خالد سلمان - **أحرق بوالعزيزي نفسه إحتجاجاً على مصادرة عربته لبيع الخضار, فاشعل النار في جسم نظام طاغية, ومن لهب جسمه الظامر اضاء للملايين الدروب. واحرق مواطن في صنعاء قبل بوعزيزي بايام فقط نفسه للأسباب ذاتها في حشد من الناس, صفق الحشد ابتهاجاً, وكأنهم في سيرك العاب ناربة, في عيد للنيروز, ومضى كل في حال سبيله, بحثاً عن قيلولة قات الظهيرة, ولحظات لنسيان مرارات التعب . في الوطنين تونس و اليمن, يحكمهما ذات الجنرال, فقط في وطن بوعزيزي مجتمع حي, وفي وطن الضحية الريمي, مجتمع ميت, ولعل هذا هو الفرق بين الاثنين, الأول زلزل سلطة الظلم , فيما الآخر يؤبد باستكانته دولة القهر في اليمن. ** وقف بن علي امام اضواء تلفزته ذات اللون الواحد عدة وقفات خطابية في ايامه الثلاثة الأخيرة, هدد وتوعد في طلته الأولى, خوَّن وجرَّم الجياع المنتفضين, في طلته الثانية, وفي الثالثه استعطف واعتذر ووعد, طلب الغفران وتسول الصفح, منكسراً قال في خطبة وداعه الأخير, لن أترشح, سأخفض الاسعار, سأطلق المعتقلين واحرر الاعلام, سأوقف في مخفر أمني الخاص البطالة ,وامنع اطلاق الرصاص, حباً في الله فقط انا رئيسكم المحبوب, امنحوني فرصة أخرى, فسحة ثانية. **يا..الله كم هؤلاء الطغاة جبناء, كم هم أمام هبوب عواصف الشعب أوراق خريف ,أمام زمجرة الغاضبين, جذوع نخل مسوسه خاوية. ** الآن اكتب هذا عشية الإطاحة بعرش بن علي الطاغية, طائرة بين السماء و الارض, وهذا المخلوع يجوب فضاء الاوطان بحثاً عن لجوء آمن, مالطا ترفض, فرنسا ساركوزي لاتسمح.. وذات المشهد تكرر ذات عام: امريكا في وجه نميري تغلق مطارها اثر اطاحته, امريكا لاتقبل هبوط طائرة شاه إيران, ليوارى بعدها جثة هامدة, في قبر منسي على هامش مدن صفيح عشوائيات القاهرة. في زمن مابعد تونس ,ستكر السبحة في انظمة القمع العربي , سيتضور الحكام اللصوص مهانة وجوعاً وذلاً ,في مهاجع الآخرين ,حتى الموت. سُيدفنون في مقابر الغرباء, فيما يتساقط اقاربهم الأثرياء تباعاً ,في قبضة لوردات الشوارع الفقيرة.. حراس عطر ثورة الياسمين. ** جميع الرؤساء الملوك في المنطقة في كرب عظيم, الكل يتحسس راسه, يضرب الودع, لمعرفة من منهم التالي, واي من الشعوب سيغتسل أولاًمن خطيئة الخوف, من اولا ًيكسر التابو , وللحاكم المستبد يخرج شاهراً للرصاص صدره العاري. تعلن ليبيا، مورتانيا،الجزائر، الأردن تخفيض الاسعار, فيما اليمن وحده مازال يكرس تلفزته لابراز عضلات جيوشه,يقدم على الهواء مباشرة حصصاً حية لضرب النار, في رسالة قوة همجية حمقاء غبية يوجهها للناس: لاتفكروا, إنسوا الأمر, سندق عنق من تسول له نفسه, إنسوا الأمر ,نحن اقوياء, الوضع تحت السيطرة,قبلك بغطرسة وزهو قالها بن علي,ثم ابتلعه الظلام. ** لاشيئ يبدو واضحاً في سماء اليمن الساكنة, قر عيناً ايها الحاكم المستبد, مدد ماشئت لكرسي عرشك, نحن شعب من الموتى, ونخبنا ستدرس امر البوح للأسفلت بالشكوى, ستتنادى لبحث الأمر في الأشهر أو السنوات القادمة. قر عيناً وطب نفساً ايها الحاكم, مدد لعائلتك, ومد رجليك كيف اردت فوق ظهر الشعب, فلا شيئ في الأفق, لاصوت يكدر قداس صمت هذا الوطن المقبرة, نحن لا نشكو قبل ان يبحث ساستنا في العقود التالية فتوى شرعية الجهر بالألم, و إلى ان يحين ذلك, فقط الآن إبسط نعليك الطاهرين على اجسادنا المارقة الرجسة, ونم عميقاً, الطقس غداً صحو, وفي سماء شعبك سيدي الرئيس لا نُذر غضب, ولا حتى سحابة صيف مراوغه مخادعه, لا رعد, لاعاصفة, لا مطر. نم سيدي الجنرال سعيداً. سيلتئم شمل ساستنا بعد جيل, وقتها لمتغيرات السياسة الدولية, لعدم نضج شرط الظروف الموضوعية, لاستعصاء معادلات كيمياء تخليق اوكسجين الحرية, لهذه الاسباب مجتمعة سيرجئ ساستنا الشكوى, وربما سيلعنون نزق الشعب, ويمنحونك وسام الصبر, وبراءة اختراع القتل بكاتم صوت, رصاص نبيل ,وجوع رحيم, وبفاجعة تتلوها فاجعة .فقط نم بين حواريك سيدي الجنرال عميقاً, احلامك باهية، نهارك مشمس.. ويصبح مادونك على سلة خبز فارغة, على انسحاق وخرس, يصبحون على لا كرامة.. لاوطن ! فقط الآن نم عميقاً, ولا نامت أعيننا؛ أعين المتآمرين الخائرين الجياع.. الرعاع.. العبيد الخانعين ! **كم هي ذابحه رسالة ذاك المواطن اليمني الذبيح وهو يرقب عرس تونس: "لاني يمني على حالنا عيني تذرف الدمع.. ليتني كنت تونسياً" . **إذا لم تكن اليمن الحجرة الثانية في تساقط احجار ( دمينو ) الأنظمة سأصرخ بكل حزن ويائس وعجز الدنيا: يسقط الشعب الصامت عاش الرئيس الداهية !!