كثيراً ما نسمع بين الحين والآخر عن التسامح والإسلام، وربما أصبحت فكرة التسامح ملحة في هذه الأيام، خاصة عندما تبرز الصراعات السياسية والطائفية، ويزيد من حدة هذه الصراعات غياب المشاريع الثقافية الوطنية. وفكرة التسامح كما نعلم لا تتحقق إلا في إطار مشروع ثقافي يؤمن بالتعددية والتنوع وحق الاختلاف، وما نراه اليوم داخل الفكر الإسلامي يقدم صورة واضحة عن التعصب الفكري الطائفي، فلم يعد الصراع اليوم بين الإسلام والغرب فحسب، بل أصبح داخل الفكر ذاته، فها هو الصراع اليوم يجري بين السنة والشيعة، يساعد على ذلك التصورات الذهنية التي تشكلت عبر التاريخ الإسلامي والتي أصبحت ملائمة للصراع. ونحن هنا لا يمكن أن نتجاهل تلك المعطيات التي حدثت في سقيفة بني ساعدة والتي قسّمت الأمة إلى سنة يعتبرون أنفسهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وشيعة يتشيعون للإمام علي بن أبي طالب، ويعتبرون أنفسهم أهل العصمة والعدالة!!. وبقراءة فاحصة لا نستطيع أن نتحاشى المغالطات التاريخية والمبالغات التبجيلية التي يستخدمها كل طرف من الأطراف، وها هو كل طرف ينطلق في تعامله مع الآخر من منطلق الرفض؛ لأن كل طرف قد شكل ثقافته بواسطة عقائد ومبادئ يقينية ومقدمات أيديولوجية ومقاييس موروثة أصبحت راسخة في العقل. وإذا أردنا أن نتحدث عن فكرة التسامح في اليمن، وكيف يمكن تحقيقه في وسط اجتماعي وسياسي متغير، فإن ذلك يقودنا إلى الحديث عن الحرية الدينية والحماية القانونية للحقوق الأساسية للمواطن، وبدون الحرية الدينية لا يمكن أن يكون هناك تسامح بسبب هيمنة المذهب القائم على الاستبعاد المتبادل الذي شكلته الطوائف الدينية لكي تحمي نفسها أو لكي تزحف نحو السلطة. وكما هو معروف فإن المذاهب الدينية تزعم احتكار حقيقة الخلافة أو الولاية وبالتالي احتكار السلطة بهدف حماية هذا المذهب أو ذاك. وإذا كان التاريخ يقدم لنا صورة من التسامح بين المذاهب فإن هذا التسامح يمكن أن نسميه تسامح الغيبوبة التي كان يعيشها المسلمون بدليل ظهور الصراع اليوم وبشكل إقصائي، وها نحن قد بدأنا في اليمن نكتوي بنار المذهبية التي تنطلق من المذهب بوصفه الدين الحق كمصدر للحاكمية لا للسلطة!!. وأصبح كل مذهب يستخدم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليس للتسامح وإنما للتعصب وإثارة الفتنة، فكل مذهب يحاول أن يتلاعب بفكرة التسامح، وإذا كان الثوار قد أحلّوا النظام الجمهوري محل الدولة الملكية ذات الحق الإلهي «أو التي تدعي الحق الإلهي» فإنه اليوم يعود بقوة، وخطورته أنه يأتي في ظل الديمقراطية والتعددية، ولم يستفد منها وإنما ضرب بها عرض الحائط لينطلق من منطلق الحق الإلهي، ولكي نتجاوز ذلك فلابد من أن ننشط المناقشة السياسية بدلاً من المناقشة الدينية، فالديمقراطية لا تعيش في ظل النقاش الديني والتعصب لهذا الطرف أو ذاك. وإذا أردنا أن نواجه هذه الأفكار المتطرفة فينبغي علينا أن نتبنى مشروعاً ثقافياً يكون قادراً على المواجهة، فالتطرف لا يولد من الفراغ وإنما هو خاصية مرتبطة بإكراهات المجتمع الثقافية والدينية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن لنا أن نتخلص من ثنائية شيعي/سني خاصة أن كل مذهب يزعم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فالإنسان الكامل في مجتمع يسيطر عليه المذهب السني هو الإنسان السني، وفي المجتمع الشيعي هو الإنسان الشيعي. وللإجابة عن هذا السؤال لابد من الانطلاق من حقوق الإنسان بعيداً عن التقسيمات الدينية والمذهبية، فالإنسان بغض النظر عن مشروطيته الدينية أو المذهبية أو العرقية، فالإنسان قيمة بحد ذاته، وينبغي أن نتعامل معه كإنسان، وهذا لن يتم إلا في إطار الدولة الوطنية، وليس في إطار الدولة الدينية.