لم تكن ملاحظتي وحدي، بل هي ملاحظة كثيرين من الأصدقاء الذين أعرفهم، وهي ملاحظة تصل إلى درجة من الخطورة إلى أن تصبح قضية لا تستحق مناقشة مجلس النواب، فللمجلس الموقر اهتماماته التي من أبسطها حل موضوع الجعاشن وارتفاع الأسعار وجنون وانتحار بعض المواطنين، مما نخشى أن يصبح هذا الأمر ظاهرة. الملاحظة ربما تستدعي جهات أخرى تبلغ من الكثرة إلى درجة لا يستطيع المرء إحصاءها ليس بالضرورة أن يكون من بينها دولارات المجتمع المدني فأنت تحدث صديقك، شخصاً ما في العمل، في الشارع، ابنك، زوجك، مدير الشرطة، أي آخر، فيخيل إليك أن الموضوع قد وصل بفضل إلحاحك إلى درجة أن يكون الآخر الذي تخاطبه قد استوعبه تماماً، وبعد عشرين ثانية، ثلاثين لا أكثر تحاول وعلى طريقة «الأصبور» جمع صبري أن تؤكد هذا الموضوع أو أن تستدرك لملحوظة أخرى ويا للهول يسألني الرجل: أيش، ما هو؟ وأحياناً بالفصحى:عم تتحدث!. ولا بأس أن تبدئ وتعيد في ذات الموضوع، وتطمئن أنه قد استوعب الحديث عن موضوع، كالوساطة لمدير المشفى ليتكرم بالأمر بعلاج الرجل الذي لا يسعفه فقره أن يذهب إلى جزار في عيادة ، عفواً إلى طبيب في عيادة، مضاءة «بنيون» فخم، فلما سألته هذا الصديق المتوسط الوسيط عما فعل يجيبك بانتباه مثير: عفواً يا أخي كانت البقالة مقفلة!!. وعندما تسأله مبهوراً، مبهوتاً: بقالة ماذا؟!. يجيبك: والله يا أخي ما أنا داري عن أي شيء حدثتني.. هاه موضوع البنزين المغشوش.. فتصمت، فيضيف: هاه موضوع القات المسمم، فلا تعرف ماذا تقول وكيف ترد. ولأن الموضوع جدير بالبحث، فإنك تكون أكثر «صبرياً» نسبة إلى الجبل الأشم «صبر» فتحاول أن تذهب إليه في منزله مساءً، لأن المساء أجمع للحس وأكتم للسر. وللحديث بقية..