إذا كان التنافس الانتخابي أسلوب حضاري تتبعه الدول من أجل الارتقاء بحياة شعوبها، وحقوقهم الإنسانية فإن ممارسة هذا الحق المشروع يجب أن تكون بأساليب حضارية أيضاً تترفع عن الأنانية، والزيف، والكذب، والتضليل لأن الوسائل غير المشروعة لا يمكن أن تؤسس لبنيان متين.. ولا يمكن إلاّ أن تكون عنوان حقبة جديدة من الخداع والتضليل. العملية الانتخابية يمكن أن تكون معركة ولكن ليست معركة قذرة لأنها قائمة على أساس تنافس الأفكار، والطموحات، والبرامج- أي تنافس الوعي الإنساني بين مختلف القوى السياسية.. فكيف يمكن لقوة تخدع الناس وتنصحها بوضع أكثر من إشارة في البطاقة الانتخابية لمن تراهم في الطرف المنافس لها أن تكون قوة شريفة!؟ وكيف يمكن الوثوق بأنها لن تسفك الدماء وتشيع القتل والإرهاب بشعبها ما دامت تبيح لنفسها وسائل غير شريفة للوصول الى السلطة!؟ كيف للناس أن يؤمنوا على مستقبل أبنائهم بيد قوة ترفع شعارات جميلة، وتتحدث بكلام عذب ثم تأتي بفعل غير شريف تستغل به جهل الأغلبية من الناس فتضللهم الى غير إرادتهم ورغبتهم وطموحاتهم!؟ على الناخبين والناخبات اليوم مراجعة أنفسهم والسؤال لماذا يلجأ هذا الحزب أو هذا المرشح إلى الكذب والنصب والاحتيال من أجل كسب الأصوات، والفوز بالانتخابات!؟ أليس هذا دليل على إفلاسه وشعوره بكراهية الناس له، وأنه بلا رصيد يقدمه بين أيدي الناخبين ليقنعهم بأنه الأصلح للرئاسة أو لقيادة مجلس محلي؟ ولماذا لا يحاول إقناع الناخبين بالحجج التي لديه ، وبما يراه فضيلة في نفسه تجعله أحسن من الآخرين، والأصلح منهم لهذا المركز أو ذاك..!؟ اليوم اكتب لكم وتفيض نفسي مرارة من هذه الأساليب المقززة التي يستخدمها البعض عبر نساء يتجولن على البيوت ويضللن الناخبات من الأميات وأنصاف المتعلمات من القوى المنافسة لأحزابهن بنصحهن بوضع إشارتين على البطاقة الانتخابية لكي تبطل هذه البطاقة، ويخسر المرشح أصواته.. فهذه العملية تفتقر الى أدنى حدود الأخلاق والقيم الإنسانية، ولا يأتي بها إلاّ من بلغ الحقد من نفسه شأناً جعلها سوداء قاتمة ، تتأجج فيها نزعة الانتقام ، والحقد بشكل مخيف - والعياذ بالله . يمكن لأحدنا أن يتخيل مرشح يكذب ويبالغ فهذا أمر وارد في الدعاية الانتخابية في مختلف أرجاء العالم ولكن يستحيل لأحدنا أن يتصور أن هناك قوة سياسية تستغل المرأة لقتل إرادة المرأة.. وتستغل المتعلمة للنصب على المرأة الجاهلة- كما لو أننا في عالم الغاب الذي لا يعرف قيم إنسانية ولا يؤمن بعقيدة ، ولا يرتبط مع بعضه البعض بأخلاقيات تنظم سلوكه. بالتأكيد أن مثل هؤلاء لديهم الاستعداد لإشاعة الفتن، وللتفرج على أبناء الشعب وكل فريق منه يذبح الفريق الآخر.. ولديهم الاستعداد للإتيان بكل فعل قبيح وشنيع للبقاء في السلطة إذا ما أمسكوا بالله حتى لو سفكوا دماء شعبهم في الشوارع.. فمن يؤمن بالوسائل غير الشريفة لا يتوان عن ارتكاب الجرائم للوصول إلى أهدافه.. وإذا كان يبيح لنفسه اليوم أعمال النصب والاحتيال على النساء من أجل الوصول إلى كرسي الحكم ، فما الذي سيمنعه غداً من المتاجرة بهؤلاء الضحايا في أسواق الرذيلة ليحافظ على بقائه في السلطة .. فليس هناك ما يضمن أن الوسائل غير الشريفة ستبقى محصورة على تضليل الناخبات والنصب والاحتيال عليهن ما دام هناك إباحة سياسية للقيم والأخلاق وحتى العقائد الدينية التي تحرم مثل هذه الأفعال وتنبذها. أعتقد أن مواصلة احتقار إرادة المرأة والاستهتار بخياراتها لا يجب أن تسود في المجتمع مجدداً، ويجب على مختلف القوى الواعية ، وأهل الرأي والكلمة التصدي لهذه المؤامرات، وإحباط مساعيها.. ليس لأنها تعني هذا الحزب أو ذاك ، أو هذا المرشح أو ذاك بل لأنها ستنعكس على سلوك المجتمع، وعلى مناخه الثقافي ، إذ ستعمل على إشاعة الرذيلة، والخداع والتضليل كلون بديل للثقافة الديمقراطية.. وهنا تكمن الكارثة حين تتحول الديمقراطية إلى ثقافة انتهازية لقوة انتهازية تضع نفسها فوق إرادة الشعب وأخلاقياته ومستقبله الذي ينشده..