب %39. يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالكريم غانم: «إن تبعات هذا التمييز خطيرة وفي مقدمتها تكريس الاتجاهات السلبية القائمة ضد المرأة، وتعطيل الدور المستقبلي المأمول من الفتاة». ويرى غانم أن الأسباب التي تقف وراء هذا التمييز مرتبطة بثقل الموروث الثقافي القائم على التمييز ضد المرأة، علاوةً على ندرة مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي المتعلق بصياغة الفلسفة التربوية أو في بناء المنهج المدرسي، وتأليف الكتب الدراسية». نظرة دونية ترى القاصة نبيلة الشيخ: «أن العقل الذكوري يسيطر على كل شيء في الحياة العامة, فمناهج التدريس الابتدائية تكاد لا تذكر دور المرأة، الأمر الذي يهز ثقة الطالبة منذ صغرها بنفسها واعتزازها لأنوثتها، وأن المنهجية التعليمية التقليدية التي زُرعت منذ وقت طويل, وحُصدت ثمارها, رتابة, وتلقيناً, ومخرجات رديئة،لم تخرج عن نطاق المألوف منذ عشرات السنين. معتبرة المنهج نظرة ذكورية لم تشترك فيه المرأة بوجهة نظرها ورؤيتها للحياة». مؤكدة خلو المناهج الابتدائية من الإبراز الحقيقي والعادل لمكانة المرأة في الإسلام، وتأييده على مشاركتها الفاعلة في كافة المجالات. وقالت الشيخ إن الطالبة ما تزال تعيش مفردة العيب والخجل, التي يكرسها المجتمع, ولا يقوم المنهج الدراسي باستبدالها على الأقل. مشددة على وجوب التعامل مع الطالبة بنفسية مستنيرة ومستبصرة تعزز لديها أمور التعلم والشخصية الفردية المستقلة والفاعلة والإعلاء من الدور الذي ينتظره المجتمع منها. وشددت نبيلة الشيخ على تأثير المنهج الابتدائي التقليدي على البنين والبنات على حد سواء؛ مستدركة أن تأثيره وجموده أكثر سلبية على البنت, على أنه بهذا الجمود يعمل على إخراس الطالبة وتكريس كل ما تعارف عليه المجتمع من تهميش وتجاهل لحقوقها أو من حيث التعامل معها وتغييب لدورها الرائد والقائد في الحياة. وتابعت قائلة: أن سياسة التجهيل هي من تختزل المرأة في دور صغير, وتُلبس هذا الدور الجاهل لباس الدين فالدين أمر فطري جبلت عليه الروح ونحن مجتمع مسلم ومتدين؛ لكن أن تبقى المرأة في دائرة الظل ودائرة الوصاية فهذا ما يجب أن تتنبه إليه المناهج وتقوّمه. مستنكرة نشاط الذكر السياسي في دفعه بالمرأة بحماس منقطع النظير للمشاركة في الانتخابات فقط لأنها ستوصله إلى مكان يريد أن يصل إليه عبر هذا الجسر النسوي ولا يهمه بعد ذلك أن تصل المرأة إلى حقوقها أو أن تصبح نداً قوياً له في ساحة الحياة، فهي تطيب له دوماً كسيرة الجناح. مدنية متساوية يُعد التهميش للمرأة من العوامل المدمرة لها فكراً وكياناً، فالمرأة في اليمن تحصل على الوظيفة قبل الرجل في الوقت الذي يكون الرجل أكثر أهلية وجدارة بالوظيفة، وحسب ما قاله اختصاصي اجتماعي إن نظرة الشفقة والرحمة للمرأة هي من أوصلتها للوظيفة. ويُعد توحيد الزي المدرسي للطلاب والطالبات منذ الابتدائية من الخطوات التي تعمل على خلق المساواة وإكساب المرأة الثقة بنفسها وبكون الرجل لا يتميز عنها بشيء. ففي سبعينيات القرن الماضي إبان حكم الحزب الاشتراكي في جنوباليمن، كان لتوحيد الزي المدرسي الأثر البالغ في زرع المساواة بين الجنسين، وبذر الحياة المدنية القائمة على المساواة وضمان الحقوق. «تزول النظرة الجنسية والوصمة ضد المرأة منذ الطفولة»، هكذا يقول صالح العمري أحد الذين درسوا في ظل نظام توحيد الزي المدرسي في الجنوب سابقاً، مضيفاً: «إنه عندما تتعود على ان تكون المرأة منذ طفولتها لا تختلف عن الرجل بشيء حتى في ملابسها تكبر وكلا الجنسين يؤمن بأنه لا فرق بينه والآخر». مستشهداً على ذلك بالوضع الذي عاشته المرأة في الجنوب قائلاً: «في المجتمعات التي ساد فيها هكذا تعليم اصبحت المرأة فيها مساوية للرجل في الحقوق والحريات كالمرأة العدنية التي تعمل وتسافر وتمارس حياتها بحرية دونما سلطة ذكورية تُفرض عليها، بينما المرأة الشبوانية مثلاً لم تحصل على حقها في المساواة والتعليم واقتصر تعليمها الى الصف السادس فقط، لا تستطيع الخروج من باب المنزل إلا بإذن من الرجل، ويمارس عليها الرجل سلطة سيادية لا يتنازل عنها». إلى ذلك يرى الناشط الشبابي محمد ناصر المقبلي المنهج التعليمي قائماً على أساس تلقيني وعظي يكرس التخلف الاجتماعي ويعرض الأجيال الناشئة لطمس ذهني ووجداني، ويفتقر الوعي بالتحديث المدني والاجتماعي وأسس التحضر. وتابع المقبلي قائلاً: «المنهج التعليمي في اليمن يحتاج الى تصحيح عميق في المحتوى العلمي وطرائق التدريس القائمة على التلقين وليس على التحاور، التصحيح الذي ينتج أجيالاً قادرة على التفكير الحر وتمجيد العقلانية ووضع اللبنات الأساسية للتفكير العلمي والممارسات التطبيقية العلمية لبناء جيل حقيقي وبالذات التحديث الاجتماعي». وحسب المقبلي «تعكس المرأة في مناهج التعليم نمط الذهنية الاجتماعية التي تسعى الى خلط المقدس بالموروث الاجتماعي والموروث الإقليمي الذي حاصر المرأة في نفق الوصمة الاجتماعية ولم تساعد مناهج التعليم على رفع الوعي لدى الأجيال بمكانة المرأة كشريك أساس في الحياة والوطن وليس ككائن منقوص الوجود والقرار». المرأة في مخرجات الحوار الناشط الشبابي محمد العليمي يرى أن المرأة اليمنية بنضالها الجسور منذ مطلع الألفية الثالثة إلى ثورات الربيع العربي حصدت بمشاركة مجتمعية واسعة في جميع القضايا الوطنية التي تدورعلى الساحة اليمنية، مضيفاً أن مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته أقرت المشاركة الواسعة للمرأة في مختلف نواحي الحياة السياسية، وأن القرارات السياسية اليوم لا تخلو من وجود امرأة كشريك حقيقي للرجل في تربية النشء وبناء الدول. مؤكداً وقوف المرأة اليمنية إلى جانب مكتسباتها من مخرجات الحوار الوطني ومشاركتها للرجل في جوانب الحياة، وانها استطاعت بنسبة تمثيلها في مؤتمر الحوار التأسيس لمرحلة شراكة يكفلها القانون. المشاركة في صياغة المنهج وقالت رضية النجار مدير عام مشاركة المجتمع بقطاع الفتاة بوزارة التربية «إن عادات وتقاليد المجتمع تفرض على المرأة الكثير من القيود، وأن السلطة الذكورية لم تحد من حرية المرأة، لكن المرأة لم تظهر بالشكل المطلوب في حالتها الفردية المنفصلة عن الرجل». وأضافت النجار «أن ما يُرّوج من احتكار الذكر لصياغة المناهج الدراسية ليس صحيحاً بل إن المرأة فاعلة ومشاركة في صياغة المناهج التعليمية لكنها حريصة على عدم تجاوز عادات وتقاليد المجتمع». من جهته أكد محمد العسل مدير إدارة التنظيم والاتصال بوزارة التربية على وجود المرأة ومشاركتها في العملية التعليمية وصياغة المناهج التي أكدت على حضورها بقوة في الوسط العام خصوصا بعد انتفاضة الربيع العربي. مضيفاً أنه ينبغي إعطاء المرأة مكانتها في المجتمع باعتبارها سر وجودنا،وتعميق ثقافة مشاركتها للرجل في الحياة العامة. ويظل هكذا حال هو المسيطر على المرأة اليمنية مع استمرار العقلية التي تُسّير سياسة المناهج التعليمية وتعمل على إجحاف وإنكار المرأة ككيان إنساني لا يختلف عن الرجل، والجدير ذكره أنه في هذه المرحلة التي يتم فيها التأسيس لبناء يمن المساواة وحفظ الحقوق عبر مؤتمر الحوار الوطني، لم يتم مناقشة أساس وجذور مشكلة المرأة اليمنية وعوضت عن ذلك بكوتا ستمثل عبئاً على الكفاءات وحقوق المرأة مستقبلاً.