استغربتُ كثيرا وانا احاول جمع المبلغ الذي أعلن في مؤتمر المانحين الذي عقد الثلاثاء الماضي في العاصمة السعودية الرياض، والذي اعلن "مغالطة" انه 6 مليار و400 مليون دولار، والحقيقة ان ماتم جمعه في هذا المؤتمر لايتجاوز 3 مليار دولار، تم إضافة الهبات والمنح التي سبق وأعلنت تقديمها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية والبنك الدولي كمساعدات عاجلة وطارئة للشعب اليمني في أوقات سابقة، والإعلان عنها دفعة واحدة كنوع من حفظ ماء وجه السعودية "مستضيفة المؤتمر" وللحكومة اليمنية التي تفاءلت كثيرا بهذا المؤتمر وراحت تكيل الوعود والاماني بالعودة المظفرة من الرياض.. - اريد ان اتحدث طويلا عن فشل حكومة الوفاق الوطني في هذا المؤتمر، حيث لم تستطع اقناع المانحين بجديتها في اصلاح الاوضاع والتبشير بيمن آخر غير اليمن الذي تعاملوا به على مدى ال34 عاما الماضية، من خلال الطرح الجديد لآلياتها الاستيعابية وبرامجها التنموية.. - لن آبه كثير بمن يريد ممارسة الارهاب الفكري والتخوين وإلقاء التهم المعلبة الجاهزة ضد كل من يقترب من باسندوة او احد وزراء الوفاق الوطني "من المشترك"، اما وزراء المؤتمر فدمهم مهدور ومباح لمن هب ودب ان ينتقدهم او يدردح بهم او يشهر بهم وبممارساتهم الفاسدة.. "ان اريد الا الاصلاح مااستطعت"، آية كريمة في كتاب الله وليست كما يظن بعض العامة من انها احدى فقرات البرنامج السياسي للتجمع اليمني للاصلاح الذي اتخذها شعارا له منذ تأسيسه قبل 22 عاما، وسأعمل بها مااستطعت، وسأمارس دوري في النقد البناء لهذه الحكومة التي اتمنى ان تصبح افضل حكومة في العالم، لاني المستفيد الاول من ذلك، فسأعيش انا واولادي واسرتي في بحبوحة من رغد العيش والامن والامان الذي يحلم به كل انسان على وجه الارض، والذي امتن الله به على عباده عندما طالبهم بعبادته "فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". - وبالعودة الى موضوع مؤتمر المانحين واخفاق حكومة الوفاق الوطني فيه، نتوقف عن تصريحات نقلتها وسائل الاعلام اثناء المؤتمر عن دبلوماسي غربي يؤكد ان ماقدمه القادة الجدد للحكومة اليمنية غير مقنع، ولافرق بين ماقدموه وبين الحكومات السابقة التي كانت تحرص على الحصول على المساعدات ولكنها تتهرب في موضوع الشفافية والمساءلة والإصلاح الذي كان يطالب به المانحون، مما أدى إلى نضوب المساعدات أو تباطؤها، فالجميع مؤمن بأن احتياجات اليمن أكثر بكثير مما تطلبه الحكومة للفترة الانتقالية، إلا أن ما يدعو للتردد هو عدم الثقة بقدرة الأجهزة الحكومية على التنفيذ، واستعدادها لتحقيق متطلبات الحوكمة في الإدارة والشؤون المالية. - اعتقد ويتفق معي العديد من الزملاء الصحفيين والمثقفين والسياسيين والمتابعين لاداء الحكومة الموقرة بان الوقت قد حان لأن نتجرد من تعصبنا الفكري وولاءنا الحزبي ونطالب جميعا باستقالة او إقالة رئيس الوزراء الاستاذ القدير محمد سالم باسندوة نظرا لكبر سنه الذي تجاوز 77 عاما من العمر، ولأننا في مرحلة استثنائية تحتاج الى الكثير من الجهد والطاقة والحركة والعمل، ورحم الله امرؤ عرف قدر سنه "كما قال الارياني".. - يقول الدكتور ستانلى رابورت وهو باحث في المعهد القومى للشيخوخة بالولايات المتحدة: "لاشك أن هناك بعض التغيرات التى تحدث فى المخ مع تقدم السن وزحف الشيخوخة، حيث تبين أن المنطقة المسئولة عن الحركة فى المخ تفقد نسبة كبيرة من خلاياها العصبية المعروفة باسم خلايا "يبتز" وفقد هذه الخلايا يؤدى إلى فقد التناغم الحركى وسرعة رد الفعل، فلا تستجيب العضلات للأمر الذى يريد أن يفعله المسن بنفس الكفاءة والسرعة التى تستجيب بها لدى الشاب، وربما كان أثر ذلك واضحا وجليا فى الحركات الدقيقة التى تحتاج إلى تناغم وتجانس بين المخ والأعصاب والعضلات الدقيقة القابضة أو الباسطة والتى ينبغى أن تعمل فى توازن وانسجام تام"، اضافة الى ضمور الخلايا التي تسبب النسيان وبعض الأعراض التي تحدث عنها الباحث.. - الاخ رئيس الوزراء لم يقدم الى مؤتمر المانحين غير التهديد بالصوملة على الطريقة اليمنية وذلك بقنص سفن النفط التجارة الدولية من اليابسة دون الحاجة الى زوارق صغيرة كما يفعل القراصنة الصومال، اضافة الى الشكوى المُرة من خلو الخزينة العامة من الأموال وتفشي الفقر والبطالة والفساد وتردي الخدمات، وعدم الاستقرار السياسي والامني حيث قام النظام السابق باقتحام وزارتي الدفاع والداخلية، ويجب على المانحين ان يدعمونا لكي يتقوا شرّنا..!! - الحكومة اليمنية تعنترت كثيرا وقدمت احتياجاتها بارقام فلكية الى مؤتمر المانحين بلغت 11.9 مليار دولار، دون الاشارة الى الاوعية الاستيعابية او البرامج التنموية التي تستطيع حكومة الوفاق الوطني ان توجه هذا المبلغ اليه، الامر الذي جعل الدول المانحة تخاف من هكذا حكومة ليس لها رؤية ولاهدف إلا "هاتوا فلوس وبعدين نفكر ايش نسوي فيها"، اي نفس الاسلوب والآلية التي كان ينتهجها النظام السابق!!. - وعلى هامش المؤتمر اعلن رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية راجيف شاه عن تصور اميركي وصفه بانه أفضل السبل التي يمكن من خلالها دعم اليمن وضخ الاموال اليه بعيدا عن الفساد الذي اشتهر به اليمنيين!!، مقترحا إنشاء صندوق ائتماني متعدد للمانحين جميعا يكونون هم المسؤولين عنه وعن إدارته، وهناك اعلان مماثل لمجلس التعاون الخليجي ولمنظمة التعاون الاسلامي لافتتاح مكاتب خاصة لها في صنعاء، ولهذا دلالات كثيرة لاتخفى على اي متابع..!! - وحتى نعرف التحرك الكبير الذي قامت به حكومتنا الموقرة لكسب ثقة المانحين، نستعرض بعض المؤشرات التي قدمتها الحكومة إلى المؤتمر، والتي ربما ساهمت الى حد كبير في عدم تجاوب الدول المانحة واحجامها عن تقديم الاموال: - النمو السكاني الذي فشلت الحكومات المتعاقبة في السيطرة عليه، حيث تجاوز 3% سنوياً، إحدى أعلى نسب النمو السكاني في العالم، وما نتج عنها من أن نحو ثلثي السكان هم دون سن 24، أغلبهم دون عمل أو أمل. - تجاوزت معدلات البطالة 50% بين الشباب، مما جعلهم لقمة سائغة للتوجهات المنحرفة. - بخلاف بقية دول العالم، فإن معدلات الأمية في اليمن في ارتفاع مستمر. - نسبة الفقر المتزايدة، حيث يعيش نحو 50% من السكان على أقل من دولارين في اليوم. - سوء التغذية، حيث يواجه أكثر من 30% من السكان الجوع، ولايحصل نحو 75% على مياه الشرب النظيفة. - النضوب المتسارع في موارد المياه، بلغت مستويات كارثية في بعض المدن الرئيسية. - تأثر أكثر من عشرة ملايين يمني 40% من السكان بالأزمة الإنسانية، خاصة النساء والأطفال واللاجئين والنازحين. - يواجه 500,000 من الأطفال خطر الموت خلال السنة القادمة إذا لم تتوفر المساعدات الإنسانية المطلوبة. - أدى عدم توفر اللقاحات والإمكانات الطبية إلى تضاعف أمراض الطفولة 20 ضعفاً في بعض المناطق. - إنتاج البترول تناقص بمقدار 50% خلال العشر سنوات الماضية، وأدت الأزمة الأمنية إلى انخفاض التصدير بسبب التخريب المتعمد لأنابيب النفط، والذي ما زال مستمراً، مما اضطر الحكومة إلى الاستيراد بالأسعار الدولية، وبيعه بأسعار تشجيعية منخفضة..!! * المثل الذي يقول "من استحى من بنت عمه ماحبلت" ينطبق علينا كثيرا، وبالتالي يجب علينا ان نناشد ونناضل، ونصيح باعلى اصواتنا بإعادة النظر في تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي ستقود اليمن خلال الفترة الانتقالية، ويجب ان يكون هناك ضوابط اخرى غير الضوابط التي تم اعتمادها عند تشكيل هذه الحكومة، اما حديث الرئيس عبدربه منصور هادي بانه لاتعديل وزاري خلال الفترة الانتقالية فهو تصريح سياسي لتهدئة الاوضاع فقط، اذ ان المبادرة الخليجية لم تتضمن اسماء هذه الحكومة، وحتى لو تضمنتها فهي ليست قران كريم لايجوز المساس به، ونحن أعرف بشؤوننا ومصالحنا من كل الدول التي ساهمت في صياغة المبادرة الخليجية.. - بعيدا عن التشكيك في النوايا او الممارسات او الذمم المالية لوزراء حكومة الوفاق الوطني الحاليين، اقول ان الآلية التي اعتمدت في تشكيل هذه الحكومة لم تكن موفقة، وانه تم تقاسمها حزبيا وفق الحُكام الجدد لنظام مابعد علي عبدالله صالح بالاتفاق معه بطريقة غير مباشرة حيث اختار هو وزراءه في ذات الحكومة، واصبح التقاسم شيئا ضارا بالبلاد والعباد، لاسيما وهو يسير باندفاع شديد صوب تدمير الهيكل الوظيفي للدولة وتفتيت النسيج الاجتماعي للشعب من خلال تقاسم الوظيفة العامة من اعلى الهرم الى القاعدة..!! - يجب ان تكون الحكومة القادمة حكومة تكنوقراط، لاتأبه للاحزاب السياسية ولاللقوى الفاعلة ولايشغلها إلا اليمن ومصلحته ارضا وانسانا، وان يتم تفعيل مجلس النواب في المساءلة والمحاسبة، وقبل هذا وذاك يجب ان تذوب فينا جميعا وفي الوزراء الجدد واعضاء مجلس النواب الحساسيات الحزبية والتعصب لها، وأن نعلم يقينا اننا امام مفترق طرق، إما ان نعمل بطاقاتنا الكامنة كيمنيين نحب هذه الارض ونعمل لاجلها ونساعد بعضنا بعضا لإنجاح مشروعنا المشترك "اليمن الجديد"، وإما ان نظل مكاننا متقوقعين على ذواتنا وحساسياتنا ونكفنا الحزبي ونبقى مكاننا في آخر سلم الدول النامية، وفي آخر قوائم الدول الفقيرة، وفي ذيل كل القوائم الاقليمية والدولية وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.. - الوالد محمد سالم باسندوة.. يشهد الله اني لااحمل لك في قلبي إلا كل الاجلال والتقدير، لكني ارى ان مصلحتك شخصيا ومصلحة اليمن تقتضي منك قرارا حاسما بتقديم استقالتك، وترك المجال امام الشباب والطاقات الكامنة لتبوء المناصب وتحمل المسؤولية، وتأكد ان هناك من سيكون قلبه على البلاد مثلك تماما وبقدرات وطاقات شبابية، ويكفي انك ساهمت في إعادة الامل الى النفوس، بعد عام حافل بالزخم الثوري العارم.. إنهاء الدردشة