يتنقل رأفت من التاسعة صباحًا حتى الثامنة مساءً، مع عربيته في حي التحرير وسط صنعاء لبيع الأقمشة والقُباعات الشبابية. رأفت البالغ 21 عامًا يعمل منذ ما يقارب العامين، بعدما أجبرته ظروف الحياة، حيث أرغمت الحروب المتتالية الكثير من الشباب على العمل لمواجهة الفقر. يعمل رأفت منذ ثلاثة أعوام في العربية المتنقلة. واقفًا بالقرب من جدران وزارة الثقافة، يقوم بمسح بقايا الغُبار عن الأقمشة التي تطايرت بعد شجار دار بينه وبين شرطة البلدية. ويشكو حاله قائلا "إنه لأمر منهك أن تظل متنقلًا لساعات، فضلا عن مطاردة البلدية لنا، ويعيش الشاب 21 عاما في صنعاء منذ ثلاثة أعوام. ويضيف في صباح جل يوم تطاردنا البلدية بعدها ننتقل إلى هنا حيث نشعر بالآمان نوعًا ما ونعود مساءً لسكننا المكون من غرفة واحدة. في الرصيف المجاور لوزارة الثقافة ينشغل رأفت بترتيب بعض الأقمشة، وبالقرب منه رفاقه المتجولون الذين يأتون إلى المكان عندما تصل البلدية لتنظيم حركة المرورع في الشارع العام، واصفا يومياته بأنها يوم شاق للغاية. أتخذ الباعة غير النظاميين الرصيف ملجأ بسبب قربه من ميدان التحرير، والشارع العام، حيث يسهل عليهم التنقل للأماكن المجاورة. ويتمسك هؤلاء الباعة بمصدر رزقهم رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها في مشهد يعكس مأساة آلاف المتجولين المتحدر معظمهم من مناطق جنوب (غرب) ووسط البلاد. وقال ناشط في مجال حقوق الإنسان إن معاناة الشباب اليمنيين في زيادة مستمرة بسبب الحروب والصراعات والتهجير الذي حدث، خصوصًا خلال الحرب الجارية. وأضاف مشترطًا عدم كشف هويته أن هذه الظروف ساعدت على زيادة عنا الشباب، لأنه اصبحت هُناك عائلات كثيرة بدون معيل فاضطرت الأم إلى ترك ابنها يعمل ويترك التعليم. وتشهد البلاد الأفقر عربيًا منذ 2014، نزاعًا مسلحًا على السلطة بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على مُدن (شمال) من بينها العاصمة صنعاء، والقوات الحكومة المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية.
وتسببت الحرب بمقتل مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين فيما يهدد خطر المجاعة ملايين السكان، ويحتاج آلاف إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتيّة للتدمير. تقول الأممالمتحدة إنّ أكثر من 21,7 مليون شخص (ثلثا السكان) يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة هذا العام. وبحسب الأممالمتحدة، تسببت الأزمة الاقتصادية الخانقة في ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 40 بالمئة وارتفاع نسبة البطالة إلى 35 بالمئة من 14 بالمئة قبل الحرب. كما زاد الفقر إلى نحو 78 بالمئة ليجد الشبان الذين يشكلون 70 بالمئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 32.6 مليون، أنفسهم أمام طريق مسدود. ويُعاني الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين من جراء عدم تلقيهم رواتب منذ سنوات. وانتهت أوائل تشرين الأوّل/أكتوبر هدنة توسّطت فيها الأممالمتحدة في نيسان/أبريل 2022، دون أن يتوصّل أطراف النزاع إلى اتّفاق لتمديدها. لكنّ الوضع ظلّ هادئا نسبيا على الأرض. ويعلق البعض آمالا على اتفاق التهدئة بين الحوثيين والسعودية مطلع نيسان/ إبريل الماضي شكل الشق الأول من عملية إنسانية على مرحلتين، لإنهاء الحرب الدائرة منذ سنوات طويلة، بينما يشكك به آخرون باعتباره يفتقر إلى تفاصيل وجداول زمنية. فيما اعتبر مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ أنّ البلد الغارق في الحرب لم يشهد منذ ثماني سنوات "فرصة جادّة" كهذه لإحلال السلام، مؤكداً في الوقت نفسه أنّه ما زال هناك عمل كثير يجب فعله على هذا الصعيد.