قال قائل منهم: «مؤسسة المياه تنجب البنات، وعمالها "يُسبِّعون" لها "بالكَسَب"». فيا مؤسسة المياه كُفَّى عن إنجاب البنات ما دام ذلك لا يروق عمالك.. وان كان ولا بد، فاجعلي «الخلفة» مناصفة بين البنين والبنات، لعل أحوالك تتحسن قليلاً، فيكف عمالك عن الإهمال والزمبلة» و«التطنيش».. وما داموا يرغبون في الولد، فامنحيهم الولد، لعل الله يجعل من «الولد» رجال الغد خيراً من رجال اليوم. وإليك القصة: في نحو الرابعة من صباح الأربعاء 23/8/2006م كان صوت المياه يتكظم تحت أكوام الحجارة بتدفق وغزارة، الأمر الذي جعله مسموعاً من مسافة بعيدة، وعندما يجتمع الظلام إلا من بصيص من الأنوار المتناثرة هنا وهناك، مع صوت خرير المياه ومع خلو المكان من الحياة إلا من قطة تمرق هنا، مترقبة أو مذعورة أو كلب هناك يتفحص القادمين، فيتعامل مع كل واحد بحسب ما يراه من هيئته أو أسماله.. بالإضافة إلى الظلال الخافت الذي تصنعه الأشجار المتسلقة فوق الجدران، حسب رقتها أو كثافتها.. كل تلك التشكيلات المتنوعة تصنع «بانوراما» تمس شغاف النفس بالهيبة وتجعل من السماء سقفاً مرصعاً بالمصابيح المتلألئة، تملأ القلب جمالاً والعقل جلالاً والنفس سكينة.. كل هذه الأشياء قريبة من الإنسان أشد القرب، بل هي ملتصقة به أشد الالتصاق ومع ذلك «فهو» أي الإنسان قد ترك ذلك وأدار ظهره لأجمل ما أودع الله في هذا الكون من رقة وعذوبة وفتنة وجمال أخاذ.. وأعني بذلك فترة «السّحَر» أو قبيل طلوع الفجر.. هذه الفترة تستمتع بها كل الكائنات ما عدا الإنسان، فهو ربما يكون الكائن الوحيد الهارب من هذا الجمال كله ليختبئ تحت أردية الخمول والكسل بعد أن يكون قد أرهق نفسه طوال الليل في متابعة فضائيات لا تزيده إلاَّ ابتعاداً عن «الفطرة» ولا تزيد نفسه إلاَّ رهقاً ولا تضيف لعقله إلا كلالاً، وضميره لا تزيده إلا مواتاً وأمله في الحياة لا يزيد إلاَّ قتامة، وليس هناك أضيع ممن يرى وطنه بقرة حلوباً، إما أن تدر لبناً أو يسلخ جلدها.. وليس هناك أضل ممن يرى لنفسه حقوقاً عن كل الناس أما هو شجرة جدباء لا تورق ولا تثمر، ولولا خلو النفس من الجمال لما حصل كل ذلك. تقدمت من صوت خرير المياه، وبقيت أطل عليه لأعلم مصدر تدفقه فلم أتبين شيئاً، فقد منعت أكوام الأحجار مستعينة بعتمة السحر كل رؤية، ما عدا الصوت فقذ كان جلياً وواضحاً، ولم يكن من تفسير لذلك التدفق الغزير، سوى أن يكون ماء «المؤسسة» قد حان ميعاد وصوله في تلك الليلة ولكنه بدلاً من أن يتوجه إلى البيوت التي بقيت فترة طويلة تنتظر وصوله، اتجه نحو الشارع من خلال فتحة كاملة بسبب كسر صنعه «الحفارون» الذين وفدوا إلى شارعنا وكل شيء فيه سليم، فما تركوه إلا مبقور البطن مكسور الأضلاع وفي حالة يرثى لها من الإعياء والإرهاق، تمثل ذلك في كثرة ما حصل من تحطيم «للقصب» المنتشرة في طول الشارع وعرضه، وقد ظن الناس أن «الحفارين» سوف يستأنفون إنجاز عملهم عندما يتم لهم إكمال فتح بطن الشارع، لكنهم مع الأسف خيبوا أمل الناس وغادروا المنطقة ليحفروا مناطق أخرى حتى لا ينافسهم منافس في فتح بطون الشوارع.. وعلى كل حال هذه قضية ثانية ومسألة أخرى. كانت هناك كمية كبيرة من المياه تتدفق بغزارة من «القصب المكسر»، وعندما عدت وقت الظهر من نفس الطريق، وجدت المياه ما زالت تتدفق بغزارة، تحدثت مع أهل الحي، لماذا لا تتصلون بالمؤسسة؟ قال بعضهم: لقد تواصلنا معهم ولكن لا حياة لمن تنادي، وقال بعضهم الآخر: لن يأتوا حتى وإن اتصلنا بهم، فلا فائدة. عدت إلى المنزل، بحثت عن رقم المؤسسة، أجابني أحد الإخوة من الرقم (211893)، قال اتصل بالرقم (211892)، قلت له إنه لا يجيب، قال سوف أحاول أن أبلغ وبإمكانك الاتصال بالمدير ثم استتلى قائلاً: أقول لك «يافلان» هناك مثل يردده أهل قريتنا يقول المثل: «هي تنجب بنات وأنا اسبع لها بكَسَب» ثم عقب قائلاً: يا أخي لو تريد هذه المؤسسة أن يسير عملها بما يرضي الله، لا بد أن تصير النظرة في المرتبات والمكافآت والحوافز، أما إذا ظلت تنجب بنات فلن يكون من عمالها إلا ما تراه منهم.. قلت لصاحبي: لكن الواجب فوق كل شيء.. ولدينا من الأحاديث والأمثلة من العقيدة ومن التاريخ ما يجعلنا ننكر هذا التعامل مع الوظيفة ومع الواجب على هذا النحو البغيض.. لماذا لا نتذاكر الحديث: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، فهل يعتبر هؤلاء العمال والموظفون أن الإهمال والتراخي عن أداء الواجب هو نوع من الواجب؟.. وهل هذا هو الإتقان؟ لا يوجد من ينكر على العامل أن يحصل على أجره كاملاً وكافياً، لكن ذلك لا يعني أن يهمل الإنسان واجباته بحجة أن معاشه لا يكفي أو أنه لا يحصل على حقوقه كاملة، فالإخلال بالواجب خيانة للعقيدة وللوطن ولكل القيم والأخلاق، أما المطالبة بالحقوق فلا يوجد من ينكره..! عدت في العصر من نفس الطريق فوجدت الماء يتدفق بغزارة كما لو كان ينحدر من عيون غزيرة في الجبل، فاشتد بي الغيظ وسيطر علي الانفعال والغضب فتوجهت إلى البقالة قبالة مسجد الهادي واتصلت بالرقم (211892) مرة ثانية، فأنكروا أن أكون قد اتصلت بالرقم بهم من قبل وتواصل معهم أيضاً الأخ علي الهادي وعرفهم بنفسه، عضو المجلس المحلي، فوعدوه أنهم سوف يتحركون من فورهم.. ولكن أحداً لم يتحرك.. انتظرنا إلى ما بعد صلاة العشاء وكان قد مضى على تدفق المياه إلى الشارع «22» ساعة بالوفاء والتمام، وكم شعرت بالهدوء والارتياح عندما وجدت توقف تدفق تلك المياه، ولكنني لا أعلم على وجه التحديد إن كان الخزان قد نفد كل ما به أم أن عمال المؤسسة قد وصلوا ليضعوا حداً لذلك التبديد والتبذير والإسراف الذي ليس له مثيل في التعامل مع أغلى وأثمن مصدر للحياة. خلاصة هذا الأمر: نتوجه بالرجاء مصحوباً بالتقدير للأخ مدير عام مؤسسة المياه أن يجري تحقيقاً في هذا الأمر عن هذا الخلل الكبير في تبديد هذه الثروة الحيوية، وهل حقيقة أن كل ما يحدث في المؤسسات والمصالح العامة من عبث وإهمال ولا مبالاة يرجع سببه إلى مسألة: «هي تندى بنات ونحن نسبع لها بكسب؟». المفردات: الكسبة: أنثى الخروف أو شاة والجمع كسب. السابع: يوم العقيقة. يسبعون لها بالكسب: يذبحون شاة «أنثى» يوم العقيقة.