حتى عهد قريب عندما كنا نكتب عن اليمن كنا نغرق في حسابات التوازنات الاقليمية ،ونربط كل تحليلات الوضع الأمني اليمني بمنظومة دول الخليج العربي ،والعراق بشكل رئيسي من غير اكتراث كبير لحسابات دولية أوسع. أمس تمنيت لو أن أقلام مثقفينا تأملت قليلاً بخطاب الدكتور/محمد رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أمام مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس ،لأنه عكس معادلة يمنية جديدة تترجم بعدين: الأول هو حجم التطور الذي آلت إليه ساحة الدولة اليمنية ،والثاني هو بعد نظر القراءات اليمنية لتطورات«القرية الكونية» ،وهنا أحرص على استخدام مصطلح«القرية الكونية» كونه هو الاطار الذي دارت بداخله أفكار الدكتور/العليمي. فمن حيث البعد الأول نجد أن الخطاب اليمني المطروح في مؤتمر تونس لم يعد يولي أهمية كبيرة لحسابات معقدة لعلاقات اليمن مع دول الخليج العربي ،ومستوى التعاون بين الاطراف المتعددة فقد جاء الحديث منساباً كما لو أن تعاون اليمن مع الخليج هو أمر واقع ،وقائم بوضوح وبما لايدعو للفت الأنظار إليه ،أو التركيز على معطياته في الوقت الذي لوعدنا إلى قبل بضع سنوات لوجدنا أن مناسبات كهذه لابد أن تتصدرها الهموم اليمنية الخليجية ،وكيفية تنمية التعاون ،وسبل حل الاشكاليات القائمة ،وغيرها من المسائل التي كانت تشغل رؤوس القيادات الحكومية والسياسية للدولة. فالدكتور/العليمي خاطب الحضور بلغة الجماعة ،وبلغة المنطقة ،والإقليم وليس الدولة اليمنية وحسب.. وهذا من وجهة نظري تقدم كبير يطمئننا أن مانسمعه ونقرأه عبر وسائل الإعلام حول العلاقات اليمنية الخليجية هو كلام سليم ،وليس هناك مايخفيه قادة هذه الدول خلف الكواليس. ولعل هذا الجانب هو مدخلنا أيضاً للبعد الثاني من الخطاب الذي حث فيه الدول العربية على أن أمنها واستقرارها الداخلي لايتحقق «دون النظر إلى واقع الأمن ومتطلباته في كل منها وفق منظومة الأمن في كافة الدول المحيطة بها إقليمياً ودولياً وبما يؤدي إلى خلق تعاون شامل وفق أسس ثابتة تحول دون تفاقم الاوضاع غير المستقرة» داعياً إلى ضرورة «معالجة كافة بؤر التوتر في الشرق الأوسط والقرن الافريقي». إذن فهذه المرحلة هي مرحلة التكتلات ،وزمن التعاون الشامل ليس فقط من أجل الأمن الداخلي لكل قطر من الأقطار العربية بل كذلك لأمن الجماعة ،أو الكل ،من خلال نزع بؤر التوتر بالمنطقة وهنا يساورني الظن بأن الدكتور/العليمي يتوجس الخطر من نوايا أو مؤامرات لتصدير الأزمات إلى دول المنطقة وربما لديه من المعلومات مايسعفه لذلك أو هو الحس الأمني وبعد النظر الذي يتميز به عديد من السياسيين اليمنيين. اليمن تضع العرب أمام مسئولية جماعية متجاوزة حدود الهموم القطرية ،وتنبه العالم العربي إلى أولوية العامل الأمني في الوقت الراهن ،الذي باتت كل السياسات الأخرى متوقفة على مدى قوته في صنع الاستقرار والمناخ الآمن للعوامل الأخرى ،الاقتصادية والسياسية ،والثقافية وغيرها ،ومن هنا جاء قول الدكتور/العليمي: «إن مفهوم الأمن الشامل أصبح هاجساً يفوق في بعض جوانبه الهاجس السياسي والاقتصادي في عالم اليوم لأن غياب الأمن يقوض أسس الاستقرار ولايمكن من إحراز أي تقدم على الصعيدين السياسي والاقتصادي ،الأمر يفرض على هذا المجلس والحكومات العربية عموماً منح البعد الأمني الاهتمام والعناية البالغة لتحقيق الاستقرار». كما أكد: «أن اليمن انتهجت مفهوم الأمن العربي الشامل وهي تضع الاستراتيجيات والخطط العربية ذات الصلة بمكافحة الجريمة والجرائم الارهابية موضع التنفيذ» وعرج أيضاً على الاسلوب الذي اتبعته اليمن في مكافحة الإرهاب وهو كلام تمنيت لويسعه هذا العمود لكنني آثرت أن ألفت أنظار الزملاء في الإعلام ،والإخوة القراء إلى ضرورة مراجعة الكلمة التي ألقاها الدكتور/رشاد العليمي فيما يتعلق بالأمن العربي الشامل لاعتقادي أن فيها رؤى رائعة لمشروع عربي قومي ينبغي أن تتفاعل معه الأمة إذا ما أرادت الخروج من مأزقها الحالي الذي يهدد مستقبلها القريب وليس البعيد. وأخيراً ألفت انتباه الإخوة القيادات الأمنية اليمنية إلى ضرورة تعميم مثل هذه الرسائل المهمة على وسائل الاعلام المختلفة وعدم تركها حكراً على الوكالة الرسمية، لأننا حتى لو كانت لدينا الخبرة الإعلامية نشعر في كثير من الأحيان بالحاجة الماسة إلى القراءات الأمنية لواقع الأمة ،ومن أناس نثق بهم ،وبتوجههم الوطني والقومي وأوجه الدعوة من هذا المنبر إلى الأخ الدكتور/رشاد العليمي أو الأخ النائب/مطهر المصري لتنظيم ندوة فكرية تتحدث عن واقع الأمة الحاضر ،والتهديدات المحدقة بها ،ومسئوليات الإعلاميين والمثقفين إزائها- فالكثير منا تختلط عليه الأفكار ويحتار بين الرؤى ونأمل أن تحظى دعوتنا هذه بالاستجابة..!