تتأكد مسألة الفشل لأية منظمة أو اتحاد أو نقابة مهنية حين تبتعد عن المهنية وتميل إلى العمل الحزبي والسياسي المتعصب والمنحاز.. فأهم ما يعوق ويؤدي إلى تعثر وفي حالات إلى انهيار المؤسسات النقابية المهنية هو عدم قدرة هيئاتها الإدارية الفصل بين انتماءاتها السياسية الحزبية، وانتمائها المهني.. وأن مجال عملها السياسي هو الحزب، ومجال عملها المهني هو النقابة. قد تبقى الهيئات النقابية قائمة، ولها مقرها، ولوحة في واجهة المقر مكتوب عليها اسمها، وتكون لها فروع، لكنها أجسام بلا أرواح وهياكل لا حياة فيها، وجودها من عدمه سواء، لأنها مشلولة وتكون عبارة عن صورة على حائط، ولا تزيد فاعليتها عن «أسد المفرشة» لا تقدم ولا تؤخر، أما الفاعل والنشط منها، فالفاعلية والنشاط لا يزيدان عن صراع بين أعضاء الهيئة الإدارية حول الاستخواذ على النقابة، والانفراد بمواردها وإمكاناتها وتمثيلها في الفعاليات العربية والدولية، أو أن يكون نشاط البعض هو عبارة عن صراع سياسي فيما بين أعضاء الهيئات الإدارية.. وهو ما جعل العمل النقابي في بلادنا فاشلاً، مشلولاً، شكلاً بلا روح وهيكلاً بلا حياة، ولا عائد منها لمنسوبي النقابات سوى ادعاء تمثيلهم وتمثيل مصالحهم زوراً وبهتاناً وافتراءً. إن أخطر ما يميت العمل النقابي في أي بلد، ويرديه قتيلاً، أو يناله بالشلل.. هو تسييسه، وإخراجه عن هويته المهنية والانحراف به من العمل المهني إلى العمل السياسي، هذا المرض يكاد يكون قد نال من معظم إن لم يكن كل النقابات المهنية.. وهكذا أيضاً تكون منظمات المجتمع المدني جميعاً، سواء كانت جمعيات أو منظمات خيرية أو تنموية، بل إن المرض قد ينال أيضاً المؤسسات المحلية والتعاونية حين تنحرف عن طبيعتها المهنية والوظيفية ومهامها الوطنية، وتتحول إلى مؤسسات تستبد بهيئاتها الانتماءات السياسية على حساب الانتماءات المهنية، وتبدأ تهيمن عليها المصالح الضيقة على المصالح العامة، وهاهي نقابة الصحافيين نموذج لما نقول، فقد انهارت بسبب تغلب الانتماء السياسي الحزبي الضيق على الانتماء المهني ومصلحة منسوبيها.. فهل تكون بنقيبها الجديد الذي وضع الصحافيون ثقتهم فيه أحسن حالاً..؟ هذا ما نأمله.