الأربعاء , 3 مايو 2006 م تكرار مؤسسة السعيد الثقافية لمهرجانها السنوي «فعاليات الجائزة المعرض» دون أي حراك ثقافي متعدد الآفاق ومستمر بالفعل الفكري الرافد للمجتمع الثقافي بالمعرفة وللبيئة المحلية بالعلم «تطبيقات علمية وابتكارات». هذا التكرار دون أي جديد «معرفي ابتكاري» يفتح جدلاً مشروعاً حول دور القطاع المدني «مؤسساته ومنظماته الأهلية المستقلة أو الحزبية أو المتراوحة ما بين الاستقلال والتحزب» في الدفع بعجلة التنمية الثقافية نحو النماء المعرفي والتطور الفكري، ومدى قدرة ذلك القطاع طوال وجوده الزمني «ما بعد الوحدة حتى الآن» على إيجاد الإعلام أو الفكر أو الأدب المنظم والفاعل والمؤسساتي والذي لا يرتهن للبراجماتية السياسية أو النفعية المادية؛ بقدر ما يطوّر من أداء السياسة، ويحسّن طرق التخاطب التجاري.وهل عمل ذلك القطاع بتخطيط منهجي على إنتاج أو دعم الإنتاج في مجال المعرفة سواء في كمها التنظيري «كتب» فكرية ومؤلفات شعرية.. إلخ أم في كيفها التطبيقي «ابتكارات اختراعات» تعود بالنفع للصالح الخاص والعام، أم أن الأمر لم يخرج من دائرة المهرجانات والمعارض والاحتفالات التي تتقن تمجيد ما مضى، وتمن علينا به، ولا تجيد إنتاج النفع للحاضر أو التخطيط للمستقبل؟!.هناك أسباب أدت إلى الموت الثقافي والاحتضار الفكري في الساحة اليمنية؛ بعضها يعود إلى الجانب الرسمي، لكن أغلبها يرتكز على مستوى أداء القطاع المدني وطرق إدارته للفكر وأسلوب تعامله مع الثقافة.وما الذي يعنيه حجب جوائز هائل سعيد للعلوم والثقافة والذي كان فيما مضى كسوفاً جزئياً؛ والآن أضحى كلياً غير موت الثقافة اليمنية؟!.وكان الأولى بالمنظمين للجائزة صنع نعش مهيب للقطاع المدني الذي فشل في تنمية الثقافة وانشغل في أداء مراسيم الجوائز والمعارض قبل الإعداد لمعطياتها الواقعية.صحيح أن مؤسستي العفيف والسعيد هما أفضل الموجود، وصحيح أيضاً أن لهما دوراً بارزاً ومتميزاً ومنفرداً، ونثمّن الدور لكلتيهما وإن كان محدوداً، لكن يبدو أن غرور «التميز والتفرد» مع انشغال المؤسسات الأخرى بخدمة الأحزاب والأمزجة الشخصية هو الذي أوقف أو أدى إلى التراجع في أداء المؤسستين بدل التجديد والتطوير!.أنا أستغرب أن مؤسسة ثقافية «تجارية» كالسعيد ليس فيها مجلات دورية متخصصة «علوم فكر ثقافة» ترفد القارئ بنظائرة المعرفة وجديدها، وتشجع الكتّاب على الإبداع، والشباب على التفكير الخلاق!.لماذا لا ترصد جوائز ولو رمزية للمتفوقين في المدارس والجامعات، وأخرى لكل شاب يؤلف كتاباً علمياً أو أدبياً ولو مبسطاً إلخ.. بدل تلك الجوائز المليونية التي توضع بشروط يصعب توفرها في مجتمع معطياته المعرفية وبنيته الفكرية فقيرة في عقول النخب قبل العامة، وفي مجتمع متعلموه ومفكروه عازفون عن القراءة لارتفاع سعر الكتاب؟!. ما الفائدة من إقامة معرض يُباع فيه الكتاب بنفس سعره في المكتبات الخاصة؟!. كان الأولى بالسعيد خدمة للثقافة ونفعاً للشباب وابتغاء الأجر من الله أن تتكفل بدفع ربع أو ثلث قيمة كل كتاب مرتفع ثمنه. كما أن الكثيرين يأخذون على المعرض أمرين: الأول هو عدم إرفده بالجديد من كل فن معرفي. والثاني هو تحيّزه إلى تيارات فكرية أو مذهبية معيّنة. فهناك كتب كثيرة لصالح الفكر السلفي، مع ندرة أو انعدام الفكر التجديدي أو النقدي للخطاب الديني ..إلخ.إن التعامل مع الفكر والثقافة في ظل هذا الموات الثقافي والجمود الفكري بفعاليات نادرة واحتفاليات إنشائية ومعارض لا جديد فيها هو سبب العزوف عن القراءة لارتفاع أسعار الكتب، وتكريس التطرف الفكري بنشر كتب تخدم طرفاً فكرياً دون آخر. - يحدونا الأمل في أن ما نسطّره من ملاحظات نقدية للسعيد سوف تؤخذ بسعة صدر؛ لأن دافعنا هو الحرص على مستقبلها الثقافي وعلى مستقبل الثقافة اليمنية التي نأمل أن تخرج من حالتها السريرية الراهنة.