صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تلدهم براميل القمامة وتتلقفهم الشوارع والأرصفة .. اللقطاءغرباء من المهد إلى اللحد!!
نشر في الجمهورية يوم 30 - 01 - 2007

صرخة مؤلمة، أطلقتها "وحيدة" من صدرا تمزقه مشاعر الأسى والحسرة على النفس، لتعبر بألم عن واقعا اجتماعيا لا يرحم، وذات إنسانية
محطمة،هانت الحياة في نظرها ورخصت ، لدرجة غمرها معها شعورا متعاظم بعبثية الوجود فيها ، قبل أن يغيبها عنها كليا المضي وراء رغبة جامحة في التخلص من النفس، ولم يبقى من ذكراها الطيبة لدى شقيقتها في الرضاعة "نهى" ، سوى صدى سؤالها لها ذاك عن الرجل الذي سيقبلها زوجة، بعد أن تساقطت كل الأقنعة،وانكشفت الحقيقة المرة عارية، تلطخها لعنات العار والخطيئة!!
وحيدة ليست الضحية الأولي ولا الأخيرة بين من درج على نعتهم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ب"اللقطاء" ، فهناك كثر في هذا العالم المسكون بالخطيئة، يواجهون ذات الواقع المحاط بالكثير من علامات الاستفهام والغموض، والذي يزداد تعقيدا وإيلاما بتعقد التركيبة الثقافية والاجتماعية في مجتمع مثل اليمن تقوم تركيبته الثقافية على ثقافة القبيلة التقليدية،وتتقصى (الانسان) تفصيلاته، وخاصة ما يتصل بنظر المجتمع إلى الزواج من اللقطاء ، من خلال عرضها لحالة "وحيدة " ، وغيرها من الحالات التي تمكنت من رصدها في هذا التحقيق.
انتحار
قبل يومين فقط من اصطدام وحيدة بالحقيقة المرة ، كانت البهجة والابتسامة لا تغادر محياها ، وكان الحياة تبدو جميله في نظرها والمستقبل ورديا ، بعلاقة الحب الطاهرة حديثة العهد التي تجمعها بأحد زملائها في الجامعة ممن كانت تجمعها به علاقة حب طاهرة حديثة العهد وطلب منها أن تفاتح عائلتها (والديها بالتبني) بنيته وأسرته زيارتهم لطلب يدها ، لتقابله هي ببسمة اكثر مما تدل على الرضا والسعادة.
كانت وحيدة تمارس حياتها اليومية بشكل طبيعي مع العائلة المتبنية لها منذ 25 عاما مضت، تذهب إلى الجامعة في الصباح ، وتعود إلى البيت في المساء، لتساعد والدتها في أعمال المنزل مع باقي شقيقاتها الثلاث (في الرضاعة)"نهى وعبير وآمل" ، وفي ذلك اليوم عادت إلى المنزل حاملة بين جناحيها فرحة غامرة لا توصف، ونظرة متطلعة لمستقبل حالم ، ينبض كل ما فيه بروح الأمل والتفاؤل ، بينما فكرها مشغول بتهيئة الكلمات وترتيب الجمل التي تفتح بها الموضوع مع والديها اللذان لم يكسرا لها خاطر ، أو يرفضا لها طلبا قط.
ألقت بحقيبتها في الغرفة ، وسارعت بخطى مليئة بالحيوية والنشاط إلى المطبخ ،حيث كانت تقبع والدتها هناك تحضر طعام الغداء ، كانت حالة الفرحة والنشوة والسعادة العارمة على ملامحها بمثابة المفتاح السحري الذي دعا بنت مثل وحيدة ذكية مثابرة ، لعدم تفويت الفرصة ، وزف النبأ إلي والدتها على الفور ،بمجرد سؤالها لها عن سر فرحتها الزائدة يومها، لتخبرها هي عن السر وما يجيش بين ضلوعها من مشاعر وحب وسعادة.
تركت لوالدتها أمر نقل الخبر إلى والدها بالتبني، وراحت بعد الحصول على موافقة ووعد والدتها لها بإقناع والدها بالموافقة ، ترتب المنزل استعدادا لليوم التالي ، "الجمعة" موعد استقبال العريس وأسرته .
من الغرفة المقابلة لغرفتها تماماً ، وبينما كانت "وحيدة ونهى" ترتبان غرفتهما ، كان النقاش حول فرصة زواجها القادمة بين الكبار قد بدأ ، وأخذ طابعا تشنجيا مغايرا عما كان متوقع بالنسبة لها .. والدتها بالتبني تصر على التمسك بالفرصة ،وعدم التفريط فيها من قبل الطرف الأخر- الأب بالتبني- الذي قاده شده انفعاله وتهوره لحظتها ، لان يسجل اعتراضه على الفكرة من أساسها بصوت عال دون أدنى تفكير في النتائج والعواقب قائلا :" الأمر يقتضي أخلاقيا ودينيا مصارحة العريس بحقيقة أنها ليست ابنتنا ، و" إنما هي مجرد لقيطة"!!
انطلقت الكلمة الأخيرة ، مثل طلقة طائشة ، لتخترق الأبواب الموصدة والجدران الإسمنتية، وتسكن فؤاد وحيدة ، وتقضي على ما بداخله من مساحات مضيئة ، كان يملؤها الأمل والتفاؤل والحلم بالزواج ، وتكوين كيان اسري مستقل بذاته، مثلها مثل أي فتاه في سنها اليافع ، قبل أن يبدو لها الحلم ، كأنه المستحيل بذاته!
النبأ الطعنة جاء وحيدة قبل أن يتسلل سكون الليل الحالك السواد في الخارج إلى غرف وزوايا المنزل المتواضع وسط المدينة ، ليحرمها حتى مجرد الاستمتاع باختمار الحلم الجميل بنومه هنيئة هادئة .. أخذت تتمتم بعبارات غير مفهومة بصوت متهدج ، قبل أن ترتمي في أحضان "نهى" فاقدة توازنها ، لتضمها الأخرى إليها بحنو غلب عليه طابع الإشفاق والرحمة.. تكفكف دموعها الملتهبة تارة ، وتداعب خصلات شعرها المبعثرة تارة أخرى.
صراع مرير لا يحتمل مع النفس الإنسانية البريئة ، وجلدا أبشع للذات المتخثرة .. هكذا أمضت وحيدة ليلتها ، دون أن تنهي تفاصيل إحداث مأساوية لا تنتهي فصولها باستمرار الخطيئة والفاحشة في هذا العالم ، حينما حسمت أمر وجودها في عالم ملطخ بالعار والهزيمة ، برمي نفسها في صبيحة اليوم التالي في البئر المهجورة المجاورة
حسرة
خلافا لما آلت إليه حكاية (وحيدة ووهيب وهدية ،وهبه )، وغيرهم من ضحايا الانتحار ممن كشف واقع الحال وملفات الجهات الأمنية المعنية في صنعاء نهاياتهم المأساوية، فان ما يلفت الانتباه في قضايا اللقطاء إلى جانب ما تحاط به من سرية وتكتم رسمي وشعبي، وحمل غالبية اللقطاء لأسماء فيها دلالة على الهبة والهدية، هو وفاة البعض حسرة وكمدا متأثرا بقوة الصدمة ، ولجوء البعض الأخر للانحراف والتشرد والتسكع، للخلاص من قسوة الشعور بالعار ووطأة نظرة الاحتقار الاجتماعية المريرة في معظم الحالات التي أمكن استقصاءها.
عليا(20 عاما) ضحية أخرى انتهت حياتها بمأساة تختلف عن سابقاتها ، وأن كانت مسائل مثل الزواج والميراث وغيرها من المسائل الشرعية تمثل نقاط جوهرية فاصلة في تحديد مصير الكثير من الضحايا ، وقلب حياتهم رأسا على عقب ، خاصة في ظل تغليب المعايير الدنيوية (العرفية والقبلية) على المعايير الدينية والشرعية وتحكمها في تسيير العلاقات الاجتماعية في اليمن.
تروي لنا فاطمة (21عاما )قصة صديقتها وجارتها "عليا" وتقول بمرارة :" كانت عليا -رحمها الله- في مرتبة أختي الوحيدة التي لم اشعر بقربها إلى جانبي كونها تزوجت في سن مبكرة وسافرت مع زوجها ، لكن للأسف قبل سنتين بالضبط فقدت عليا هذه الصديقة والأخت العزيزة ".
كنا قد انتهينا حينها معا من أخذ الشهادة الثانوية ، وإلى قبل تقدم احد أبناء الجيران لوالدها طالبا يدها منه ، كانت عليا تعيش حياتها طبيعية ، ولم يكن أحد من صديقات الدراسة أو الجيران يعرفون أنها كانت لقيطة إلا من بعد ما شاعت حكاية وفاتها وتناقلتها الألسنة في كل مكان .
كنت أزورها قبل وفاتها وخاصة في الفترة التي اعتزلت فيها الالتقاء بالآخرين ولازمت الفراش في غرفتها ، وهي الفترة التي كانت فيها حالتها الصحية تزداد سوء يوما بعد يوم ،والتي أخبرتني فيها عليا بحكم علاقتي القوية بها بالحقيقة المرة ، وكيف أنها علمت أن والدها رفض أن يعقد قرانها على الشاب الذي تقدم لها بحجة أنها ليست ابنته وإنما هي لقيطة وانه لو فعل ذلك لاعترف لها بحق الميراث منه " .
لم تكن هناك أي علاقة حب سابقة تربط بين عليا والشاب الذي تقدم لخطبتها حسب فاطمة .. لكن صدمتها بحقيقة انها لقيطة كانت اقوي من أن تحتمل بنت مثل عليا تأثيراتها النفسية القاسية، لهذا لم تنقضي حوالي الشهران من بعد معرفتها بالحقيقة ومصارعتها للآلام والحزن والحسرة حتى سمعنا نبأ وفاتها كمدا وقهرا على حالها.
تسكع
(ظ.ه.ر) شاب لقيط 25عاما ، تبنته أسرة ميسورة الحال مذ كان طفلا رضيعا في الشهور الأولى من العمر وعملت على تربيته وإحاطته بالرعاية الكاملة إلى أن بلغ سن الرشد ، وبفعل اختلاطه بالأبناء الآخرين من سكان الحي والمناكفات التي عادة ما تحدث عرف الحقيقة.
ومن واقع اطلاعنا عن قرب على هذه الحالة ، فأن أحدا من أفراد العائلة المتبنية له لم تقر له بالحقيقة حتى الان، بقدر ما عمل جميع أفرادها صغار وكبار جاهدين على إخفائها عنه ، لكن محاولاتهم تلك باءت بالفشل أمام تساؤلاته الملحة وبحثه الدءوب عن نسبه واصله بعد أن اكتشف انه لا ينتسب للعائلة التي نسبته إليها وترعرع في كنفها ، وعندما تأكدت له من خلال ملاحظاته للتغير غير المألوف في أسلوب معامله العائلة المتبنية له ،وخاصة محاولاتها غير المباشرة الحيلولة دون مجالسته لبناتها .
ولم تغير العائلة المتبنية ل(ظ.ه.ر)من سلوكه لطريق الانحراف بكل إشكاله وصوره ،ودخوله السجن أكثر من مرة بتهم عده منها السرقة والنصب والاحتيال، إلا بعد جهدا جهيدا تجرعت فيه الأسرة المتبنية الكثير من الويلات وتكبدت الكثير من الخسائر بسبب نهجه هذا ، ومع انه يعيش حاليا مع تلك الأسرة متقبلا للوضع على ما يبدو فأن ما يحيره هو من عساها يا ترى ستقبل به زوجا ؟
نحس
تتكرر المآسي رغم اختلاف التفاصيل من ضحية إلى آخري .. (و.ه.ي-17عام)" ، و(ه.د.ى- 14عام)، شقيقتان بالاسم ينتميان لعائلة كبيرة تتكون من 17 شخص بنين وبنات، كان عائل الأسرة الأب بحكم عمله في السلك الأمني قد عثر عليهما في حادثين منفصلين قبل زمن، وهما ما يزالان في اللفافة طفلتين رضيعتين.
هما ألان لا يعرفان أنهما لقيطتان ، كان قد تم العثور عليهما كما هو حال معظم الحالات سواء في براميل القمامة أو على ناصية الشوارع والأرصفة، لكن ما يعرفه الآخرون ويجهله ربما من حولهما من أفراد العائلة التي تضم الكثير من الفتيات العانسات يرجع إلى المعرفة المسبقة بأنها تعول لقيطات.
يأس
ويتجسد واقع النظر إلى الزواج من اللقطاء في اليمن في حالة بسام(25عاما) الذي حالت الكثير من العوائق والعثرات النفسية والاجتماعية دون تحقيق رغبته في الزواج من بنت لقيطة يعرفها تمام المعرفة من خلال علاقة القرابة التي تربطه بالعائلة التي تحتضنها .
فبعد مشاورات مستفيضة أشرك فيها جميع أفراد عائلته تقريبا ، توصل بسام إلى قناعة من عدم جدوى نجاح زواجه من الفتاه التي طالما ارتضاها ورغب فيها لنفسه ، ولا يتحرج من البوح عن شدة إعجابه وتعلقه بها لدرجة انه اشترط على والدته التي ترك لها الان أمر البحث له عن عروس أن تكون شبيهة لها في كل شيء .
يقول بسام:" في مجتمع مثل مجتمعنا ، وواقع مثل الذي نعيشه ، تبين لي بعد مرحلة تفكير طويل ومتعمقة جدا لاحتمالات ما سيحدث والمحتمل حدوثه بزواجي من ابنة عمتي بالاسم أن احتمالات الفشل اكبر بكثير مما يمكن تصوره.. أعتقد لو اننا كنا نعيش في عالم ووسط مجتمع غير مجتمعنا لما ترددت لحظة في الزواج بها".
وتتلخص المشكلة في حالة كحالة بسام في احتمالات رفض قبوله زوجا من الفتاة التي ارتضاها لنفسه من قبل العائلة نفسها التي تحتضنها ، فرغم صلة القرابة التي تربطه بهذه العائلة يقول بسام :" إلا أن مسألة القرابة في حد ذاتها هي ما يعزز من مخاوف هذه العائلة تجاه ما يخفيه المستقبل من منغصات تعيق استمرار هذه العلاقة ، وربما ما يبرر اعتراضها ورفضها خاصة إذا ما نظرنا إلى أن العلاقات الزوجية التي تقوم بين الأهل في مجتمع مثل مجتمعنا من أكثر العلاقات عرضه للخلافات والفشل ولنا أن نتصور هنا على ضوء ذلك مستقبل علاقة تحمل الكثير من الحساسية مثل حالتي .. الأمر الثاني مرتبط بالأهل والمجتمع والنظرة السيئة التي ستظل بلا شك تحاصر استقرار واستقلالية أقدامي على علاقة كهذه وتهددها بالفشل ، وأتصور أن تداعيات ذلك النفسية والاجتماعية التي مهما حاولت تجاهلها لا شك سيكون لها بالغ الأثر على الطرف الأخر الزوجة وإلام في المستقبل ، فضلا عن انها ستلقي بضلالها القاتمة على الأبناء ومستقبلهم..
باختصار شديد فأن المسألة في رأي بسام متشابكة وبالغة التعقيد والأهمية ،ولا يمكن لأحد الإلمام بكامل تفاصيلها المعقدة أو تصور حجم إفرازاتها ونتائجها المؤسفة التي لا تقف عند حد ، ويقول :" كلما عاودت التفكير فيها أجد نفسي عاجز عن الإلمام بكل تفاصيلها.. فرغم أنني قد استفتيت احد العلماء في شرعيتها ، وأفادني بعدم وجود أي مشكلة إلا انه من الصعب المجازفة في خطوة غير محسوبة كهذه تعني المخاطرة بمستقبل ومصير عائلة بأكملها ..وصدقني لو كنت في مجتمع غير مجتمعنا هذا لما ترددت لحظة في الزواج بها ".!!
واقع
وحسب وأقع الحال ليست مشكلة اللقطاء من الإشكاليات الجديدة حديثة العهد في الكثير من بلدان العالم، وربما أنها لا تمثل مشكلة في الكثير من البلدان الغربية .. لكن وجود القضية بتداعياتها ألأخلاقية وإلانسانية والاجتماعية الشائكة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفي اليمن بالذات بتركيبته الثقافية ونظامه الاجتماعي المعقد هو ما يجعل منها إشكالية تستحق الاهتمام في نظر المهتمين.
وطبقا للنظام والترتيب الاجتماعي الذي يقسم المجتمع إلى فئات متعددة في اليمن حسب الأصل والنسب، فأن إقامة العلاقات الزوجية تخضع لاعتبارات ونظم اجتماعية معقدة متجذرة ومتوارثة ، ترتبط بطبيعة وترتيب وعادات وتقاليد المجتمع القبلية التقليدية ،ومن أولى أولويات إقامة مثل هذه العلاقات حرص الأهل على تحري مسألة الأصل والنسب كشرط رئيسي ومبدئي تفقد أي علاقة زوجية عموما توازنها ومعناها بانتفائه.
وما يثير أكثر من تساؤل حول وضع اللقطاء في اليمن لدى المهتمين والمختصين، هو التعاطي الرسمي الخجول مع معطيات القضية وإبعادها ، بالإضافة إلى حالة التكتم والتحفظ والسرية الشديدة التي تحاط بها ظروف وأوضاع مثل هؤلاء الأطفال سواء من قبل الجهات الرسمية أو الشعبية ممن يتبنون مثل هذه الحالات وينسبونهم إليهم ، في ظل أتساع مساحة الجهل بالإحكام والنصوص الشرعية والدينية ، وغياب البرامج التوعوية والتثقيفية والغياب شبه التام لدور الإعلام ، سواء فيما يتعلق بالدور التثقيفي للمجتمع من جهة أو التوجيهي للقطاء أنفسهم من جهة أخرى.
ولا توجد إحصائية رسمية بعدد اللقطاء في اليمن ، رغم انتشار مثل هذه الظاهرة خاصة في المدن الرئيسية حسب ما تفيده تقارير الجهات المعنية وحوادث العثور المتكررة على أطفال رضع من حين إلى أخر ، ويرجع المسئولين ذلك إلى قله الدراسات المتخصصة في هذا الجانب ، وتكريس القيم والمبادئ الإنسانية والدينية لاعتماد مبدأ التحفظ والسرية على ظروف وحياة هؤلاء من قبل الأسر التي تعثر عليهم وتتبناهم.
ويوجد في اليمن ملجأ لرعاية الأيتام يضم مئات الأطفال سواء اللذين يتم إيداعهم من قبل الأسر أو من يتم العثور عليهم من قبل الجهات المعنية ، وتتم معاملتهم معاملة خاصة تتفق مع طبيعة وضعهم الإنساني الحساس ، إلا أن الغالبية يعيشون في كنف العائلات الخيرة التي تحيطهم بالرعاية وتحرص على عدم إبلاغ الجهات المعنية عن مثل هذه الحالات بل وإخفاء الحقيقة بصورة أو بأخرى عن اللقطاء أنفسهم .
غير أن اللقيط إذا ما عرف بالحقيقة في مرحلة متأخرة من العمر سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سرعان ما يسلك طريق التشرد والانحراف والتشرد أو يلجأ للانتحار ، ونادرا جدا ما يتقبل الحقيقة ويتعامل بوعي مع الواقع لينتهج سلوكا حسنا فيه نوعا من الرضا والقبول بقضاء الله وقدره..وتشكل النظرة الاجتماعية تجاه اللقيط كأبن غير شرعي (أبن زنا)من أهم الدوافع والعوامل المؤدية إلى سلوكه هذا الطريق وخاصة الذكور.
ويكشف تقرير أمني رسمي أن إجمالي عدد حالات الانتحار والشروع فيه خلال العامين (2001- 2002م) في اليمن بلغ 519 حالة ، مرجعا الأسباب بالترتيب إلى اقتصادية واجتماعية ونفسية يدخل من ضمنها الشعور بالرغبة الجامحة في التخلص من النفس للاستهانة بالحياة.
وحسب الشواهد الواقعية فأن ظاهرة اللقطاء في اليمن ترتبط بعوامل عدة منها ماهو مرتبط بالاحتكاك بفئات من الأجانب واللاجئين وجنسيات لا تعرف معنى للمبادئ ،ولا وزنا للأخلاق ، ومنها ما هو متصل بجرائم الشرف وضعف الوازع الديني والانحلال الأخلاقي.
ورغم إجراءات الجهات المعنية بهذا الصدد ، إلا أن المسئولين يقرون بعدم كفاية هذه الإجراءات على اختلافها للحيلولة من المشكلة.
يقول العقيد علي محمد (ضابط امني): هناك إجراءات أمنية كثيرة ، منها ما يرتبط بتأمين سلامة العمل العشوائي في المستشفيات والحد قدر الإمكان من فرص هروب الأمهات الفاجرات ممن تستغل حالة الانفلات في المستشفيات والهروب بفعلتهن بل وترك أطفال بريئين في أمس الحاجة إلى الرعاية والاهتمام لهذا ألزمنا المشافي باعتماد نظام التحري عن الحالات التي تستقبلها.
ويقول:" لكن هذه الإجراءات تظل غير كافية ، فنحن نواجه الكثير من الصعوبة في مسألة التحري والبحث عن الأمهات ومعرفة التفاصيل الكاملة المحيطة بظروف وملابسات دفعهن للتخلي عن أبناءهن نظرا لتعدد الأسباب والملابسات وتداخل المشاكل وتعقدها مع بعضها ، وتمثل حالة السرية التامة والدقة الشديدة التي تحيط بمثل هذه الحوادث أهم العوائق التي تحول دون اقتفاء أثارها.
إلى وقت قريب كان يلد مثل هؤلاء الأطفال في المستشفيات ، وتهرب أمهاتهم ، غير أن مثل هذه الحوادث قد قلت حسب المسئولين بعد أن تم إتباع نظام امني معين في كل مشفى لا يسمح بدخول أي حالة إلا بعد التأكد من هويتها وهوية زوجها .
يقول على (50 عاما) موظف في مستشفي الثورة العام بالعاصمة صنعاء ، يتذكر من بين الحالات التي صادفها ، ويقول:" حصل قبل سنوات أن جاءت امرأة ومعها مولود لا يتجاوز عمره الأسبوع تقريبا، وجلست بجانب امرأة آخري تنتظر موعد دخولها للطبيب ،وطلبت منها أن تمسك الطفل لمجرد دخول الحمام !!
طال انتظار المرأة ثلاثة أسابيع لحين عودة إلام بعد أن تأكد لها أنها لم تكن في الحمام كما ادعت ، إلى أن تأكدت المرأة التي كانت تعاني من العقم بان المولود الذي تدل هيئته على انه لام أفريقية من مجموعة اللاجئين في اليمن هبة من الله عز وجل.
ومن خلال عائشة (ممرضة بمستشفى الثورة)فأن المستشفيات عادة ما تكون هي أماكن ولادتهم والأكثر ملائمة لفرص هروب الأمهات ، حيث تقول عائشة (ممرضة) :" أن هناك الكثير من الحالات من هذا النوع التي كانت المستشفيات تقوم باستقبالها وتهرب فيها الأمهات بعد الولادة.
الدكتور رفعت صلاح الدين(استشاري ورئيس قسم النساء والولادة بمستشفي الكويت) يرى أن مثل هذه الحالات أصبحت نادرة الحدوث بعد أن أتباع المستشفيات لأنظمة أمنية لا تسمح بدخول أي مريضة إلا بعد التأكد من هويتها وهوية زوجها واخذ كافة المعلومات المتعلقة ، ومع أن اتباع مثل هذه الإجراءات يثير الكثير من المخاوف لدى الأخصائيين الصحيين بدفعه للاعتماد على دور القابلات الشعبيات وتعريض حالات الولادة للكثير من المخاطر الصحية.
براميل القمامة
وتمثل براميل القمامة وأبواب المساجد والمنازل من أكثر الأماكن التي يتم فيها العثور على مثل هؤلاء الأطفال ..يقول (البوني)- من سكان حي الجديري بالعاصمة صنعاء:"صادفت حالتين أعمار المولودين لا تتعدى اليومين أو الثلاثة احدهم وجدناه ميتا ولا ندري هل موته طبيعيا أم لا ، أما الأخر فكان مذبوحا بموس وأنا لن انسي منظر ذلك الطفل وهو ملفوف بقطعة قماشية مضرجا بدمائه".
كان مشهدا مريعا بالنسبة للبوني وجميع سكان الحي ، لحظة رؤيتهم للطفلين ، بعد أن إبلاغهم مجموعة من أطفال الحي عن الحادثة ، وأنهم وجدوا طفلان داخل برميل القمامة .. يقول البوني:" أبلغت قسم الشرطة حينها ، وتم تحرير محضر بالواقعة ، وبعدها قمنا بتشييع مراسم دفن الطفلان والقضية التي قيدت ضد مجهول"!
وحسب شهود عيان وعقال حارات وشخصيات اجتماعية فأن هناك الكثير من الحالات التي يتم العثور عليها وتمثل براميل القمامة المنتشرة في شوارع المدن الرئيسية بالإضافة إلى الأرصفة وغيرها من ابرز الأماكن التي يتم فيها العثور على مثل هؤلاء الأطفال .
تسرد (نورية50 عاما) حكاية طفلة عملت على تربيتها بعد أن عثرت عليها داخل كرتون في برميل القمامة بحكم تعقيبها اليومي على هذه البراميل بحثا عما يستأ كل لا غنامها ، وظاهرة رعي الأغنام بمحاذاة القمامة ظاهرة شائعة في صنعاء وبعض المدن العمرانية التي تفتقد للمساحات الزراعية.
تقول:" في الصباح الباكر وبينما كنت مارة بأغنامي من احد الإحياء السكنية الراقية ، شدني شعور غريب لم يسبق أن شعرت به من قبل ، ناحية أحد براميل القمامة ، اقتربت من البرميل وأخذت أفتش في محتوياته ، وفوجئت بصراخ طفلة مولودة في الأيام الأولى من العمر، كانت الطفلة موثقة بلفافة بيضاء داخل كرتون ، ومغطاة بالكثير من القطع والقماشية وإلى جوارها كيس مليء بالملابس الجديدة ، و(ختمه قرآنية صغيرة) ومبلغ 20 ألف ريال ".
رفض
ورغم عدم وجود استناد شرعي يمنع الزواج من اللقطاء والاعتماد على اجتهاد العلماء الذين لا يرون أي مانع في ذلك ، إلا أن الكثيرين في اليمن بنين وبنات يرفضون الارتباط بلقيطة أو لقيط ، إلا في حالات نادرة جدا يستحيل تأكيد أي منها نتيجة حالة السرية والتكتم الشديد الذي تحاط به مثل هذا النوع من الزيجات أن وجدت.
محمد الشاوش(طالب جامعي) لا يمثل التحري عن الأصل والنسب أهمية بالنسبة له في البنت التي قد يرتبط بها، ولاما نع عنده من الارتباط بلقيطة على عكس الكثيرين ممن تم استطلاع أرائهم ، شريطة "أن تكون إنسانة متدينة وأخلاقها عالية".
على عكس ذلك، فأن إحسان(طالبة جامعية) تؤكد بعد ما واجهناه من صعوبة في إقناعها التجاوب معنا ، "أنها لن تقبل الارتباط بلقيط أي كانت الأسباب، وتقول": لن اقبل بأمر كهذا لانه يترتب عليه تحمل تأثيرات مستقبلية كثيرة ، كما أن أهلي يستحيل أن يوافقون على أمر كهذا أصلا ".. في المقابل تؤكد إحسان ويتفق معها كثيرين في"انه إذا كانت لها صديقة وعرفت انها لقيطة فأن ذلك لن يؤثر على صداقتها بها.
رؤية اجتماعية
تعقيد كهذا لإشكالية اللقطاء يثير اهتمام الأخصائيين الاجتماعيين والحقوقيين ممن يرجعونه إلى الفجوة القائمة في التعاطي الاجتماعي مع هذه الشريحة بين ما تورده نصوص الشرعية الإسلامية وجملة من القيم والعادات والتقاليد والمفاهيم الاجتماعية الراسخة في تركيبته الثقافية وما يتخللها من ملابسات تتناقض مع النصوص الشرعية والدينية .
يقول الدكتور خالد طميم رئيس قسم الاجتماع بجامعة صنعاء :" أولا يجب أن ندرك أن اللقيط إنسان ، يستحق منا أن نتعامل معه ، مثلما نتعامل مع أي إنسان آخر، وان هذا الإنسان لم يأتي من فراغ ، فهو خلاصة التقاء رجل وامرأة ، استمر في رحم امه مثل أية جنين ، ومثل أية جنين ، فلابد ان هذه الأم تحمل نفس الأحاسيس والمشاعر التي تحملها أية أم تجاه جنينها ، وبالتالي ، لابد ان نعرف آثار فصل هذا الجنين عن امه ، بعد ولادته ، عليها ، ثم عليه.
ثانيا ينبغي علينا أن ننظر لهذا الجنين وأمه ، نظرة إنسانية موضوعية ايجابية، تاخذ في الحسبان أن كل ابناء آدم خطائون ، وأن الله سبحانه وتعالى ، من يعلم بما تخفي الأنفس ، هو البصير العليم بما حدث ، وأن الحساب الأخير عنده جل وعلى.
ولكي نصل إلى مقترحات ، تساعد ، على توعية الناس ، على فهم موضوعي ، لهذا الإنسان ، وأنه جزء لا يتجزأ منا ، فعلينا الوقوف معه ومعاضدته وتشجيع من حرم نعمة النسل ، على تبني مثل هؤلاء الأطفال ، خاصة وكلنا يعلم أن الطفل بالتربية لان المشاكل والأخطاء الاجتماعية التي ينتج عنها وجود الأطفال اللقطاء أو الغير شرعيين مشاكل كثيرة لا يمكن حصرها او تفاديها إلا من خلال أخراج هؤلاء من دائرة الإحساس بالتهميش .
وأعتقد أن الإفرازات تعتمد على كيفية تربيتهم ، ونوعية المجتمع الذي يترعرعون فيه، فعلى سبيل المثال في المجتمعات الغربية ، قد لا يشكل اللقيط هاجسا ، فهو إنسان بالدرجة الأولى ومواطن كفلت له القوانين كافة حقوقه .
اما في المجتمعات الغير غربية ، وبالذات في المجتمعات العربية المسلمة ، الصورة قد تختلف ، فيكفي أن الأطفال أو حتى الكبار عندما يسبون بعضهم يستخدمون الفاظا مثل يا ابن .... ، أو غيرها من الألفاظ ، التي قد تكون سببا أحيان في القتل او العقاب من المحاكم.
لكن إذا تحدثنا عن الخطأ في كينونة هذا الإنسان ، فهناك عوامل كثيرة يصعب حصرها ، أخطاء ترتكب ، احتياجات مادية وقد يكون الفقر وراءها ، وقوع بعض الفتيات فريسة لبعض الذئاب ، سواء بالاغتصاب ، أو بالاستدراج والحب والعشق ..الخ.
ولجهل بعض النساء ، وللخوف المصاحب ، حتى لا تكتشف ، يتم السكوت ، حتى تتم الولاده ، وقد يكون هنالك أيضا مخافة من الله ، فيما قامت المرأة بتنزيل الجنين ، فلا تحتمل الذنب مرتين ، وتفضل أن تحافظ عليه حتى الولادة ، لعله يجد من يتكفل به.. والسؤال كيف نتلافها ؟ و إذا ما عرف السبب في تصوري بعد دراسات علمية سليمة ، يمكن أن توضع المقترحات الملائمة .
لكن على فرضية ، المعرفة ببعض الأسباب، يرى الدكتور طميم انه لابد أولا من تكثيف التوعية للفتيات بعدم الإنخداع بالحب والعشق وما شابه، واخذ الحيطة لعدم استغلالهن من اولئك الوحوش ، الذين يخدعونهن بالكلام الطيب ، وبالآمال والأحلام ومن بينها الزواج ، ثم تجد نفسها تعطيه ما يريد ، على أمل الوفاء بوعده ، ومن ثم يذهب هو بحثا عن ضحية وفريسة اخرى.
كما أن على الأسرة أن تتحمل مسؤوليتها في توجيه البنات وتحذيرهن ، ورقابتهن إذا تطلب الأمر فكلما تكون الشابة صغيره ، كلما كانت هدفا سهلا لأولئك الوحوش والثعالب.
وحسب الدكتور طميم فأنه لا يمكن الإقرار بأي حال من الأحوال أن اللقطاء ظاهرة في اليمن مالم تثبت إحصاءات المسح حجم انتشارها ، خاصة وأن مثل هذا الأمر يصعب تقديره في ظل حالة التكتم والسرية الموجودة.. بيد أن الإشكالية بتا طيرها ضمن الحالات الاستثنائية ، يدعو للتساؤل :ما وجه نظر الشرع في ملابساتها وجوانبها المختلفة.
رأي الدين
الشيخ العلامة صبري إبراهيم كامل يقول": انه لا يحق للأسرة أن تنسب الطفل لها ، وذلك لتجنب العائلة مشاكل مستقبلية حول الميراث وما شابه ، لان الطفل عندما يكبر بحكم انتسابه للعائلة يبدأ بالمطالبة بنصيبه في الميراث ، في الوقت الذي ليس له حق فيه ، ويجب على المتبني لهذا اللقيط وضع وصية معينة بخصوصه ، كما يجب أن يتم التفريق بين الإخوة والبنات والصبيان في المضاجع قبل وبعد سن البلوغ ،وعلى اللقيط عدم مجالسة بنات العائلة المتبنية له ، وعدم نسبته إلى العائلة كأن يقال له: أن والده قد مات في حادث أو حرب وما شابه وتلته والدته نتيجة حسرتها عليه مثلا".
أما بالنسبة للوالدين الحقيقيين -حسب كامل - فحكمهما في الشرع حكم الزناء ، والام إلى جانب كونها زانية فانها مجرمة قاتلة للنفس التي حرم الله ، باعتبار أن الطفل عندما يرمى ولو على عتبات البيوت فإن نسبة نجاته تكون قليلة جدا ويكون ما بين فترة رميه وقدوم من ينقذه معرضا لخطر الموت لاي سبب من الاسباب .
لكن العلامة حمود المؤيد يرى أن على من وجد طفلا لقيطا أن تتم مراضعته مع احد ابناء الاسرة لاجازة اختلاطه بنساء العائلة ، ولا يجوز انتسابه للعائلة وذلك حتى لا تتكون عنده عقدة نفسيه نتيجة معرفته مستقبلا بالحقيقة وبانه لا يستحق الميراث.
وفيما يتعلق بالمرأة التي تقوم برمي طفلها، فأن الأمر راجع لطبيعة الظروف التي تمر بها إلأم والأسباب التي دفعتها لذلك .. يقول المؤيد : " في هذه الحالة لا احد يعلم ماهي الظروف التي أجبرت إلام على ذلك ، فإذا كان الطفل ناتج عن علاقة غير شرعية فحكمها في الشرع حكم الزانية ، لكن قد تكون هناك ظروف خاصة دفعتها لرمي الطفل مثل الحاجة أو ان يكون قد تم اختطاف الطفل ورميه وغيرها من الأسباب المحتملة وحكم الشرع هنا راجع للظروف التي تمر بها الام.
حسب المشرعين فأن في تبني الأسر لمثل هؤلاء الأطفال ، اجر وثواب كبير عند الله ، ولا يمحى اثر هذا الأجر في الدنيا والآخرة ، لكن ينبغي على أي أسرة من الأسر إذا ما قررت تبني أي طفل من الأطفال تحرى السرية التامة بحيث لا يعلم الناس والجيران بحقيقته.
المصارحة
لكن للشيخ حمود الشيخ وكيل وزارة الأوقاف اليمنية رأي مختلف يقول:"التبني في الأصل لا يجوز ما لم يقوم من الأساس على المصارحة من البداية ، بمعنى أن على الأسرة التي تقدم على أعاله أي من هؤلاء الأطفال تبلغ الجهات المعنية ، وعدم نسبتهم إليها ، واختيار أسماء أخرى لهم بحيث يتم إعلامهم متى ما وصلوا إلى مرحلة الإدراك بالحقيقة بأسلوب لين(كان يقال لهم ان أبويهما توفيا في حادث مثلا) .
ويعتبر أن هذا كله يضمن تجنيب الكثير من المشاكل المستقبلية ومنها مشكلة الزواج لهؤلاء.. منوها بأن الإسلام لم يحرم اللقطاء من الزواج، والزواج من(اللقيطة أو اللقيط) جائز شرعا ، لان العبرة بتوفر المواصفات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم :"إذا اتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...الخ.
ولا يفترض أن تقوم العبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات على المعايير العرفية أو القبلية والشخصية وغيرها من المعايير الدنيوية والمادية، بل يجب أن تقوم على معايير الإسلام ونصوص الشريعة والسنة المحمدية.. يقول الشيخ حمود :" لان الأنساب في الإسلام هي لمجرد أيجاد صلة بين الأقارب بما يتيح من صلة القربى والأرحام ، ولا ينبغي أن تكون المعيار في بناء العلاقات الزوجية وتكون محط للتفاخر كما كانت عليه الجاهلية الأولى".
ويرى أن العلاقات الإنسانية ككل ينبغي أن تبنى على أساس من الصراحة، ويضيف :" فاذا ما قامت العلاقة مع هؤلاء الأبناء على أساس من الصراحة فأنهم لن يجدون غضاضة من أن تذكر الحقيقية للزوج أو الزوجة مستقبلا ، كذلك العلاقات الزوجية ينبغي ان تبنى على المصارحة من البداية ، كي تستمر الحياة الزوجية وتدوم" .
وبين ما يقرره الشرع ، وتفرضه الأعراف والتقاليد الاجتماعية من حالات وتناقضات ، يبقى لسان حال الواقع ،أن لكل مجتمع ضحايا ، ولا احد منزه عن ألأخطاء ، أما اللقطاء فهم خطيئة المجتمع وضحيته التي كلما تنكر لها ، استمرت المعاناة من مشاكل النسب والانتماء ، وظلت رسالة كل لقيط إلى كل من له قلب ( أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.