أشعر أحياناً بالملل يسري في أوصال الوقت،وتصبح بذلك كل الأشياء مملة بما فيها القراءة والكتابة،ومع أنني أعلل أوقاتي أن الملل لم يزل في دائرة «أحياناً» وطالما بقي في هذه الدائرة فهو من النوع الطبيعي المقدور عليه،ويمكن محاصرته أو التغلب عليه بصورة أو بأخرى، وهكذا أستمر بإقناع نفسي مهوناً اللحظة أو الزمن الذي يقع تحت طائلة الملل والرتابة وأنا بذلك أحاول ممارسة نوع من العلاج الذاتي الذي لايحتاج جهداً كبيراً وهو أرخص أنواع العلاج،وبالتأكيد أنه يختلف كثيراً عن مغالطة النفس، وعلينا أن نفرق بين تعليل النفس ومغالطتها،فالتعليل يفتح نوافذ واقعية للحلول ولو لم تكن متاحة في ذات اللحظة، وأسهل النوافذ فتحاً هي نافذة الأمل، فإن استعصى فتحها تبقى كل النوافذ مغلقة ويتحول الوضع من دائرة «أحياناً» إلى دائرة «المؤبد» والعيش في الدائرة الأخيرة لا يختلف عن الموت إلا في المسمى فقط. أما المغالطة فإنها تقوم على الوهم، وعلى هذا تكون النظرة،وعندما تختلط الحقائق بالأوهام يصبح الواقع مشوهاً فلا تأتي الحلول إلا من نافذة المغالطة عند أصحاب هذه النظرة.قلت بأني أعلل أوقاتي باعتبار أن الملل والمنغصات الأخرى من النوع المؤقت كسحابة صيف سرعان ما تزول من الأجواء وفي بقائها فائدة في ظلها،إلا أن الوضع لايخلو من خطر فقد يتحول الملل من الصورة العابرة إلى الدائمة إذا فشلت أساليب إقناع النفس وتعليلها بالآمال والحلول الأخرى المسببات الملل والرتابة،والخطورة الثانية تكمن في أن أوقات الملل تمضي هباء وبطول أوقاتها تكون الخسارة،فلا إنجاز يذكر في هذه الأوقات، وكل عمل يتم في أوقات الملل يكون مشوهاً وتأتي ثماره مشوهة أيضاً ،هذا إن لم تكن في الأصل ضارة أو مضرة،وعلينا أن نتخيل كم هي الأوقات المهدرة وكم هي الأعمال المشوهة؟.وكم من البشر يحاصر أوقاتهم الملل؟ وإن تفاوتت هذه الأوقات من لحظات عابرة إلى حالة الملل الدائم الذي هو الموت طالما كل العمر يمضي بلا إنجاز أو إتقان وبلا فائدة تذكر،ولعل أخطر مايصيب الأمم على الإطلاق هو الملل والرتابة واليأس والمفردات بعضها من بعض ونتيجتها كارثية بلاشك ..ومن المؤكد أن استمرار المنغصات وتوالي الانكسارات من أهم أسباب وبواعث الملل والإحباط وما ينجم عنهما من كوارث،فماذا يمكننا أن نتوقع من شعب محبط ومن أمة محبطة؟وأستطيع أن أجزم أن خلق واقع عربي إسلامي يحكمه الملل والإحباط ليس بعيداً عن ترتيبات السياسة الغربية والأمريكية وقد وصلت طلائع الأمة العربية والإسلامية إلى دائرة الاحباط القاتل والجهود حثيثة لإيصال الجميع إلى هذه الدائرة المظلمة مالم تحدث ردة فعل مناسبة لخلق واقع آخر بعيداً عن الكوارث والفناء.على المستوى الشخصي هناك أسباب عديدة تبعث على الملل والإحباط وإخوانهما وإن بقي الأمل يصارع بقوة كلما أطلت لحظة من لحظات الملل واليأس ،ولايمكنني إنكار تفوق بعض من تلك اللحظات أحياناً فهذه اللحظات لا أحتسبها من العمر وإن عشتها مكرهاً.. وأكثر ما يخيفني من لحظات كهذه هي تلك التي تداهم أوقات القراءة والكتابة، فحينها تصبح القراءة خاطئة والكتابة مفككة الجُمل، وكثيراً ماتتكرر الأخطاء وعندما تكثر الأخطاء تكون النتيجة مشوهة مثل أي عملٍ في حضرة الملل والاحباط،وأرجو وأتمنى ألاَّ تكون تلك اللحظات قد مرت بين هذه السطور وفي ذات الوقت لا استبعد شيئاً من ذلك فالبواعث كثيرة.