هل بقي شك في أن العولمة بوجهها الكاسح قد اكتسحت فعلاً ؟ وهل بقي شك أيضاً أنه قد تم احتلال الإنسان قبل احتلال الأوطان؟!.. ثم من ذا سيتردد بعد في ملاحظة التحولات العالمية ؟ أليست الأرض تدور اليوم على غير طريقتها المعتادة ؟ ألا تدخل الأمة منعطفاً جديداً من تاريخ علاقاتها مع نفسها ومع الآخرين ؟ ألم تكشف الصهيونية بوجهها الأمريكي القناع عن غطرستها استخفافاً بالعرب والمسلمين في أجرأ حركة من تاريخها تجاه الأمة العربية والإسلامية لشيء ما؟!. لقد تقارب الزمان ليكشف عن منأى ، والعالم يتمايل بين دول تتحد وتقتل وأخرى تتمزق وتتفرق ..وبرموز تقوم وأخرى تنهار.. فانطلاقاً من الاتحاد السوفيتي وسقوط سور برلين بدلالاته العميقة حتى احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية العالم الإسلامي والعربي غازية بلا قناع أول عملية احتلال عسكري في القرن الحادي عشر الميلادي ، تدخل بخلفيتها الشمولية المتطرفة الجامعة بين المطامع الاقتصادية والايدلوجيات المسيحية والصهيونية .. فكانت العراق أول نقطة للعبور إلى غزو جديد للأمة العربية والإسلامية بتجليات متعددة قد تختلف مظاهرها من قطر إلى قطر ولكن هدفها واحد هو الهيمنة العولمية الحديدية على العالم الإسلامي والعربي وهنا تعددت الأشكال والموت واحد. إن الغزو الإسلامي والعربي في صورته الجديدة الحاصلة اليوم لهو صفعة قوية في وجه الأمة ليس فقط من حيث هي أنظمة خائفة أو متخاذلة أو متواطئة ولكن أيضاً من حيث هي مشاريع نهضوية فكرية وقومية ووطنية بل حتى إسلامية أيضاً ولم لا ؟ لقد انتهى زمن وكالة الأنظمة العربية فالآن أمريكا هي التي تعتقل وهي التي تحاكم وهي التي تصادر وتلقي القبض على من تشاء ،كما تشاء فأيما خطيب أو مفكر أو داعية أو ربما حتى عابر أزعجها بكلمة أصدرت أمرها باعتقاله وتلقي القبض عليه هي بنفسها هنا أو هناك في أي مكان من خريطة العالم الإسلامي والعربي. والسؤال الجدير هو: أين الخطط والبرامج والاستعدادات،إلى متى ونحن مشتتون والغرب يخططون لاختراقنا أكثر من مرة ،ثم أتت عولمة النظام العالمي الجديد على آخر مابقي من الأمة العربية والإسلامية التي لم يعد لها غير ضجيج المظاهرات وصراخ المهاترات ،إلى متى ونحن متشبثون بوهم «إننا قادمون» والواقع يشهد أننا مزاجيون ، تماماً كما تشبث نظام العراق السابق بأوهام لم تلبث أن دكتها الدبابة الأمريكية ولم تستطع أضواء كلماتها الرنانة في الفضائيات أن تجديها بشيء؟!.. لقد آن الأوان فعلاً اليوم لنجدد النظر في الأساليب التربوية والمنهجية والتصدي لما يسمى التغيير الجذري والحر من مناهج التربية والتعليم والدين والعمل بصوت واحد لمجابهة الإصلاحات القسرية المستقاة من هيمنة وجبروت واستبداد مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد.. بيد أن التحولات العالمية الحديثة وصورتها العولمية التهويدية سائرة في اتجاه تغيير بنية المجتمعات العربية والإسلامية وذلك بمخاطبة إرادة الشعوب مباشرة وتجاوز الوسيط السلطاني الذي لم تعد له به أية مقومات لإقناع الشعوب وخاصة أن القوى الاستعمارية العالمية تدرك جيداً أنه اليوم أكثر من أي وقت مضى لا يملك إرادة الشعوب، فالعولمة في صيغتها الأمريكية الاستهلاكية لا تسعى إلى إخضاع العالم الإسلامي والعربي عسكرياً واقتصادياً فحسب على طريقة استعمار القرن التاسع عشر والعشرين ولكنها تسعى إلى إخضاع الإرادات وبعبارة أدق احتلال الإنسان.