قال خبير يمني في الاقتصاد السياسي إن الحزب الاشتراكي اليمني أكثر الأحزاب فائدة للمجتمع وإنتاجاً لأفكار الحداثة. وقال الدكتور محمد القاهري أستاذ الاقتصاد السياسي المقيم في كندا في تقييمه لأحزاب سياسية إن الاشتراكي "أكثر الأحزاب فائدة للمجتمع من حيث انه سليل حركة الطموح اليساري والأكثر إنتاجا لأفكار الحداثة والنظرة المستقبلية". وأضاف القاهري: ومن وجهة نظر الرصيد كان للاشتراكي الدور الأكبر الملموس في تحرير الفئات الاجتماعية المستضعفة ثم في الوحدة ثم في ظهور تحالف المشترك ثم في تصعيد النضال السلمي الآن". ويؤكد القاهري في حوار تشخيصه للحالة اليمنية بالرجل المريض وهو الوصف الذي أطلقه على الحالة اليمنية قبل أكثر من عام. وحمل القاهري رئيس الجمهورية مسؤولية الإخفاق الوطني الحاصل قائلاً إن بقاءه رئيساً "يعتمد على إضعاف الناس والديمقراطية والوحدة والحوار". وذهب إلى أن الرئيس لا يحكم حالياً لأن غياب وظائف الدولة ودورها يدل على ذلك. وهو يصف التشاور الوطني المنبثق عن اللقاء المشترك بأنه "أكثر الخطوات ذكاء بعد تشكل المشترك". لكنه يشدد على أن يتكىء التشاور على "تشخيص شامل وعميق للوضع، ثم تطوير استراتيجيات للحل في أكثر من باب". ويضيف: هذا عمل يتطلب باحثين وخبراء وقادة سياسيين ولا يحتاج في مراحله الأولى إلى ولائم حشد". وفيما يلي نص الحوار: **محمد القاهري دكتور في الاقتصاد وماستر في الإدارة العامة. يعمل في كندا في مجال الاستشارات الإدارية وتقييم البرامج الحكومية. كما ينشط كباحث مستقل تتمحور اهتماماته البحثية حول النظريات السلوكية، وله أبحاث متخصصة بالفرنسية وأبحاث قصيرة بالعربية عن التحالفات السياسية ونماذج النمو الاقتصادي لليمن بالإضافة إلى كتابات متفرقة في مسائل الديمقراطية في اليمن والعالم العربي. في الحوار التالي الذي أجراه الزميل عبدالله مهيوب يشخص الدكتور القاهري الحالة اليمنية. د. محمد، تشخص دائماً وضع اليمن كرجل مريض ومقيد، الآن بعد تأجيل الانتخابات يبدو ذلك التشخيص أكثر واقعية فما الآتي في تصورك؟ قد تتفاقم الحالة لتصبح حالة جنون أيضا، أي فوضى وعنف. - والانتخابات القادمة ألن تسمح بإنهاء الحالة أو تهدئتها؟ في الواقع أخشى ألا تكون هناك انتخابات بعد الآن. - هذا الكلام يفاجئني ويغلق الباب على الأسئلة التي كنت قد أعددتها مما يضطرني لتغيير أسئلتي، فما الذي يجعلك تقول ذلك؟ أنا أتابع تطور الحالة اليمنية وفق سيناريوهات. ومعظم هذه السيناريوهات تنتهي إلى عدم إجراء الانتخابات. وحالة الرجل المريض في تحليلي ليست اصطلاحاً عابرا وإنما متغيرة أساسية يقوم عليها فهمي للازمة العامة في اليمن. - وما هو ذلك الفهم؟ لو أخذت حالة رجل مريض في عائلة ما فإن من علامات الحالة انخفاض الأنشطة الإنتاجية لذوي المريض وتوتر الجو حول تقاسم تركته إن وجدت. ويحدث نفس الشيء في حالة اليمن. فكل طاقاتنا معطلة الآن والبلاد معلقة بمسألة مستقبل السلطة لان انتقال السلطة أصبح مأزقاً حقيقياً. فبينما العقل والحاجة الشعبية يقتضيان نقل السلطة بعيدا عن الرئيس عند نهاية فترته الحالية فان سلوك الرئيس يدل على انه لا يرى للرئاسة مستقبلاً إلا في التمديد لنفسه أو في توريثها في محيطه. ورغم أن موعد نهاية فترة الرئيس مازال بعيدا فان حسم ما يأتي بعدها يتم الآن وبوسيلة الانتخابات. أي انه تم إقحام الانتخابات في المأزق من باب السعي لاستخدامها من اجل لحصول على أغلبية للمؤتمر اكبر من سابقاتها تسمح بتمرير التمديد أو التوريث وبإضعاف المعارضة نهائياً كي لاتتصدى لذلك. - لكن نظرة المعارضة للأمور مختلفة ويبدو أنها تعتبر التمديد أو التوريث تمادياً سعت إلى منعه عبر منع الانتخابات غير الشكلية. وقد أكلت السلطة مقلباً في ذلك ووجدت نفسها في مأزق حقيقي. فكان لابد من البحث عن حلول أخرى لان الساسة الذين يأخذون المسائل وكأنها شخصية لا يقبلون الهزيمة ولا يستسلمون للحقيقة ومنهم الرئيس. ومن ثم من المنتظر أن نشهد مستقبلاً آليات اخطر للازمة مع انتقال السلطة من بذل كل جهدها في جعل الانتخابات شكلية إلى بذل كل جهدها في طي صفحة الانتخابات نهائياً والبحث عن مسوغات لتبرير ذلك. فإذا شهدت عودة إلى الحرب في صعدة وإذكاء للحراك في الجنوب وأزمات وحوادث أخرى هنا وهناك وشهدت وزراء كباراً وصحفيين يصعدون الخطاب كل فترة عن قضية مثل خطر القاعدة أو خطر الصوملة والانهيار الاقتصادي أو غيره فافهم أن ذلك تهيئة للناس كي يأكلوا طبخة عدم العودة إلى الانتخابات. يعني الارحبي تنبه الآن فقط لمخاطر الانهيار الاقتصادي بينما أي اقتصادي يدرك أن المشكلة تكمن ليس في التمويل وإنما في تحديد نوع الفجوات (المرض) وفي ضعف قدرات الامتصاص. يعني أن رجلنا المريض لايستطيع هضم الدواء والغذاء ولن يستطيع (طلوع النقيل). ولكن الارحبي يدق أجراس الانهيار والصوملة على ذمة المساعدات بينما الحكومة لم تسحب بعد القدر اليسير من الأموال الموعودة من المانحين في 2006. - ولكن السلطة لا يمكن أن تخاطر بأشياء من قبيل اللعب بالقاعدة وغيره، أليس كذلك؟ السلطة اعتادت دائما تحويل الأعباء إلى الآخرين وترك الأزمات تستفحل ثم تلقيها عن كاهلها فإذا تلقفها آخرون احترقوا بها أو انشغلوا بتصنيفها، أهي بقرة صفراء أم حمراء، وباقتراح حلول لها لاتلقى حظا من التطبيق في نهاية المطاف. رأينا ذلك مع وثيقة العهد والاتفاق ونراه مع مشاريع الجفري والمشترك. وفي كل هذه الأمثلة غفلة ممن يتطوعون بحل مشاكل لسلطة لا تتوقف عن خلق المزيد منها. والأمر يشبه الطباخ الذي يترك بطاطا في المايكروويف أو على الموقد وينشغل عنها بطبخات أخرى حتى تحرق فيرميها، والمغفل هو من يتلقفها ويحرق بها، لان المفروض هو إعفاء الطباخ أو فرض قواعد صارمة عليه كي يكف عن التسبب بالكوارث. وقد كان من المضحك عند تفجر الأزمات في 2007 أن سارع الرئيس إلى إطلاق مبادرته للنظام الرئاسي منتظراً أن تمشيها المعارضة. ولم يقدم على تمريرها بنفسه رغم أغلبيته في البرلمان وإمكانية الحصول على دعم بعض المعارضين مقابل بعض التنازلات. ثم تخلى عن المبادرة بعد ذلك كلية. وكانت المشاكل قد اصطفت أصلا تنتظر الحلول التي علقت على نتيجة الانتخابات، أي على الرئيس الجديد وبرنامجه. لكن الرئيس نسي البرنامج وقفز إلى المبادرة، ثم نسي المبادرة، مما يعني أن كل الأزمات لازالت تنتظر. فماذا يفعل الرئيس بوقته إذا كان لايحل المشاكل؟ وهل يعقل بعد كل هذا الفشل التفكير بالتمديد أو التوريث؟ وعموماً يمكن القول إن سيناريو عدم العودة إلى الانتخابات وتحميل آخرين مسؤولية ذلك كان موجودا كاحتياط في حالة استحال إجراء الانتخابات بالشروط والنتائج إياها. وهناك مؤشرات تدل على اعتماد هذا السيناريو منها سفر الرئيس أثناء توقيع اتفاق التأجيل إلى الخارج لشراء أسلحة وهي خطوة غير معقولة في الظرف الاقتصادي الذي يثير هلع الارحبي وقبل وضوح نتائج التوافق، وفي الوقت الذي ينبغي إن يكون فيه الرئيس بصدد تعبئة عفشه لترك الرئاسة والانتقال إلى بيته وليس بصدد التوسع في مشاريع تسليح جديدة. - إذن ، هل معنى كلامك فيما سبق أن الجنوبيين والحوثيين (معاونين) للرئيس كي يحركهم حينما يريد؟ لا. لاتطلب السلطة ذلك تستخدم آليات أو صراحة أو باتفاقات سرية، فهؤلاء خصوم حقيقيون لها. ولكن السلطات عادة تستخدم آليات ووسائل للتأثير بصورة غير مباشرة على الفاعلين في الميدان طبعاً مع اخذ بعض المخاطر. - وكيف يمكن أن نتصور المعارضة جزءا من النظام السياسي بينما أنت تسخر من مبادراتها لاقتراح حلول؟ المسألة ليست سخرية وإنما أن هناك طرقا لاقتراح الحلول إما عبر توافق السلطة والمعارضة وقد جرب هذا ولم يثمر، وأما بتنافس المشاريع وهذا يمر عبر الجاهزية بمشاريع ليتم تنفيذها بعد الحصول على أغلبية في الانتخابات. والمعارضة ينبغي ان تعتمد الخط الثاني وتركز على الجاهزية أولا ثم على تصحيح شروط إجراء الانتخابات آملا بالفوز بأغلبية. مالم ترك السلطة (تمتن عصيدتها) أو تحرق ببطاطتها طالما وأهدرت فرص التوافق سابقاً. - تركز في كلامك على الرئيس فلماذا اعتبار الرئيس مسؤولاً وحده عما يحدث؟ لان الرئيس له أجندة خاصة يوجه كل الوضع وكل الترتيبات لخدمتها وقد التقط هذه الحقيقة شعار المعارضة في حملة الانتخابات الرئاسية: "..لا يمن من اجل الرئيس". لذلك تجد البلاد باستمرار في حالة إهمال وضياع لأنه ليس لها من يرعاها. وتصريحات المؤتمريين تؤكد مسؤولية الرئيس. سلطان البركاني قال إن الاتفاق كان مبادرة من الرئيس ووافقوا عليها في المؤتمر لان الرئيس احرص على المصلحة الوطنية. ومثقف السلطة احمد الصوفي الذي "يسبك" التنظير اعتبر ان الرئيس دفع بقصد إلى الاتفاق كمنجز عظيم له يؤسس لجمهورية ثالثة. بينما من وجهة نظري التأجيل فتح صفحة مخاطر اكبر على البلاد وقد تحمل المشترك نصف مسؤولية ذلك وهو نوع من تلقف البطاطا "الحامية". - أقصد لماذا اعتبار الرئيس مسؤولاً عن المخاطر وليس عن الاتفاق، ألا يوجد مبالغة في ذلك؟ لا، لا توجد مبالغة، فبقاء الرئيس يعتمد على إضعاف الناس والديمقراطية والوحدة والحوار. كما أن الرئيس انفرد بعوامل المال والجيش والأمن والإعلام بشكل جعله اللاعب الوحيد في الميدان. وفوق هذا وذاك هناك مشكلة فهم لدى الرئيس، فمثلاً توجيهاته للحكومة تخالف الخطط والمواعيد والموارد المرصودة ومن ثم تسبب "ربشة" وتعطيل لانتظام عمل الحكومة، ولاشك أن، أعضاء الحكومة في قرارات أنفسهم في موقف من يتمنى أن يرتاح الرئيس عن إصدار التوجيهات. - على كل، عكس وجهة نظرك، كثير من الناس (بما في ذلك في المعارضة) اعتبروا أن ترجيح الرئيس للتوافق يحمل نغمة جديدة صادقة ونية للعمل مع المعارضة لإيجاد حلول إدراكاً لجدية المخاطر التي تحدق بالبلاد هذه المرة. فلماذا لا تعطى فرصة إضافية للرئيس ومن خلال حكومة وحدة وطنية مثلاً؟ الرئيس أعطي 20 أو 30 فرصة وأهدرها. فالحمدي ترك أسسا وموارد فتبخرت. والجنوبيون حملوا مع الوحدة أسسا وطاقات كامنة فتبخرت، ووثيقة العهد والاتفاق أعادت التأكيد على بعض الأسس وتم شطبها. والإسلاميون من خلال مشاركتهم في التحالف ثم الحكومة بذلوا محاولات لتحسين مخرجات النظام فووجهوا بالسخرية. والبنك الدولي قدم نافذة دعم ولم تثمر. والمشترك طرح قضايا حوار مهمة لم تلق اهتماماً. ومن ثم فان المسألة ليست مسألة فرص. ثم أية نية صادقة والكثير من الشهادات والمؤشرات المتصلة بمؤتمر الصحفيين الذي انعقد بعد اتفاق التأجيل تدل أن تدخل السلطة وحضور الرئيس المؤتمر بصورة غير معتادة قد افسدا المؤتمر، وهذا دليل على استمرار نفس السلوك. - تعليقك على كلام الارحبي عن الانهيار أوحى بأنك لا تقدر خطورة الموقف بنفس الدرجة فهل من توضيح؟ نعم ليس لدي نفس التقدير. فأولاً، الارحبي اقرب إلى المعلومات وأدرى بالخفايا وقد يكون على حق. وما ركزت عليه أنا هو توقيت تصريحه وطابعه المفاجئ. فكيف تأخر عن الآخرين الذين يدقون الأجراس منذ زمن بعيد رغم درايته بخفايا الوضع الاقتصادي؟ ثانياً، كيف يدق الأجراس دون أن يثير عجز الحكومة عن امتصاص المتاح من المساعدات ومسؤوليتها عن مخاطر أخرى تعزز شروط الانهيار مثل مخاطر الاستثمار العالية جدا. فالحكومة والرئيس يخالفان المنطق السليم وهو: إما أن يتحملوا المسؤولية ويقضوا على المخاطر أو أن يعتذروا عن الحكم ويستقيلوا. لكن الرئيس إلى وقت قريب جدا ينكر وجود مشاكل وأزمات، بينما يطلع علينا الأرحبي فجأة بفاجعة الانهيار، فمن نصدق؟ ثالثاً، قناعتي هي انه لا يمكن لبلاد ان تنهار وعلى رأسها سلطة إلا في حالتين: اجتياح عسكري خارجي أو بفعل من تلك السلطة. ولأننا لسنا ضحية لاجتياح عسكري فإن كلام الارحبي اتهام للسلطة. - كلامك عن عدم الفهم عند الرئيس يدل على تقييم خاطئ، وحتى الأجانب تقييمهم للرئيس خاطئ فالرئيس ذكر في مقابلته مع الحياة ما قالته صحفية من واشنطن بوست أنه لن يحكم أكثر من 6 أشهر ومع ذلك هاهو ينهي 31 سنة في الحكم، ما تعليقك؟ ومن قال إن الرئيس يحكم أصلا. هو يظن انه يحكم لكن غياب دور ووظائف الدولة يدل على العكس. وبالمقارنة ما يحسب من الانجازات للحمدي في ثلاث سنين أو لعلي ناصر في 5 سنين رغم شحة إمكانياتهما يفوق ما يحسب للرئيس في ال31 سنة. - هل تنكر انجازات الوحدة والتعليم مثلاً؟ الوحدة انجاز للشماليين في الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب ولعلي ناصر والبيض. والتعليم قصته كبيرة والعبرة من تقييمه في النتائج وليس في المدخلات . ففي الإسلام المبدأ هو لا بارك الله بعلم لا ينتفع به. وفي الحكمة الشعبية عن قصة الحفيد الميؤوس من فائدته قال: ذرات لك يا جدة، قالت: عبارة نباته. أي أن العبرة في النتائج. وفي الاقتصاد، لو وضعت التعليم كمدخلات في دالة الإنتاج فينبغي إن يترجم بزيادة الإنتاجية والنمو. ولو أدخلته في دالة الدخل فينبغي أن يترجم بزيادة الدخل و الرفاه، ولو أدخلته في دالة التشغيل فينبغي أن يترجم بخفض البطالة. لكن عندنا النمو سالب ماعدا في قطاع النفط الذي تعمل فيه شركات أجنبية، والبطالة والفقر مستفحلان وأنت ترى ذلك بشكل اقرب مني لأنك في الداخل. - لكن أيضا في مسألة الفساد أنا أرى أن رد الرئيس في نفس المقابلة صحيح من إن الفساد منتشر في كل مكان بما في ذلك الولاياتالمتحدة وأوربا وليس في اليمن فقط! أليس كذلك؟ على العكس اجتهاد الرئيس هنا أراد أن "يكحلها فعماها" وما كان على الرئيس الإقدام عليه. فقد أثار أمثلة فساد في قطاع الأعمال بينما قادة ليمان( بروذرز وايه أي جي) وجنرال موترز وغيرهم لا يخضعون للشرعية الشعبية أو الديمقراطية لأنهم غير منتخبين من الشعب أو معينين من طرف مسؤولين منتخبين وبالتالي لا نساوي مسؤوليتهم في الفساد بمسؤولية السياسيين عندنا. فرجال الأعمال مسؤولون أمام مساهميهم وزبائنهم في إطار القوانين التجارية. ورغم ذلك رأينا رئيس جنرال موترز يستقيل تكفيرا عن أخطائه، ورأينا كوادر (ايه أي جي) يعيدون ملايين المكافآت "الحلِّي" التي استلموها بشكل مشبوه. فمن أعاد الأموال من ساستنا المسؤولين أمام الشعب؟ ومن استقال غير فرج بن غانم وأحمد الشامي وصالح سميع الذين استقالوا أصلا احتجاجا على الفساد وليس بسبب غلوهم في الفساد. وحتى لو أخذنا السياسة، فإن 8 سنين فقط في الولاياتالمتحدة كفت لوصول باراك اوباما مزلزل الفساد بينما عندنا نفس الرئيس (...) منذ 31 سنة. وفي فرنسا نرى نظاماً من أفضل أنظمة الضبط لحماية المجتمع من الفساد السياسي فكلما بردت حرارة المصالح المجتمعية كلما سخن الشارع بقيادة من قطاع العمل للذود عن تلك المصالح بينما عندنا السلطة نفسها ترفع أسعار الغذاء الضروري على من قد باتوا أصلا تحت خط الفقر ثم تقمع ببشاعة أي مظاهرات لهم. - بالمناسبة هل ما تدعوه نظام ضبط في فرنسا يرجع إلى شكل نظام الحكم وهذا كان موضوع لندوة في التغيير نت عن نظام الحكم الأنسب لليمن؟ لا. شكل النظام من التفاصيل. هناك ما هو اشمل وأعمق في نظري وهو النموذج الثقافي. وفي قلب هذا النموذج يوجد التعليم. وتمتلك فرنسا نظام تعليم عام متميزاً وضع أسسه مثقفون سياسيون كبار أمثال فيكتور هيجو وجان جوريس ( Jean Jaurès ) وليس البياعين المشترين ( Merchants ) والمطاوعة كما في الولاياتالمتحدة أو المطاوعة والمشايخ كما في اليمن والسعودية أو الموظفين والمطاوعة كما في مصر. - لوطوينا صفحة الحديث عن السلطة فهل لدينا معارضة تنفع كطوق نجاة؟ أنا اشعر بالارتياح لمواقف المعارضة الأخيرة. لكن عندما نقيم إمكانياتها للمدى الطويل فهناك نقاط إشكالية. مثلاً، هل المعارضة على جاهزية ولها نفس طويل لانجاز تغيير جيد وقابل للاستمرار؟ هذا بشكل عام وعندما ندخل في التفاصيل ونقيم الأحزاب كل على حدة فقد نجد صعوبات إضافية. -مثلاً؟ مثلاً حزب الإصلاح كل أدائه جيد الآن ولكن هناك إشكاليات خاصة في موقفه من الوحدة. فالإصلاح يلتزم مبدأ النضال السلمي، فهل يمتد المبدأ ليشمل الوحدة السلمية الطوعية؟ أما إذا دفع كلام الإصلاح عن الوحدة كثابت ينبغي الدفاع عنه بأي ثمن إلى تحريك حملات حرب لتقتيل الجنوبيين من جديد لو أعلنوا الانفصال فسيجعل ذلك من الإصلاح خطرا على المجتمع وليس عاملا لخدمته. ومن ثم يتعين على الإصلاح توضيح ما هي وسيلة الحفاظ على الوحدة؟ وأية وحدة يقصد، وحدة الحكومة أم وحدة الشعب التي هي الأهم؟ فالشعب سيظل موحدا بدون حروب وحتى لو انفصلت الحكومة وكما كان الحال قبل 1990. فبعد فترة ستزول التشنجات وسيعود الناس لتبادل الود وستدفع الضرورات الموضوعية العائلات والاقتصاد للاندماج رغم انفصال الحكومة. بينما وحدة كاملة تشمل الحكومة تحتاج إلى بناء (اقتصادي بالذات). ونلاحظ أن وحدة 90 أتت ثمرة لبناء تنموي سابق تراكم منذ خمسينات القرن الماضي على الأقل. بينما ما نشهده مع الأزمات والحروب ما بعد 90 كله هدم من الوارد إن ينهار معه بنيان الوحدة دون إن يقدر أي حزب على منعه. وعموما اليمن في مرحلة بناء فيها صعود وهبوط ومن الصعب الحديث عن ثوابت نهائية وخوض حروب للحفاظ عليها. فالحروب على العكس تقع على الضحايا وتهدم كل شروط البناء أي تهدم العمدان التي يقوم عليها السقف الوطني في المديين المتوسط والطويل. - طيب والاشتراكي كيف تقيمه؟ هو أكثر الأحزاب فائدة للمجتمع من حيث انه سليل حركة الطموح اليساري والأكثر إنتاجا لأفكار الحداثة والنظرة المستقبلية. وتنبع أهمية ذلك من أن عبء اليمن الطاغي هو التقليدية في معظم الشمال وعدد الفقراء الكبير، فالتحرر من الفقر يرتبط بتحديث تنظيم المجتمع سياسياً وتحديث تقنيات الإنتاج وبالنظرة المستقبلية (تعليم وثقافة وانفتاح خارجي وقيم تعاون في المجتمع وقيم إنتاجية وليس فيدا). ومن وجهة نظر الرصيد كان للاشتراكي الدور الأكبر الملموس في تحرير الفئات الاجتماعية المستضعفة ثم في الوحدة ثم في ظهور تحالف المشترك ثم في تصعيد النضال السلمي الآن. طبعاً عندما أقول الأكثر إنتاجا للأفكار لا اقصد الحزب كهيئات تنظيمية وإنما كعائلة أو تيار يشارك فيه إلى جانب هذه الهيئات مثقفون ومبدعون وساسة آخرون ليسوا بالضرورة أعضاء في الحزب وإنما من مناصريه والقريبين من خطابه السياسي. - أخيرا بعد هذه الجولة على أكثر من باب، هل من حل للازمة التي ركزت الحديث حولها ومأزق مستقبل السلطة والانتخابات...الخ؟ الذي ينقص ليس الحلول في أطوارها كأفكار أو كمخططات قابلة للتطبيق وإنما في أن الاهتمام أو الجهد الرسمي يصرف في أجندات خارج الموضوع. ورغم ذلك، وبما ان اتفاق تأجيل الانتخابات قد نص على التوافق من اجل تطوير النظام السياسي فانه يمكن التوفيق بين الحلول التي يطرحها الرئيس وتلك التي يقترحها المشترك. فإلى جانب إجراء الانتخابات وفقاً لمبادئ اتفاق التأجيل يمكن اخذ مقترح الرئيس بخفض مدة الرئاسة إلى 5 سنوات ومقترح المشترك للنظام البرلماني ومن ثم اعتماد النظام البرلماني ابتداء من 2011 وترك الانتخابات تفرز أغلبية هي التي ستشكل الحكومة برئاسة شخصية مدنية مؤهلة تكون رئيساً للسلطة التنفيذية، ويتم اعتماد عرف للتوافق على شخصية من الوسط الثقافي أو الحقوقي لتولي رئاسة الدولة الرمزية، وان يختار أول رئيس بديل عن الرئيس صالح ابتداء من 28 ابريل 2011. فإذا كان الرئيس لا يريد التمديد أو التوريث فلن يرفض أية مقترحات تحقق الانتقال السلس للسلطة والخروج من المأزق الحالي. أما إذا كان الهدف آخر فقد يكون المخرج للسلطة هو الانقلاب عسكرياً على المعارضة. وإعلان حالة طوارئ مثلاً هي اقرب وسائل الانقلاب. - وهل من المجدي للمعارضة التمسك بالتشاور الوطني؟ نعم. التشاور هو أكثر الخطوات ذكاء بعد تشكل المشترك. وسيكون مفيداً بصورة أولية بأن يسمح بحشد تأييد واسع يجعل المعارضة تحوز على أغلبية تمكنها من الحكم وطرح مشروعها للإصلاحات، ذلك أن التشاور والحوار مهما تقدم فسيحتاج في نهاية المطاف لأدوات العمل التي هي الأحزاب. بالطبع إذا أراد أصحاب التشاور بلوغ تحول عميق وتحقيق تغيير قابل للنجاح والاستمرار عكس حركات 48 والجمهورية والوحدة فعليهم احترام بعض الشروط المتصلة بإخراج المشروع وبمحتواه. - يعني؟ يعني ينبغي على مشروع التشاور مثلاً الاتكاء على تشخيص شامل وعميق للوضع، ثم تطوير استراتيجيات للحل في أكثر من باب ومدروسة بشكل جيد. وهذا عمل يتطلب باحثين وخبراء وقادة سياسيين ولا يحتاج في مراحله الأولى إلى ولائم حشد. هذه سماها البردوني حسب ظني أيام ولائم الميثاق : أعراس غبار. - أنت وغيرك في الخارج لم لا تشاركون في تطوير ما تقول طالما وان الدعوة إلى المشاركة موجهة للجميع؟ المشاركة تحتاج إلى لقاء بالناس في الداخل وحضور الاجتماعات وجمع معلومات بحثية في بعض الأبواب والتداول مع المعنيين عن قرب. فعندما نتحدث عن استراتيجيات فان في الأمر جوانب ينبغي ان تظل مؤقتاًِ قيد الكتمان ولا تظهر إلا خطواتها التكتيكية ومن ثم لاتنفع فيها المراسلات. مالم سنكون مثل المدار الذي يستعرض جراره ليمكن المتربص به من تكسيرها بسهولة. وكل هذه الاعتبارات تسهل المشاركة على من هم في الداخل وليس من في الخارج. وأنا عموما لدي مجموعة تصورات عن الاستراتيجيات عندما يسمح لي الوقت سأكيفها وحاجة التشاور سأرسلها للقائمين عليه.