الجمعة , 7 يوليو 2006 م - د/ أحمد الحميدي/ أستاذ القانون الدولي - نائب عميد كلية الحقوق جامعة تعز في الحقيقة عند الحديث عن الوحدة اليمنية يشعر المرء بالفخر والعظمة والاعتزاز، وسأبدأ حديثي بوضع ثلاثة تساؤلات هي:- هل الوحدة اليمنية كانت ضرورة؟ هل الوحدة اليمنية واجب؟ وهل شكلت الوحدة اليمنية مشروعاً حضارياً نهضوياً؟ بلاشك أن المتأمل للأوضاع الدولية والمحلية آنذاك صبيحة التسعينيات سيجزم بدون شك استناداً للعديد من الأدلة والحجج والأسانيد أن الأمة العربية كانت بحاجة ماسة إلى إضاءة دربها الطويل الذي طال أمد ظلامه، تاريخٌ مظلمٌ مليء بالمآسي والآلام والقهر والاستعباد والظلم وواقعٌ داخليٌ مزرٍ إلى درجة البؤس حتى كاد الأمل نفسه أن يختفي، هنا فقط يأتي الأمل بالمستقبل فيثبت اليمنيون صبيحة التسعينيات وفي زمن تفكك القوميات، تفكك الإمبراطوريات التي وحدتها الفكرة الأيدلوجيه، يثبت اليمنيون أن الأمم الحية لم تمت وبالتالي كانت الوحدة في حينها ضرورة وضرورة ماسة لبعث الأمل من جديد والشروع في البناء، من هنا قلت إجابةً عن التساؤل الأول بأن الوحدة اليمنية كانت ضرورة. هل كانت الوحدة اليمنية واجباً ؟ - أقول بإنها كانت واجباً مقدساً هي واجبٌ ديني وهي واجبٌ أخلاقي وهي واجبٌ تاريخي.. هي واجبٌ ديني لأن الله عز وجل وهو القائل «واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً» قال كذلك «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا». هي واجبٌ أخلاقي لأن وضعية التشطير المفروض التي عانيناها كانت نوعاً من الشذوذ غير المقبول وطنياً. وبالتالي كان السكوت عن ذلك الوضع الشاذ ذلاً تأبى أخلاقنا أن يستمر لوقت طويل، لذلك قلت إنها واجبٌ أخلاقي. والوحدة اليمنية كانت إضافة إلى أنها واجبٌ ديني وأخلاقي كانت واجباً تاريخياً وهي الفكرة التي أكدتها عليها في بداية حديثي، عندما أشرت إلى أنه في زمن التردي العربي يأتي الأمل من اليمن. وشكلت الوحدة اليمنية حينئذٍ النقطة البيضاء في التاريخ العربي الحديث الملبد بالغيوم من هنا أكدت أن الوحدة بالإضافة إلى أنها ضرورة فهي واجبٌ حددته بثلاث نقاط ديني وأخلاقي وتاريخي. لكن هل شكلت الوحدة اليمنية مشروعاً حضارياً نهضوياً حقيقياً أو بمعنى أصح كيف كانت الوحدة اليمنية مشروعاً حضارياً؟ الوحدة اليمنية كانت مشروعاً حضارياً نهضوياً منذ أن كانت أملاً منذ أن كانت هدفاً للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، هنا سنجد أن من ضمن أهداف الثورتين المجيدتين، ترد الوحدة اليمنية كهدف مقدس لايمكن أن يناقش فيه، وقد كان أول قرار يتخذ من قبل مجلس الثورة في الشمال سابقاً تعيين الراحل قحطان الشعبي مستشاراً لرئيس الجمهورية لشئون الجنوب وهذه نقطة تلازم الثورتين وأن الوحدة اليمنية كانت حاضرةًَ في فكر الثوار والرعيل الأول ومن حملة البندقية من أجل التحرر. كما كانت الوحدة اليمنية أيضاً حاضرةً ومشروعاً حضارياً أثناء وخلال الحرب التي خاضها الشطران لأجل الوحدة وباسمها، ذلك أنه سيتمخض عن كل الحروب التي قامت من أجل فرض..الوحدة سيتمخض مشروع «دسترة الحياة السياسية اليمنية» إن صح التعبير عند أساتذة اللغة، بمعنى ماذا؟ عقب 1972م والتي شهدنا فيها حرباً سيكون هناك اتفاق القاهرة وبيان طرابلس وسيتم الشروع في بناء دستور لدولة الوحدة، وعقب الحرب الأخيرة في نهاية السبعينيات 79م أيضاً سيكون هناك بيان الكويت وكلها وثائق أساسية شكلت مايمكن أن نسميه الأعمال التنفيذية أو الأعمال التحضيرية لوضع دستور للدولة اليمنية وبالتالي «دسترة دولة الوحدة». كانت الوحدة اليمنية مشروعاً حضارياً كذلك من خلال الوسائل التي تحققت بها ولا أدل على ذلك من أنه عندما عجز أي من النظامين في الشطرين سابقاً من فرض إرادته بالقوة وفرض تصوره حول الوحدة كانت البداية الحقيقية بالذات عقب 1979م المرحلة التي سميت مرحلة «الميثاق الوطني» وبداية التفكير بجدية حول بناء تنظيم يكون نظيراً للحزب الاشتراكي في الجنوب. إذاً هي مشروع حضاري من خلال المنجزات التي تحققت عقب اعلان إعادة توحيد اليمن. وبعد إعلان توحيد اليمن سنبدأ فعلاً ببناء دولة المؤسسات، وإذا كانت الوحدة اليمنية قد اقترن تشييدها «بدسترة الحياة السياسية اليمنية» وإذا كانت قد تحققت بوسائل سلمية وإذا كانت هدفاً يُسعى لتحقيقه مرصوداً في أهداف الثورات، وإذا كانت كذلك أيضاً هدفاً أثناء الحرب، نتحارب من أجل تحقيق الوحدة، فهي شكلت مشروعاً حضارياً فيما بعد عندما أرست، لدولة المؤسسات الحقيقية ، وعندما أقول أرست، أقول عندما شرعنا ببناء دولة المؤسسات ، فهناك فرق عندما أقول شرعنا ببناء دولة المؤسسات وأن أقول اكتمل بناء دولة المؤسسات.. إذن كانت الوحدة هي البداية الحقيقية للشروع ببناء دولة عصرية يحكمها القانون وتدار وفقاً لآلية رئيسة هي الحوار أداتها وإطارها الدستور. وعلى المستوى الدولي شكلت الوحدة أيضاً مشروعاً حضارياً ليس لنا كيمنيين وإنما لمحيطنا القومي وأصبحنا نشكل مرداً قومياً حقيقياً للأمة، ليس فقط لأننا استطعنا أن نسوي مشاكلنا الحدودية بكل حكمة ولكن أيضاً لأننا حتى على البعد الدولي تمكنا من أن ننافس تمكنا من أن نحضر قمة الدول الثمان فيما يتعلق ب«دمقرطة الأنظمة» فيما يتعلق بالحوار واختيرت اليمن ضمن ثلاث دول فقط هي تركيا وإيطاليا فيما يتعلق بتعزيز الحوار الديمقراطي.