يبدو أننا نحن العرب حكاماً ومحكومين قد أدركنا، ربما قبل فوات الآوان، حقيقة أننا أكثر شعوب العالم تضرراً من انفراد الولاياتالمتحدةالأمريكية بقيادة ما اصطلح على تسميته بالنظام الكوني الجديد، حيث مامنيت به مصالحنا الوطنية وقضايانا القومية العليا خلال العقدين الأخيرين على الأقل، في غيبة مناصري الحق العربي أينما كانوا، ممن كان لهم مواقفهم المؤازرة لنا في مواجهة اصطفاف الآخرين ضدنا، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي على وجه الخصوص. ويبدو أن المارد الصيني لم يعد يرتضي لنفسه مهانة القبول بحماقة عزله بعيداً عن المعادلة الكونية في جانبها السياسي عبر تغييبه قسراً عن دائرة الضوء أو تهميش دوره إزاء مايجري على مدار الساعة من أحداث ساخنة هنا أو هناك، فالصينيون خُمس سكان العالم كما نعرف، وماتحقق لهم وبأيديهم من تنامٍ لايضاهي لقوتهم الاقتصادية.. من شأنه أن يمنح بلادهم بالمقابل أحقية أن تحتل مكانتها اللائقة بها بين دول هذا العالم، بحيث تضطلع بدورها التاريخي المستحق. وعملاً بمقولة.. أن نبدأ متأخراً خير من أن لا نبدأ، كان لابد من أن ينعقد منتدى الحوار العربي الصيني مطلع شهرنا الحالي، كمحصلة منطقية لتلاقي رغبتي الجانبين، وكلاهما من مؤسسي حركة عدم الانحياز التي أراد لها مؤسسوها أن تشكل قوة عالمية ثالثة إلى جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي في حينه. ويحسب لجامعتنا العربية، وقد اصطلح على تسميتها «بيت العرب» طيب تحركها الفاعل في هذا الاتجاه، ممثلة بشخص أمينها العام «عمرو موسى»، على أمل أن يشكل هذا اللقاء فاتحة أبجدية لكسر حدة الانفراد الأمريكي بالهيمنة على مقدرات الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن بينها نحن، بحكم تسخير أمريكا المنظومة الدولية الأم لتحقيق مآربها وشرعنة مراميها، ومن ثم.. فرض وصايتها على سائر البلدان الخارجية على أحكام بيت الطاعة في واشنطن، وتدخلها السافر في كل صغيرة وكبيرة من مفردات شئوننا، بدءاً باستبدال الأنظمة المعادية لسياساتها بأنظمة أخرى متأمركة أو مستأنسة، وإنتهاءً بصياغة ملامح ما استحدثته من واقع جديد في بلدانها على ضوء حيثيات ماتراه مناسباً من وجهة نظرها، إلى غير ذلك مما تفرضه أهواء كبار مسئوليها التي لاتقف عند حد. ويأتي سعينا بهذا الاتجاه، بفعل إدراكنا المبكر لخصوصية الجانب الصيني في تعامله مع أصدقائه، حيث لاشروط مسبقة الصنع، ولاعلاقة مغرضة، فضلاً عن كونه خارج دائرة احتواء اللوبي التجاري العالمي. وليس أدل على ذلك مما بدا واضحاً وجلياً في مجمل ماأسفرت عنه زيارة فخامة الأخ الرئيس/ علي عبدالله صالح للعاصمة الصينية "بكين" في سياق واحدة من زياراته الرسمية التي شملت العديد من عواصم العالم. فلقد قدمت الصين قرضاً ميسراً غير مشروط قدره مليار دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية في "بلاد اليمن" بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين ثلاثة مليارات دولار، كأعلى معدل تبادل تجاري في ذات المجال، وهو مانأمل تعميمه عربياً كنموذج مفترض.. ينبغي اعتماده واحداً من العناوين المستقبلية للعلاقات العربية الصينية ككل. وفي اعتقادي.. إن قدرات الصين الصناعية المتنامية، على كافة الصعد والمستويات، بما في ذلك قطاع الإنتاج الحربي، كفيلة وبكل المقاييس لتمكينها من أن تكون القوة الأعظم على خارطة اقتصادات العالم، خلال العشرين عاماً القادمة على أقل تقدير، إن لم أكن مخطئاً في ذلك. ومما لايدع مجالاً للشك أو التشكيك.. أن الصينيين باتوا أكثر الناس فهماً وتفهماً لطبيعة ماتحتاجه أسواقنا العربية في مجملها، لدرجة أنهم تخصصوا أكثر من غيرهم في صناعة احتياجاتنا الرمضانية من الفوانيس على سبيل المثال. وتبقى الصين المرشح الأكثر استحقاقاً بأن يصبح شريكاً تجارياً لأمة العرب، وهو مايمكن استشراف آفاقه من فحوى دعوتها إلى عقد مؤتمر للتعاون العربي الصيني خلال عامين.