7 / 10 / 2006 م إذا أردنا أن نؤرخ لميلاد هذا التحول في العمل السياسي، وإدراك مواطن التحول، فإننا سنتخذ المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام نقطة بداية هذا التحول، والذي كان من نتائجه إعلان الرئيس عدم ترشيح نفسه، مما فتح الباب أمام المعارضة للتفكير في الرئاسة. شهر رمضان.. شهر القرآن والأجواء الروحانية وقد نتج عن ذلك أمور ثلاثة مترابطة. 1- إقرار النظام السياسي الديمقراطي، هدفاً رئيسياً لعملية التغيير. 2- تبني خيار العمل السياسي الديمقراطي سبيلاً لذلك. 3- أصبح ذلك جزءاً من استراتيجية متكاملة لدى الرئيس، ولم يعد مجرد تقنيات سياسية تكتيكية تستدعيها الظرفية الاضطرارية. وقد اتضح من مجريات الانتخابات ذلك التحول الذي أقدم عليه رئيس الجمهورية الذي مسّ برنامجه الانتخابي.. وقد جاء هذا البرنامج ثمرة وعي عميق بالمتغيرات التي طرأت على الحقل السياسي والاجتماعي في اليمن، وعلى توازنات القوى، إضافة إلى حاصل تراكم رصيد المعرفة السياسية الناتج عن الاحتكاك بالخبرة السياسية المتحققة في المجال الغربي. وإذا ما أردنا أن نؤرخ للحركة السياسية المعاصرة في اليمن، فإنه لابد من التوقف عند المؤتمر الشعبي العام الذي كان نقطة البداية لهذا التحول الذي طرأ على البنية السياسية في الثمانينيات من القرن العشرين، وكان من نتائجه التأثير في مجمل أنماط الصراع السياسي.. وعلينا أن نسلك منهج التحليل التاريخي لنقرأ ذلك التحول داخل سياق من التحولات لمعرفة أن تلك التحولات هي التي صنعت التناقض السياسي والاجتماعي الذي أفضى إلى هذا التنوع. جاء المؤتمر الشعبي العام في مرحلة فاصلة بين طرفين هما السلطة والمعارضة، كان كل طرف يحاول الاستيلاء على السلطة وهي مرحلة حاول فيها كل طرف الوصول إلى تحقيق هدف احتكار السلطة وإقصاء الطرف الآخر، لكن مجيء المؤتمر كان يعبر عن مرحلة من التفاهم أو التوافق على تنظيم الصراع داخل إطار مؤسسي، لكن اليسار واليمين لم يغيرا من طبيعة فهم التناقضات داخل الحقل السياسي ولم يسمحا بغير سيادة منطق التربص والانقضاض. كان واضحاًَ أن الرئيس صالح يتطلع إلى بناء الوعاء السياسي الداخلي، خاصة أنه ورث نظاماً يعج بالتناقضات والصراعات، فكان المؤتمر الشعبي العام الذي كان بمثابة مؤسسة تشريعية انتقالية تنظم المؤسسات. ولم يستمر الأمر طويلاً حتى جاءت التسعينيات بإقرار الوحدة وإجراء انتخابات تشريعية أفرزت أول تحالف بين المؤتمر والاشتراكي وحزب الإصلاح؛ غير أن ذلك لم يصمد أمام عاصفة تكفير الإصلاح للاشتراكي، ومحاولة الاشتراكي الانقضاض على الديمقراطية. ظل الصراع على السلطة هو الناظم والثابت في سلوك الأطراف المتصارعة، وجرى صراع طاحن على كل الصعد قاد إلى حرب صيف 94م، وعلى الرغم من ذلك فإن الرئىس صالح لم يحاول احتكار السلطة خصوصاً بعد نجاحه في الحفاظ على الوحدة، وقد توّج ذلك بانتخابات 97م التي قاطعها الحزب الاشتراكي ووقف ضد النهج الديمقراطي وأعاق الانتقال السياسي المنتظر. وقد أثبت المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئىس صالح أنه القوة الأقدر داخلياً وإقليمياً على ضمان الاستقرار والمعبّر عن مطالب وحاجات الانتقال الديمقراطي بعيداً عن الصدمات السياسية والنفسية الحادة. ويمكن القول من دون مبالغة إنه حقق أقساطاً من النجاح على صعيد قدرته على إدارة تناقضات البنية الاجتماعية والحقل السياسي، ويرسم حدود الممكن والمستحيل. وفي وسع أي محلل سياسي أن يملك حق التساؤل عما عساها كانت ستظهر به صورة الحقل السياسي في اليمن طيلة فترة ال16 عاماً لو أن الأحزاب قامت بدورها الاستنهاضي الفاعل. وخلاصة القول: من أجل إنجاز التحول الديمقراطي على المعارضة أن تلتف حول برنامج الرئىس لتوفر هدنة سياسية تؤمّن المناخ المناسب لبناء المؤسسات، هذه التسوية ستساعد على حجز الصراع الاجتماعي، وستساعد المعارضة على إعادة بناها المدمرة، فالدولة ليست أكثر من انعكاس لبنى المجتمع وتوازنه، فهي ليست مسيحاً ليشفي العاهات العصبوية، وإنما التسوية السياسية تساعد على بناء المؤسسات على قوام ديمقراطي سليم.