زمان عندما كنا أطفالاً كانت لعبتنا المفضلة «من لاقى صاحبه حنجله» كبرنا وكبرت هذه اللعبة معنا.. دون ان تتغير أصولها كثيراً.. فقط تغيرت نفوس من يلعبها وأصبح من يلاقي صاحبه يحنجله ليس ببراءة الأطفال بل بنفوس مريضة لا تحب الخير لأحد. تلك اللعبة التي سلتنا وتعالت معها ضحكاتنا حين كان يقوم أحدنا بإسقاط الآخر على الأرض لم نكن يوماً نظن بأنه سيأتي من يرمينا على رؤوسنا دون رحمة ليس للتسلية والمرح بل لحقد أو لضحك على الذقون. لو سئل أحد عن مثله المفضل في هذا الزمان لقال «اتقِ شر من أحسنت إليه».. لدرجة ان العلاقة بين الأصدقاء باتت مسيجة بتحصينات من الحيطة والحذر.. بعد أن أثبتت الأيام أن بعض الصداقات مفخخة وأنها قد تحولت إلى أفخاخ يعدها الاصدقاء «ليحنجلوك» ليس لإضحاكك وتسليتك وإنما للضحك عليك والتسلية بك والسخرية منك.. قد يقع الإنسان ضحية نصب واحتيال من شخص لا يعرفه لكن الطامة الكبرى أن يحتال عليك صديقك. قرأت للأستاذ/عباس غالب مقالاً عن القدرة الخارقة التي يتمتع بها المحتالون في إقناع الناس وأخذ ما لديهم من تحويشه العمر عن طيب خاطر هذا المقال الذي لم ينشر وضاع في زحمة الورق .. أعطى صورة مبسطة لفن النصب والاحتيال على اعتبار أن امتهان ذلك العمل المهين يحتاج إلى قدرات لاتأتي في يوم وليلة بل تراكمات تبدأ من نشأة الطفل التي تربى وترعرع عليها ثم تتحول إلى سلوك يمارس خلال فترة الشباب إلى ان تتحول إلى مهنة أو وظيفة يقتات منها على حساب الآخرين حتى وان كانوا أقرب وأحب الناس إليه. كثيرون هم السذج وكثيرون من يقعون ضحايا النصب والاحتيال وقد اكون ممن وقع ضحية شخص كنت أظنه صديقاً.. واكتشفت انه محتال كبير كل يوم له قصة وكل يوم له عذر وشهر يجر شهراً لا يخرجك إلى طريق وعلى رأي المثل «ما.. إلا صديقك» فالحياة مدرسة تعلم حتى« المبلم». فالحكمة اليمنية تقول السعيد من اتعظ بغيره.. والشقي من اتعظ بنفسه وعلينا أن نستفيد من تجاربنا حتى لانكون الشقي الذي لايتعظ إلاّ بقراح الرأس.