مؤتمره العام الرابع يوم الإثنين الماضي من دون مفاجآت من الحجم الثقيل.. فعلى الرغم من أن النظام الأساسي للحزب يحظر إعادة انتخاب أي قيادي توّلى منصبه لثلاث دورات متتالية، ومع أن تصريحات قادة الصف الثاني في الحزب كانت تؤكد أنه لن تتم إعادة انتخاب أي منهم، إلا أن المؤتمر العام أقر تعديلا لمادة واحدة في نظامه الأساسي ثاني أيام انعقاده تسمح بإعادة انتخاب رئيس الهيئة العليا (أي رئيس الحزب) لدورة واحدة فقط، وبموجب هذا التعديل جرت إعادة انتخاب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني قائداً للحزب لدورة رابعة وأخيرة. وفيما اعتبر البعض ذلك مفاجأة وخروجا عما عرف عن حزب الإصلاح من صرامة تنظيمية وانضباط لائحي، فإن أكثر المراقبين السياسيين اعتبروا ذلك تصرفا ذكيا لعدة أسباب.. الأول أن الشيخ الأحمر ظل ولايزال أهم غطاء سياسي للحركة الإسلامية اليمنية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وكان غيابه عن رأس الإصلاح سيعتبر كشفا لهذا الغطاء الذي حمى الإسلاميين لحوالي أربعة عقود. والسبب الثاني أن بقاء الشيخ الأحمر على رأس الحزب أعطى المبرر لإعادة انتخاب الشخصيتين التنفيذيتين الأكثر تأثيرا وأهمية وهما محمد اليدومي الأمين العام، الذي تم تصعيده نائبا للشيخ الأحمر بدلاً من ياسين عبدالعزيز المراقب العام لإخوان اليمن، وعبدالوهاب الآنسي الأمين العام المساعد الذي تم انتخابه أميناً عاماً خلفا لليدومي، وبذلك حافظ الإصلاح على الشخصيات الثلاث الأكثر أهمية وفاعلية بتعديل لائحته وتدوير مواقعه. والسبب الثالث أن إعادة انتخاب الشيخ الأحمر حال بالتأكيد دون تصعيد نجله السياسي ورجل الأعمال (حميد) إلى أحد المناصب القيادية الخمسة الأكثر أهمية في الحزب، بعد أن تزايد تأثيره السياسي ولمع نجمه خلال العام الماضي كقائد سياسي معارض، ولم يحن الوقت بعد لتصعيد (الشيخ حميد) لموقع قيادي قد يجعله عمليا القائد الفعلي للإصلاح حتى لو كان منصبه هامشيا أو يقع في أسفل السلم القيادي. وفيما بقي اثنان من القيادات التاريخية للإخوان في قيادة الحزب وهما محمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي، فإن أهم شخصيتين كاريزميتين في تاريخ الحركة الإخوانية قد خرجتا من التشكيلة القيادية للحزب في هذه المرحلة وهما ياسين عبدالعزيز نائب رئيس الحزب والمراقب العام للإخوان منذ عام 1980م وعبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى الحزب والمراقب العام السابق للإخوان منذ عام 1969م وحتى 1980م. فالرجلان كانا وما زالا أكثر من ترك بصمات فكرية وتأصيلية في مسار الحركة الإسلامية اليمنية، وفي الوقت ذاته لم يجمع الرجلين أي علاقة ودية طوال السنوات السبع والعشرين الماضية، ليس فقط لاختلاف منهجية تفكيرهما تجاه الكثير من القضايا المثيرة للجدل، بل كذلك لأن الزنداني ظل يعتبر أن ياسين كان وراء إبعاده عن قيادة الإخوان عام 1980م. ولذلك فقد جاء خروج الإثنين من التشكيلة القيادية لحزب الإصلاح في مؤتمره الأخير وكأنه نوع من أنواع التسوية، لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال انحسار تأثيرهما في الحزب، فياسين عبدالعزيز ما زال يمسك بقبضة من حديد على تنظيم الإخوان وسيظل باعتباره المنظر الرئيس للحركة الإخوانية، أما الشيخ عبدالمجيد الزنداني فهو الرقم الصعب داخل هذه الحركة التي لم تستطع ابتلاعه أو التخلص منه.. ففي الوقت الذي تعتبره رمزا للتيار السلفي داخل الإخوان، وهو تيار يتناقض مع العديد من الأفكار الأساسية للمدرسة الإخوانية في قضايا الحريات والديمقراطية والمرأة والعلاقات الخارجية والفنون وغير ذلك، فإنها أيضا تخشى من أن اعتبار الولاياتالمتحدة أنه أحد العناصر الممولة للإرهاب ولتنظيم القاعدة قد يترك تأثيرا سلبيا على صورة حزب الإصلاح كحزب إسلامي معتدل يقبل بالعملية الديمقراطية ويمارسها ويعترف بنتائجها، رغم إدراك الإخوان أن التهمة الأمريكية باطلة تماما، إذ لم تستطع الإدارة الأمريكية حتى الآن تقديم أية أدلة تثبت اتهاماتها ضد الرجل. في كل الأحوال لا يستطيع أي مراقب سياسي حصيف اعتبار حزب التجمع اليمني للإصلاح حزبا متطرفا أو إرهابيا، فهو ظل عبر تاريخه الذي يمتد إلى أوائل الستينات من القرن الماضي صاحب سجل سلمي في نشاطه السياسي ويصعب إثبات أي تهمة عليه بممارسة العنف كعقيدة سياسية، وكان من أوائل الحركات الإسلامية في المنطقة العربية التي أصلت لأعضائها مبدأ الانفتاح والتعاون مع النظام السياسي القائم ورفض مبدأ التكفير للأنظمة، وكان للإصلاح سجل مشهود في التعاون مع الرئيس / علي عبدالله صالح في مقاومة تيارات اليسار الماركسي منذ الثمانينات حتى منتصف التسعينات، حيث أفرزت التعددية والتنافس الانتخابي خلافات تزايدت مع مرور الوقت بين الحليفين التقليديين المؤتمر الشعبي الحاكم وتجمع الإصلاح المعارض، وصلت ذروتها في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي عندما تحالف الإصلاح الإسلامي مع الاشتراكي والناصريين ضد مرشح الحزب الحاكم الرئيس صالح. لاشك في أن النتائج التي أسفر عنها المؤتمر العام الأخير لحزب الإصلاح لن تغير شيئا في مسار العلاقات القائمة بينه وبين حليفه السابق حزب المؤتمر الحاكم، فهي لن تزداد سوءا، كما أن الأفق لا يحمل أي مؤشرات تحسن إيجابي في العلاقة بينهما، رغم أن رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح الجديد الشيخ محمد علي عجلان من دعاة التقارب مع المؤتمر الحاكم. والأكيد أن اقتراب استحقاق الانتخابات النيابية بعد عامين فقط سيعيد التوتر للأجواء السياسية، وسيدفع كالعادة بالمعتدلين في كل الأحزاب السياسية للتشدد والتطرف في مواقفهم السياسية لإرضاء غرور القواعد وإثبات الولاء للقيادات.