العنوان مركب من جزئين:الكلية والباص. وسنبدأ حديثنا عن الكلية فالكلية ظلت حلماً قرابة عشرين عاماً على الأقل،لكن الحلم لم يخمد ظل يراود كثيرين، حتى تصدى له رئيس الجمهورية، ولأسباب تتعلق بالمستقبل وباليمن الجديد.. في بقعة قاحلة توقف رئيس الجمهورية ومن معه من نفر قليل واستهل احتفاله بافتتاح الكلية، وألقى كلمة دعا فيها أبناء مارب إلى وقف الاحتراب والثأر لمدة خمس سنوات قادمة. هذه الخمس السنوات لها مغزى، حيث ستنتهي عام 2011م، ستكون الكلية قد أخرجت دفعتين من طلاب مارب الموزعين على اللغات والآثار والحاسوب والكيمياء والفيزياء والأحياء. هولاء هم الذين سيتقلدون بناء الغد، إذاً فقد كان رئيس الجمهورية حكيماً في اختيار الفترة الزمنية. لقد خاطبهم بقوله،إننا مجتمعون هنا تحدونا فكرة واحدة هي الإخلاص للوطن وبناء اليمن الجديد. وإننا إذ نعلن فتح جامعة في مارب فإن هذا لن يكون عملاً من أعمال الرقي فحسب بل سيزيد من قيمة رؤوس الأموال التي ستفد إلى المحافظة عن طريق السياحة والاستثمار.وتوجه بحديثه لكل أبناء مارب قائلاً: سوف يبدأ كل منكم بالصلح ووقف الثأر،واذكروا وأنكم بهذا لن تحقنوا الدماء فقط، ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم ولبلادكم.هذه حكاية الكلية، فماهي حكاية الباص؟! من المتعارف عليه أن أية كلية تنشأ فإنها تحصل على باص ينقل أعضاء هيئة التدريس، ونتيجة لأن مارب لم تدخل بعد مرحلة الاستقطاب ،فإن الكلية لم يصرف لها باص،سوى أن جامعة صنعاء تبرعت لها بباص مؤقت كان يقطع المسافة بين صنعاء ومأرب في زمن قدرة ساعتان ونصف كان هذا الباص يصرف زيتاً، ونتيجة لعدم اعتماد قيمة زيت كان سواق الباص يشتري زيتاً شبه محروق على حسابه الخاص لتزويد الباص به،ولما وصلت الشكوى إلى إدارة الحركة أمرت بإدخال الباص إلى الورشة التابعة للجامعة فتم توظيبه بمبلغ مليون ريال ليقطع المسافة بعد ذلك في ثلاث ساعات ونصف، مما يجعل أعضاء هيئة التدريس يتأخرون محاضرة كاملة. كل يوم يصعد أعضاء هيئة التدريس إلى الباص وقد كتبوا وصيتهم ويتوقعون أن تحل بهم كارثة في أي وقت ومع ذلك يفسحون الوقت لمساحات من الكلام والدردشات البعيدة عن الدرس الأكاديمي فهذا الدكتور يوسف مدرس علوم القران يحدثك عن خلق آدم وخلق حواء من ضلعه الأيسر وكيف خلق وطوله ستون ذراعاً وإذا خالفته في ذلك فأنت منكر للقرآن والسنة ثم تسمع الدكتور محمد العروسي وهو يحدثك عن مساجد اليمن التاريخية وكيف تتعرض للهدم من قبل مجموعة تجارية بحجة بناء مساجد جديدة إنه يمتعك في الحديث عن الآثار اليمنية وتشعر بالحزن في نبرات صوته وهو يتحدث عن تهريب الآثار ومحاولة طمس التاريخ اليمني. ويجلس إلى جواره الدكتور أنمار والدكتور عبدالستار وهما عراقيان يتحدثان عن كيفية مضاعفة الجهد داخل الكلية وكأنهما يمنيان وتارة ينقلان الحديث إلى العراق وسياسة أمريكا في المنطقة ويبشران بالخلاص.. ومن مقدمة الباص يصعد صوت الدكتور أمير وهو مليء بالتأمل والحكمة وقائمة الأسماء تطول ولامجال لسردها كل مافي الأمر أن هولاء يقطعون المسافة بين صنعاءومارب ذهاباً واياباً وأيديهم على قلوبهم والخوف كل الخوف أن تحدث كارثة يكون هؤلاء ضحيتهامع العلم أن الكلية تمتلك ميزانية لانعلم من يقف وراء عدم صرفها.كما أن وزارة النفط تبرعت بباص للكلية لانعلم أين ذهب ولاكيف اختفى. إن قرار رئيس الجمهورية بإنشاء الكلية،ينبغي ألاَّ ينتقص بعدم منح هذه الكلية حقوقها ومن هذه الحقوق صرف باص أسوة بباقي الكليات الأخرى، فالقرار كان حكيماً بكل تأكيد، وإحقاقاً لحق طال ضياعه فهو يكتسب يوماً بعد يوم تقدير الأيام والتاريخ ، وسينصفه تطور هذه الكلية حين تتحول إلى جامعة تعمل على تغير الوعي وماهو أكثر من ذلك فهذه الجامعة على المدى البعيد ستخلق تجمعاً سكانياً عريضاً يعمره مئات الآلاف من أبناء المحافظة بالبيوت والمزارع والمدارس والمصانع والحقول رزقاً حلالاً طيباً تباركه بكل تأكيد أرواح الأجداد البسطاء الذين بنوا بعظماهم،وأشواق قلوبهم المذبوحة، ذلك السر العظيم. إن الكلية تستهدف الشباب بوصفهم يمثلون طاقة بناءة تثري الحياة في الحاضر وتؤسس للبقاء في المستقبل،أو تنفجر عنفا وجنوحاً ينسف الذات وينسف الآخرين، وينسف الحاضر ومعه المستقبل. وعليَّ أن أهمس هنا في أذن الرجلين اللذين كان لهما الجهد الأكبر في تسيير دفة الكلية إلى الأمام وهما الدكتور عبدالله النجار والدكتور بكيل الولص، وأقول لهما : عليكما ألاّ تستسلما للقات الذي يرسم لنا طريق «ضياع الوقت» وعلينا أن نفكر جميعاً في إيجاد البدائل لاستقطاب طاقة الشباب وتفعيل طموحهم وكشف ماوراء الفراغ من خطورة. والشكر موصول للأخ المحافظ الذي يرعى هذه الكلية كما هو موصول للأستاذ الدكتور خالد طميم رئيس جامعة صنعاء فهو مطلوب منه أن ينقذ أعضاء هيئة التدريس بشراء باص جديد يحفظ لهم حياتهم. لقطة : أعضاء هيئة التدريس في كلية «التربية أرحب» يشكون من باص الكلية الذي يعاني عيوباً إضافة إلى عدم استيعابه المدرسين).