لم تتوفر لمجرم أو مارق أو متطرف فرص للتوبة ومراجعة الذات والعودة إلى جادة الصواب كتلك الفرص التي توفرت لأذناب المدحور الصريع حسين الحوثي.. الذين أوقفت القيادة السياسية ملاحقتهم في الشعاب والجبال والأكام وأفرجت عمن وقع في قبضة السلطات بعد حوارات أعلنوا على إثرها التوبة فمنحتهم حق العودة لممارسة حياتهم الطبيعية كمواطنين صالحين.. وأعادت من كان قد ترك وظيفته أوأوقفت مرتباته إلى عمله.. وأكثر من ذلك تلك الدعوات المتكررة لأولئك المنضوين تحت جلباب الزيف الذي ألبسهم إياه داعيتهم الصريع لإخفاء جرائمه ونوازعه بغطاء مذهبي أو طائفي.. حيث وصل التسامح ومستوى المصداقية والحرص على اعادتهم إلى جادة الصواب حد دعوتهم لتشكيل حزب أو منظمة أو تكوين يمارسون من خلاله ماشاؤوا من الشعائر والطقوس في إطار الحريات العامة المكفولة في دستور البلاد وتشريعاتها ونهجها الذي يكفل ويصون حقوق الاعتقاد والتوجه والتنوع الفكري دون أية معاذير شريطة أن يكون ذلك في إطار وحدة الوطن وسيادة القانون وثوابت البلاد. غير أن أولئك الضالين المضلين أخطأوا في قراءة ذلك الموقف الذي جسد رأس الحكمة وذروة الحكم ومنتهى التسامح وأقصى درجات المصداقية في التوجه الهادف رأب الصدع ومعالجة آثار الفتنة.. وبدلآً من أن يسلكوا مسلك التوبة ويتخلوا عن نوازع الشر عادوا إلى التحصن وراء تلك الأفكار والدعاوى الزائفة التي لقنهم إياها رأس الفتنة وسدنته وأذنابه.. وبدلاً من أن يتعظوا مما حدث ظنوا -إثماً- ان منهجية التسامح التي عوملوا وفقها كانت استجابة طبيعية أو نتيجة مفروضة خلفتها فتنتهم وربما اعتقدوا أن ذلك نجاح لمنهجية ابتزاز قد تستمر وتتطور وقد تحقق ماهو أكثر من ذلك فيما لو عادوا الكرة .. ساعدهم في ذلك خطاب ملغوم تبنته قوى وأطراف سياسية أرادت أن تستثمر ما حدث في صعدة لمكايدة السلطة أحياناً وابتزازها أحايين أخرى. كل هذه المؤثرات والموشرات شكلت لأولئك المهووسين مناخاً أتاح لهم فرصة إعادة صياغة السيناريو وربما منحهم شيئاً من حيثيات الإقناع التي ساعدتهم على إعادة التعبئة في صفوف الجهلة والقابعين على قارعة الفراغ الفكري والبطالة في انتظار قوة خارقة تحقق لهم كل الأماني والأحلام في بضعة أيام بدون معلِّم. وفي بيئة هذه مواصفاتها، وفي ظل معطيات تلك مؤشراتها، وجدت أذناب الفتنة فرصة جديدة لشوط آخر من المغامرة التي غدت فيها المراهنة على الدعم الخارجي أمراً مضموناً حسمته بعض المعطيات التي أفضت إليها الظروف الإقليمية والدولية.. وبالتالي بدت كل مؤشرات الصفقة الجديدة مبشرة أمام تجار القيم والأديان والعقائد والأوطان. ظن المجرمون الخونة أن نهج التسامح والبيئة الديمقراطية وديدن الميل إلى التسويات السلمية جميعها أدلة هشاشة ومؤشرات بيئة رخوة قابلة للعبث والفوضى وممارسة الجريمة والابتزاز وتناسى هؤلاء أن ما توفرلهم وأقصى ما يمكن أن يتوفر لهم من عوامل ومقومات البقاء والعنطزة لا يساوي شيئاً أمام ما توفر لمن سبقوهم ممن حاولوا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والانقضاض على النظام الجمهوري والمراهنة على وحدة الشعب، ومحاولة النيل من مكاسب الثورة ومقدرات الوطن والشرعية الدستورية والثوابت التي افتداها ويفتديها الشعب بأغلى مالديه.. ولسنا بعيدين عن ذكرى دحر مؤامرة الانقضاض على الثورة في حصار السبعين يوماً. ما لايعلمه المنحرفون اليوم أنهم أحرقوا كل الأوراق التي كانت متاحة لهم، ووضعوا أنفسهم أمام خيار النهاية كما وضعوا من كان يتعاطف معهم بحسن أو بسوء نية في خانة لا تتيح لأحد منهم حتى مجرد التلويح بشيء من التعاطف أو حتى الشفقة. وفي الوقت الذي كشفت مراحل الفتنة زيف هؤلاء وبطلان دعاواهم ونزوعهم إلى نكث العهود وخرق الاتفاقات والمواثيق يعلم هؤلاء -كما يعلم كل أبناء الشعب- أن التضحيات التي كاد الشعب أن يتجاوزها على مضض ستعود إلى الأذهان لتضع جدارات من الرفض لأية محاولات أو دعوات لمزيد من التسامح والصبر والأناة خاصة وأن مثل هذا النهج لم يزد الكهنة سوى عتو ونفور وغطرسة وزيف. يجب أن يعلم هؤلاء أن للصبر حدود وللتسامح اشتراطات وللعفو تبعات كلها لم تعد متوفرة بعد أن حلت محلها كل موجبات الحسم والحزم والإصرار على اقتلاع مابقي للفتنة من جذور وبذور تحت أي ظرف وبأي ثمن.