الأحد , 3 سبتمبر 2006 م يذكر الباحث المصري «إمام عبدالفتاح إمام» في كتابه «الأخلاق.. والسياسة: دراسة في فلسفة الحكم» أن «..الكذب وغيره من الظواهر اللا أخلاقية «الممارسة في إطار العملية السياسية» ترتد في النهاية إلى النظام السياسي، فالأخلاق نتيجة مترتبة على السياسة وليس العكس..» ونفس الكاتب يشير إلى أن «مكيافيللي» صاحب كتاب «الأمير» والمبدأ الشهير «الغاية تبرر الوسيلة» وعلى العكس مما كان يعتقده الكثيرون منا كان حتى في أشد أيامه قسوة وضنكاً يحيا على مبادئ الأخلاق ويتمسك بها ويرعاها، فقد كان مثالاً للزوج الوفي، والأب البار الذي لم يغفل عن تنشئة أولاده تنشئة أخلاقية وغرس مبادئ القيم الأخلاقية فيهم..، كما كان مخلصاً في واجباته تجاه أصدقائه، وقد رفض أن يبيع ضميره أو قلمه. لقد ظل العديد من الباحثين والكتاب في الفكر السياسي يذهبون إلى أن «مكيافيللي» بكتابه المتضمن لذلك المبدأ الشهير، يقيم نوعاً من التعارض أو لنقل الاختلاف بين «الأخلاق والسياسة»، وكأن السياسة شيء والأخلاق شيء آخر ولا مجال لاقترانهما أو لارتباط أحدهما بالآخر.. الأمر الذي قاد العديد من الباحثين المتخصصين في علم السياسة إلى إيراد العديد من التعريفات الخاطئة والتي تضفي عليها أو تصبغها بصبغة تحقيرية، وهي مستندة إلى ذلك الفهم الخاطئ من مثل «السياسة الدسيسة أو الوقيعة، والسياسة هي فن الممكن.. وهي أيضاً كل ما لا يراد ذكره أو الخوض فيه..» وظل ذلك التعارض «المتوهم والناجم عن الفهم الخاطئ للقراءات التي حاولت تأويل كتابات مكيافيللي» موضع نقاش طويل بين الباحثين لفترات ومراحل طويلة من الزمن الماضي، ونزعم أنه بقي واحداً من أكثر المواضيع إثارة للجدل والخلاف في الفكر السياسي طوال القرون الماضية، وقد كتبت العديد من الكتب والمؤلفات الناقدة له أو المدافعة عنه والمفسرة للنوايا الحقيقية له عندما كتب ذلك الكتاب إلى «أمير فلورنسه» والمجال لا يتسع لذكرها أو مناقشتها هنا.. لكن، وكما يقول البعض فقد كان الكتاب من أكثر الكتب شهرة في القرون الماضية، وأن كل أمير أو ملك أو رئيس يحتفظ لنفسه بنسخة منه تحت مخدته يقرأه قبل النوم. والواقع كما يشير الباحث السابق أن سياسة «مكيافيللي» وإن كانت تقوم على أساس ذلك المبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» إلا أن مكمن الخلاف تمحور حول تفسير المقصد النهائي الذي توخاه «مكيافيللي» من وراء ابتكار ذلك المبدأ، أي أن الخلاف دار حول تحديد تلك الغاية، وهو يشير إلى: «أن مكيافيللي» من وراء ابتكار ذلك المبدأ، أي أن الخلاف دار حول تحديد تلك الغاية، وهو يشير إلى: «أن مكيافيللي اعتبر «مصلحة الوطن» هي الغاية النهائية باعتبار الوطن هو المركز الذي تدور حوله الأخلاق المكيافيللية، وهو الحدود التي يضعها لتلك الأخلاق..، ومن هنا فالمرء الذي يعمل من أجل غاية لا تمت للوطن بصلة هو شخص لا أخلاق له..» ولذا فليس ذنب «مكيافيللي» إن أساء البعض فهم مقصده أو استخدم كتابه لغير الغاية التي كتب لها.. وعليه يمكننا القول: «إن الحفاظ على الوطن وشعبه ووحدته، واستقلاله ومصادر قوته وكل مقدراته لا شك يدخل ضمن دائرة الأخلاق.. حتى بالمعنى «المكيافيللي»، والعكس صحيح فكل خطاب لا عقلاني لا يراعي مصالح الوطن والمواطنين، ولا يلتزم باحترام قوانينه وثوابته وقيمه هو خطاب خارج دائرة الأخلاق..». دفعني إلى الاستهلال بتلك الجملة المقتبسة والطويلة نسبياً ما نسمعه ونشاهده ونلمسه من خلال متابعة ومراقبة وقراءة «الخطاب السياسي» لبعض ممارسي السياسة في مجتمعنا اليمني الذين يعتقدون أنه يجوز لهم في السياسة ما لا يجوز لغيرهم.. وأن السياسة هي الميدان الذي يجوز فيه تجاوز كل ما له علاقة بالأخلاق والقيم والآداب المرعية في مجتمعنا اليمني.. بل أن نتجاوز الحقيقة كثيراً إذا قلنا إن البعض منهم تجاوزوا حتى النصوص التي تنظم ممارسة العمل السياسي في مجتمعنا، أي تجاوزوا نصوص قانون الانتخابات المنظم لأساليب الدعاية وضوابطها الموضوعة لضمان سير العملية الانتخابية في أجواء من التنافس والشفافية واحترام إرادة الناخبين واختياراتهم المتفاوتة.. وشعار هؤلاء «الغاية تبرر الوسيلة.. بمعناه السلبي أو الخاطئ الذي بيناه سابقاً» وهو الشعار الذي جر على العديد من الأوطان الكثير من الويلات والهزائم وجعل تلك المجتمعات تعيش في أجواء من العداء والتناحر، ولذا نربأ بمجتمعنا وبمرشحينا أن ينجروا إليهه أياً كانت المطامع والرغبات، ومهما عظمت الخصومات السياسية. لكن وبغض النظر عن تلك التجاوزات والخروقات التي رافقت الحملات الدعائية للبعض وهي التجاوزات التي لا تقلل أبداً من حجم المنجز الذي نعيشه اليوم، فإن الميزة الحقيقية التي ستوفرها التجربة الديمقراطية اليمنية الحالية أنها ستمكن الناخب اليمني من التعامل المرشحون المتنافسون على منصب رئاسة الجمهورية اليمنية ، وبقدر ما سيشكل ذلك فرصة كبيرة للناخب للاختيار بين تلك البرامج، بقدر ما نشفق على العديد من مواطنينا من الحيرة التي ستنتابهم وهم يستمعون إلى الخطابات التي تسوق لتلك البرامج ولأولئك المرشحين.. بشتى الوسائل والأساليب الأخلاقية وغيرها.. وبما أن الأمر في النهاية سيكون في يد المواطن اليمني لاختيار أي من تلك البرامج يستاهل تصويته والمرشح الذي يستحق ثقته، فنحن مطالبون اليوم كل من موقعه بتنوير الناخب اليمني بالحقائق التي تتضمنها تلك البرامج وتحليل ما جاء فيها، ومحاولة النفوذ إلى ما وراء النص أو ما يطلق عليه المسكوت عنه في أدبيات تحليل الخطاب السياسي، أي بيان ماتحدث عنه النص بصورة ضمنية مضمرة وغير معلنة، أو كما يقول البعض قراءة ما بين السطور..، ولا بد أن تقوم بتحليل كل البرامج التي تقدم بها المرشحون لمنصب رئاسة الجمهورية اليمنية، ومقاربتها من الواقع اليمني، باعتبار ذلك أمراً يمليه الواجب الوطني وضرورة توعية وتنوير الرأي العام اليمني بحقيقة ما تطرحه تلك البرامج، في محاولة جادة لإثارة النقاش الفكري والثقافي والسياسي في مجتمعنا والخروج من دائرة السجال العقيم وغير المجدي الذي يمارسه البعض من المرشحين وأنصارهم. يقيناً إنني أتمنى أن يقوم العديد من ا لباحثين وقادة الرأي في مجتمعنا اليمني عبر مختلف المنابر ووسائل الإعلام المتاحة والممكنة بواجبهم في توضيح أبعاد تلك البرامج ومضامينها المختلفة ومراميها الحقيقية للرأي العام اليمني، وبيان حقيقة ما تعد به المواطن اليمني، بعيداً عن التحيز أو التشيع لهذا أو لذاك من المرشحين أو برامجهم، وبعيداً عن فكرة استباق المكسب والبحث عن الفوز بأية وسيلة أو أسلوب حتى لو كان منافياً لكل ما يؤمن به مجتمعنا من القيم والمعتقدات. فواحدة من الحقائق التي ينبغي ألا نتغافل عنها أو ننساها في خضم التنافس والتصارع لكسب ود الناخبين «ذكوراً وإناثاً» في مجتمعنا اليمني، وهي الحقيقة التي لن تغيبها الأجواء الديمقراطية التنافسية التي يعيشها مجتمعنا اليمني اليوم، أنه وبغض النظر عن التمايزات بين البرامج السياسية والأساليب المتبعة لتسويق ولترويج تلك البرامج والمرشحين.. وكذا بغض النظر عن واقعية أو لا واقعية تلك البرامج..، وبغض النظر عن التزام أو عدم التزام المرشحين بالأخلاقيات في تناولهم لتلك القضايا، ومدى جدية التزامهم بتنفيذ تلك الوعود الانتخابية في حال فوزهم..، فإن العديد من الناخبين اليمنيين يمكن أن يتأثروا بوسائل الاتصال الشخصي، أو بالخطاب المسموع والمرئي، وبما يسمعونه في اللقاءات والمهرجانات الخطابية للمرشحين، وكذا بمكبرات الصوت، أو عبر اتصالهم الشخصي بقادة الرأي في المجالس، أو في حفلات الأعراس، والمقايل، والندوات، والمحاضرات وغيرها.. أكثر من تأثرهم بالخطاب المكتوب لمرشحي الرئاسة والمجالس المحلية «من برامج، منشورات، كتيبات... وغيرها» والأمر لا يحتاج إلى كثير بيان باعتبار أن الهيئة الناخبة في اليمن أو كما نسميها الجسم الانتخابي يتكون من فئة واسعة من كبار السن والأميين الذين لم يتلقوا قسطاً كبيراً من التعليم..، ولهذا فتأثير تلك الوسائط والوسائل سيكون أكبر من باقي وسائل الاتصال والإعلام.. ولذا يعول على وسائل الاتصال غير الشخصية كثيراً في نقل الرسالة الإعلامية وتنوير الرأي العام اليمني بكل ما تحتويه البرامج المتنافسة على الساحة السياسية اليمنية بعيداً عن المزايدة والمغالطة والكذب على الناخبين اليمنيين. ولذا فنحن بالفعل وكما يذهب البعض نحتاج إلى ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي، وبحاجة إلى الابتعاد عن الإساءة للوطن والشعب وثوابته ومقدساته عبر البرامج التي تفتح الباب واسعاً أمام العديد من المشاهد والسيناريوهات التي تفرغ التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية من أي مضمون حقيقي.. كما أننا في حاجة إلى الابتعاد عن الاتجار بآلام الناس وحاجاتهم، وفي حاجة إلى البعد عن التمترس وراء البرامج الجاهزة والمقولبة للواقع والمتجاوزة له ولإمكانات البلد وموارده.. ونحن في حاجة أخيراً إلى تجاوز فكرة «الفوز بالغنيمة، أو الخشية من الهزيمة».. باعتبار أن الفائز الحقيقي من كل إفرازات التجربة الانتخابية اليوم هو الشعب اليمني وديمقراطيته، وهذه الأمور كلها تعتبر مقدمة هامة، وضمانة أكيدة لتعزيز مجمل التحولات الديمقراطية التعددية التي يعد مبدأ التداول السلمي للسلطة من أهم مرتكزاتها، ولا يمكن أن يجسد هذا المبدأ عملياً إلا من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والالتزام الكامل بالدستور والقانون والمؤسسات والآليات الانتخابية. - أستاذ العلوم السياسية جامعة إب