هذا المقال يسعى إلى نقد أسس فهم الديمقراطية كمفهوم له مضمون تاريخي يفند مفاهيم طالما حُملت للخطاب السياسي واستسهلنا تداولها اليومي فانتقلت، مثلما يقول غاستون بثلار , من العلم إلى الرأي ,,ولهذا السبب نجد أن المعارضة في بلادنا خلال ال 18 سنة الأخيرة كانت على درجة من الهشاشة والضعف ولم تستفد من العملية الديمقراطية ولا من الهدنة السياسية التي رافقتها، كانت هناك فرصة نادرة لتنمية حركة المجتمع المدني داخل النقابات والحركة الطلابية، والنسائية، والحقوقية، والثقافية، إلا أن المعارضة سعت إلى خلق خطاب عدائي تحريضي ضد السلطة بهدف الضغط والمحاصصة، مما أدى إلى ضمور الحركة السياسية وتشويه القيم الديمقراطية وخلق تناقض سياسي واجتماعي. إن الطريق التي سلكتها أحزاب المعارضة هي العداء لبعضها البعض والسعي للاستيلاء على السلطة، مما جعل هذا الحزب أو ذاك يتحالف مع السلطة للقضاء على الحزب الآخر , ولما فشلت هذه الاستراتيجية وظهرت السلطة أكثر برجماتية وفهما للواقع , عادت هذه الأحزاب للتحالف مع بعضها البعض من منطلق تكتيكي وليس استراتيجي، والاستراتيجية التي نقصدها هي تحقيق هدف احتكار السلطة وإقصاء الآخر بكل الوسائل، فالمعارضة اليمنية تمتلك مخزونا هائلا من ثقافة الإقصاء، لأنها نشأت بفعل مرجعية قومية أو دينية وكلا المرجعيتين قامتا على نفي الآخر ولم تحدث مراجعة فكرية حقيقية من قبل هذين التيارين، ولا يعني ذلك أن الحياة السياسية لدى هذين التيارين لم تشهد مرحلة تفاهم بينهما بل أن ذلك حصل فعلا , ولكن من دون أن يؤثر في الوجهة الرئيسية للصراع، ولا أن يغير من طبيعة فهم تناقضات الحقل السياسي لدى أي من الطرفين، إذ أننا ما زلنا نقرأ في خطابيهما منطق التربص والانقضاض. إن الصراع على السلطة هو الناظم والثابت في سلوك الفريقين، ففي ظل التحالف بينهما في ما سمي باللقاء المشترك، نظم هذا اللقاء هجومه على السلطة في الشارع، منطلقا من مبدأ إقصاء الخصم، وقد لجأت هذه الأحزاب إلى استراتيجية الاستيلاء على السلطة بعد أن جربت تقاسم السلطة مرة عن طريق الحزب الاشتراكي وأخرى عن طريق حزب الإصلاح. وبعد 18 عاما من الديمقراطية كان يفترض أن تكون هذه الأحزاب قد وصلت إلى مرحلة من النضج وتحدث تحولا في موقفها التقليدي من السلطة، وتكون مستعدة لإجراء تسوية سياسية تعيد صياغة الحقل السياسي بما يعمل على نبذ العنف والدفاع عن صيغة الإجماع الوطني واحترام الأغلبية تحتاج السلطة والمعارضة إلى السير في الطريق الديمقراطي خشية الفراغ ومفاجآته، خصوصا بعد دخول الطائفية وقوى الإسلام السياسي ساحة المنافسة. إن السلوك الذي سارت عليه أحزاب المعارضة قد أدى إلى انهيار الحقل السياسي، وهذا يحتم على المعارضة التوقف أمام تجربتها الماضية ومراجعة خطابها السياسي والإجابة الهادئة والواقعية عن متطلبات واحتياجات الانتقال الديمقراطي بعيداً عن الصدمات السياسية والنفسية الحادة. وربما قراءة تجربة حزب العدالة التركي تعطي تصوراً واضحاً عن سلوك هذا الحزب الذي لم يكن صداقياً في يوم من الأيام، بقدر ما كان حزباً يمارس دوره في إطار الممكن بعيداً عن العداء أو التحريض! ومن حق أي متابع للمشهد السياسي اليمني أن يملك حق التساؤل عما عساها أن تفعل أحزاب المعارضة لتغيير هذا المشهد بعيداً عن الصدام أو تحجيم قدرة السلطة على ضبط التوازن الاجتماعي. إن المعارضة تحتاج إلى مراجعة خطابها المطروح وإلى طرح خطاب جديد يغاير ما درج عليه الوعي الحزبي، وذلك كفيل بإنجاح العلاقات السياسية وعدم تحميل الدولة كل الأزمات، لأنها ليست أكثر من انعكاس لبنى المجتمع وتوازنه، فالدولة ليست آلة لصناعة الهداية والإرشاد، وليست المسيح الذي يشفي العصبيات الاجتماعية (القبلية والمذهبية والمناطقية فالمعارضة لابد أن تسهم في تفكيك العصبيات المتكلسة والذهاب في اتجاه المؤسسات الديمقراطية وحمايتها من الانتكاس. ولن يتأتي ذلك إلا من خلال الآتي: 1- لا بد أن تعترف المعارضة وتقر بأن النظام السياسي الديمقراطي ودولة القانون هما الهدف المنشود. 2- لا بد أن تتبنى الخيار السلمي والعمل وفق الممكن والتجاوب مع المتغيرات. 3- أن تعمل في إطار رؤية متكاملة بعيداً عن التحالفات التكتيكية ،والظرفية التي ترحل مشاكلنا إلى الأمام ولا تعمل على حلها. أخيراً يمكن القول:«إذا استمرت أحزاب المعارضة في تقديم خطابها الصدامي فإن الخيار المستقبلي سيظل باهت الصورة، كما أن البدائل المقصورة لا تقل غموضاً، وأن استكناه المستقبل يصب في خانة «عدم التأكد» مع العلم أن اليمن تملك من عوامل القوة المختزنة مادياً ومعنوياً، ما يمكنها من بناء صورة مؤكدة للمستقبل، فيما إذا تفرغ الجميع سلطة ومعارضة للتنمية وعدم جر البلاد إلى مزيد من الحروب والإستنزاف، والموانع التي ذكرناها يمكن تجاوزها إذا ما حددنا مجال الرؤية.. وحينها نستطيع أن نقيم كياناً سياسياً يحقق تطوراً وارتقاء شاملا للمجتمع اليمني، وفق معادلة التوافق البناء بين الواقع ووعود المستقبل، غير أن التغيير المرتجى أو التطور الذي ننشده ليس حدثاً مجانياً وإنما هو بالأحرى نتيجة مشروطة، فتحقيقها رهن بتوفير شرطها، وهو تأسيس مقومات «إرادة التطور الاجتماعي» فلنعمل إذاً لبناء المستقبل الذي نريد...!