الملل ذلك الداء المستفحل الذي يصيب الجميع دون استثناء لأحد ، ما من واحد منا وإلا ومرت عليه فترة بل فترات زمنية شعر بملل مطبق عليه ،حتى أصبح لا يدري ماذا يفعل ؟ وكيف ولماذا ؟ كل شيء متشابه ، كل الالوان صارت لونا واحداً ،والوجوه تشابهت والمواقف نفسها .. الرتابة لفت كل التصرفات منذ الاستيقاظ من النوم وحتى الذهاب إلى النوم مرة أخرى..بل إن النوم نفسه أصبح شيئاً مملاً ؟! دوائر الحياة من حول الإنسان ضاقت ولم يعد هناك أي شيء يشد الانتباه ويلفت النظر. الاخبار السياسية التي تذيعها النشرات كل يوم هي نفسها تقريباً لا تخرج عن دائرة العنف والعنف المضاد والكوارث والبؤس المطبق على البشرية طيلة الزمان .. وكذلك أخبار الفن والرياضة والأدب ..حتى أخبار الطقس تشابهت مع ما يذاع كل يوم ؟! شعور الملل أصبح جارفاً أفقد للمشاعر الحياتية الأخرى أي طعم ولون ونكهة، وأصبح شعار الحياة اليوم في كل صباح مرحباً بك في دنيا الملل. الكاتب المصري الراحل أنيس منصور ألّف كتاباً رائعاً عن الملل بعنوان “ وداعاً للملل” ، صحيح أن الكتاب شخّص الملل بكل تفاصيله وحلل ووضح لكنه لم يقضِ على الملل الذي يحيط بنا.. يقول أنيس منصور “ الذي عنده ملل يشعر أنه ليس على صلة بالواقع إنه منعزل “وكأن العزلة هي مصدر هذا الملل المطبق. وفي موضع آخر يقول «الذي يمل أو الذي يتململ هو إنسان لا يرغب حتى في الرغبة». إنسان فقد الرغبة في أي شيء ، وبالتالي أصبح أقل تذوقاً لمتع الدنيا ، ونجد هذا في الذين يفرطون في كل ملذات الدنيا حتى الثمالة ثم يداهمهم شعور الملل لشعورهم بالغربة في ملذاتهم عن الحياة الطبيعية.. لكن الدكتور مصطفى محمود لديه راي آخر إذ يقول «الملل عقوبة الطبيعة لمنْ لا يعمل». فهل يصيب الملل العاطلين فقط؟ أبداً، فهناك من الذي يعملون يصيبهم داء الملل والرتابة .. في وجهة نظري الملل يصيبنا من الرتابة التي نمارس بها أعمالنا اليومية …كيف؟. نعم نحن نقوم بأعمال لكن دون روح ولا متعة في العمل نفسه مما يجعل الملل شعوراً مصاحبا لنا ، لأن ذلك العمل يتحول إلى أداء لا روح فيه مجرد إسقاط لواجب سبب القيام به هو الحاجة وليس الرغبة فيه ، وأثناء تنفيذنا له تحكمنا الألفة العادة في التنفيذ ، فلا إبداع ولا ابتكار ولا شيء من ذلك فنصبح مجرد (آلات ) بشرية تنفذ ذات العمل بمرور الوقت.. وانظروا معي إلى حالة الموظف الحكومي في بلداننا العربية، إنه يمارس نفس (الروتين) الوظيفي طيلة عقود الخدمة الملزم بها فرضتها عليه قوانين البيروقراطية التي تعاني منها حكوماتنا العربية … ودعونا نتتبع هذه الرتابة .. يبدأ العمل بحافظة الدوام - ذلك القيد الذي لابد منه لتسجيل تواجد الموظف في مكان عمله - فإذا وقّع عليها فهو موجود وإن غادر مكان العمل وإذا لم يوقّع فهو غير موجود وإن كان متواجداً بشحمه ولحمه ، المهم ما تقوله الأوراق الرسمية … ثم يتابع العمل -إن وجد- بنفس الرتابة اليومية وهكذا .. وتنعكس هذه الرتابة على سلوكه في عاداته الاجتماعية التي صارت ضيقة الجغرافيا محصورة بين مكان العمل والبيت ومكان تواجد شلة الاصدقاء … ونصبح في نهاية المطاف كأننا أجهزة هضم تعمل بحكم قوانين البيولوجيا التي اودعت فيها عندما تتلقف أي طعام . إن التغيير في عاداتنا هو الذي يكسر هذا الملل المطبق ويضخ دماء الحياة والحيوية في هذا الهلام المتكلس من البشر الذي ظلوا يمارسون نفس تلك الاعمال لعقود وسيظلون كذلك .. يجب أن نغير من مواعيد أعمالنا ..من وضعنا …كي نغلق أي سبيل يؤدي بنا إلى تلك الرتابة حتى نبدع ونصنع جديداً ولا نقع في فريسة التقليد بل نكون نواة تجديد.. فإلى كل (مملول) أدعوك إلى تغيير عاداتك اليومية والاسبوعية والشهرية ، حتى تستعيد بشريتك ولا تكن مجرد (سن) في ترس يدور داخل مكينة ضخمة اسمها المجتمع … غيّر طريق ذهابك إلى عملك… غيّر المقيل اليوم ، ليكن في حارة أخرى عند أصدقاء جدد أو أصدقاء قدامى لم تلتقِ بهم منذ زمن.. تعرّف على كاتب جديد لم تقرأ له من قبل .. غيّر….غيّر ….حتى تتغير أنت فلا يداهمك طاعون الملل. رابط المقال على الفيس بوك