بوفاة التهامي عبدالرحمن بعكر يرحل أحد المفكرين اليمنيين وعلمائه العظام «الذين لايتجاوز عددهم أصابع اليد» الذين أثروا الحياة الثقافية والفكرية بالكتب العلمية والمخطوطات العلمية النادرة. ورحم الله فقيدنا الغالي بعكر فلقد كان رغم عماه مبصراً في زمن أعمى البصيرة..ومفكراً نابهاً في عصر انحسار الفكر ومجدداً عقلانياً في زمن عربي فقد حيويته وأعطى العقل إجازة مفتوحة، في اليمن أمثال المقالح والبردوني وعبدالرحمن بعكر..الخ، هم وحدهم الذين يجب أن تسبق أسماؤهم كلمات مثل عالم أو مفكر، لأنهم وحدهم الذين تجاوزوا بحنكة وصبر نكد المعيشة وهم الحياة اليومية الصعبة وصنعوا مشاريع ناجحة بكل المقاييس لهم وللوطن، لم يكتفوا بالقراءة ثم التنظير بل انتجوا ووثقوا وألفوا رغم الجهل والفقر والمرض وقلة الحيلة وعمى البصر «كماهو حال بعكر والبرودني». لقد كان بعكر رغم عماه موسوعة في أكثر من علم وبحار في أكثر من فن كان أديباً مجيداً للشعر تحس بعذوبة كلماته وكان مفكراً يكتب بقلم الأصالة ومداد التجديد وروح التغيير، كان ناقداً متمكناً له كتابات نقدية في الأدب والشعر والخطاب الديني، وكان موسوعة ملماً بالتاريخ القديم والإسلامي والغربي والتاريخ اليمني قديمه وحديثه، وكان يمتلك رؤية ثاقبة في السياسة ورؤى متفتحة في فهم الدين أكثر من المتحدثين باسمه، وظل داعية وسطية بين أحزاب تطرفت في السياسة وجماعات تشددت في الدين وأدباء ومثقفين غرقوا في النرجسية وأصابوا المشهد الثقافي والأدبي بالشلل. 31 مخطوطة و18 كتاباً مطبوعاً بالاضافة إلى كتب تحت الطبع ماذا فعلنا مع هذا الجهد المتفرد؟! نحن لم نكلف أنفسنا حتى مجرد القراءة وكيمنيين مصابين بعقدة الأجنبي شغلنا أنفسنا بغير بعكر مع أنه يفوقهم علماً ومعرفة وظل اخوانه في الله الاصلاحيين الأقلة مهتمين بحسن البنا وسيد قطب و..الخ ،وتركوا رجلاً ساواهم بل فاقهم ثراء معرفياً وتأهيلياً. ليس بيني وبين بعكر سوى علاقة وجدانية فكرية ربطتني به صحيفة الثقافية التي ظلت معه حياً فحاورته ونشرت بعض بحوثه ومقالاته ومخطوطاته ثم أفردت له بعد موته اربع صفحات كاملة. سامحنا أيها الحضرمي لقد تجاهلناك حياً وميتاً فنحن كما قلت نعيش في «عمارة كرتونية لاتصمد للريح ولاتليق بثقة الساكنين فيها» وأعذرنا لأن كلمتنا لا موقف لها كماهي كلمتك.