يبدو أن مبدأ «المواطنة» هو الحل الناجع لكافة المعضلات والمشاكل المزمنة، والانية التي تشكل معظم الأخطار المحدقة بشعوب واوطان الوطن العربي والاسلامي.. فالمتتبع لاحداث التاريخ وتطورات الاوضاع الاجتماعية والسياسية في اروبا بوجه عام، وفي فرنسا بوجه خاص وحتى القرون الوسطى، كان الناس موزعين توزيعاً طبقياً كريهاً وهذا ماأشار إليه المفكر الاسلامي المستشار محمد سعيد العشماوي في موضوعه المنشور على صفحات الجمهورية بالعدد «12578» ليوم الاثنين الموافق 18/12/2006م وفي رأيي وتقديري ان المواطنة هي بالفعل الوصفة الطبية الشافية التي أجمع عليها وعلى فائدة جدواها البالغة معظم علماء الاجتماع والتاريخ والقانون والحقوق.. لمعالجة ابرز معضلات الشعوب المستعصية وهو ماحدث للشعوب آنفة الذكر من فرز طبقي وطائفي، فالأشراف كونوا طبقة الاشراف، ورجال الكهنوت كونوا طبقة رجال الدين وبقية عامة الناس اطلق عليهم بطبقة العوام.. وحتى المجلس التشريعي الذي تكون في وقت مبكر من تلك الأوضاع، كان يطلق عليه بمجلس طبقات الأمة وكأني بهذا المجلس قد أهدي صيغته وهيكله التنظيمي «للبنان » وخاصة بالنسبة للتوزيع الطائفي الموغل بالطائفية فيما يتصل بالحقائب الوزارية وبقي الشعب الفرنسي لعقود من الزمن يعاني من ويلات التفاوت الطبقي، والتمييز واستئثار طبقات الاشراف ورجال الدين بخيرات الأرض وازدهارها، في حين طبقة العوام ليس لهم سوى القشور واعلاف الغلال وتبنها إلى أن بعث فيهم عدد من المفكرين والعلماء امثال :- فوتير ودويدور، وجال جاك روسو، وبثوا بين اوساط الشعب العديد من المفاهيم الجديدة والافكار المستنيرة والمعدة عن حكم الشعب وحرية الفكر وحق العمل وحقوق الانسان وبهذه الظروف والعمل التنويري بين الطبقات المختلفة صادف قيام ونشوء «المدن» بمايميزها عن حياة الارياف الأمر الذي نتج عن هذه الاستنارة لهذه الطبقة أو تلك ذوبان الشعور الطبقي وتخلخله، وبدأ عدد من الاشراف ومن صغار رجال الدين بالانضمام إلى طبقة العامة.. ومن ثمة اخذوا يطالبون بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة، ثم غيروا لمجلس التشريعي الطبقي، إلى مجلس الأمة واطلقوا عليه «الجمعية الوطنية» ومن ثمة بدأت الأمور تسير باتجاه الثورة فاندلعت الثورة الفرنسية في عام 1791م وكان من أهم وأبرز أهداف الثورة إلغاء نظام الطبقات، واعتبار فرنسا مدينة واحدة هي وطن الجميع.. ومن هنا نشأ مفهوم «المواطنة» وتعني باللغة الانجليزيةCITIZEN «سيتزن» ومن ثمة استحدث وستور فرنسا الشهير الذي اقر في اعقاب الثورة والذي تضمن وثيقة حقوق الانسان الشهيرة.. وبمقتضى هذه التصورات الجديدة صار كل المواطنين الفرنسيين يستمدون كافة حقوقهم من ذلك العقد الاجتماعي المعروف بالدستور، بصرف النظر عن اختلافاتهم الطبقية والدينية والعرقية والمذهبية، وصارت المواطنة والمواطن الملتزم بالمعايير المحددة بالدستور هي الاساس الذي على اساسه وبمقتضى احكامه يعامل كل مواطن فرنسي.. ثم ينتقل المستشار العشماوي بموضوعه الآنف الذكر، لعقد مقارنة للتطورات التي جدت في فرنسا آنذاك، وماجرى من أحداث وتطورات خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وحتى القرن العشرين في مصر والبلاد العربية التي كانت خاضعة للخلافة العثمانية وأن كل الناس بهذه البلدان قد كانوا عبارة عن «رعية عثمانية» تابعة للسلطان العثماني وللولاة الذين كان همهم سلب ونهب المواطن العربي ،وأما فكرة الحقوق العامة فقد كانت ضائعة وغير معروفة.. لان الخليفة العثماني وولاته بهذه الاقطار كانوا يعمقون في أوساط الشعوب مفهوم الحق إلا هي المتوارث للخليفة وولاته وعلى الرعية استقبال كل ذلك برضى واستسلام دون التفكير بتغيير اي شيء إلا أن يغيره الله في حين ان القاعدة القرآنية عكس ذلك اذ تقرر ان لايغير الله مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم. وينتقل بعد ذلك إلى مصر وبالذات إلى عام 1923م، وان مصر كانت بهذا التاريخ قد استقلت عن السلطنة العثمانية وإلى أن ثورة 1919م كانت قد هيأت مناخات واجواء غاية في الديمقراطية والحرية والعدل والامن. وان المشرعين المصريين كانوا قد اتجهوا إلى بناء وابتناء ماسموه «الدولة المصرية» على مفهوم المواطنة.. خاصة وان ثورة 1919م قد اذابت بتوهجها أي مفهوم عنصري أو قبلي أو معتقدي وصار الكل مصريين يتولى الدستور سلم حقوقهم والتزاماتهم، فيستمدون منه الحقوق ويؤدون الالتزامات وفقاً لما رسمه الدستور، وما صدر من قوانين مكملة له فوجد كل مواطن الأمن و العدل في وضع الكل كان فيه مصرياً، فلا تتوزع الأمة بين مسلم وقبطي أو حضري وبدوي وانما عاشت مصر كتلة واحدة. واليوم وبعد هذه السلسلة الطويلة من التجارب في العالمين العربي والاسلامي ألا يجدر بنا اخذ العظة والعبرة من هذا الكم الهائل من تجارب الشعوب وندرء عن امتنا وشعوبنا هذه الصراعات الدامية والمدمرة ؟ ونجمع الرأي على عقد اجتماعي وحيد يكون اساسه ومعيار المواطنة واستبعاد اية اعتبارات لاتمت إلى الوطن والمواطن ومصالحه باية صلة.. لعل وعسى انها مجرد امنيات.