ما يبدأ بفقاعة سرعان ما ينتهي، وإذا كان شكل الفقاعات جميلاً فإنها تتلاشى بمجرد ملامستها باليد أو تعرُّضها للهواء، وإذا كانت الإثارة والإتيان بألفاظ أو عناوين مثيرة يمكنها أن تجذب الانتباه إليها فإنها لا تصلح إلا للاعبي السيرك الذين يُمتّعون الجمهور الباحث عن التسلية والذي يعرف أن ما يجري ليس جاداً وليس حقيقياً وإذا ما نظرنا إلى ما جرى خلال الأسبوع الماضي سنلمح نفس المشهد، مع الفارق أن الجمهور لا يعرف ما يجري.. وزير المالية السابق/سيف العسلي الذي قال أثناء تقلُّده منصب وزير المالية: «قليل من الكلام، مزيد من العمل» عمل عكس ذلك، حيث أكثر من الكلام، وقلل من العمل، ولم يثر وزير من اللغط حوله مثلما أثار العسلي، ولما أدرك أن سياسته الفاشلة قد انكشفت، وأن أصواتاً عديدة ارتفعت متسائلة عن الإصلاحات التي زعم الوزير أنه يقوم بها قدم استقالته من وزارة الصناعة والتجارة، مع العلم أن هذه الوزارة تعد من أهم الوزارات. ولو كان الوزير لديه رؤىة واضحة لتنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي لما رفض حقيبة الصناعة ولحاول النهوض بهذه الوزارة خاصة أن الصناعة في بلادنا تحتاج إلى جهود عالية لإرساء دعائم حقيقية لتطويرها. أما وزير الثقافة/خالد الرويشان فهو المسؤول عن الدور الثقافي، وعن أسباب انهياره وتراجعه أمام ثقافة التطرف التي تغلغلت في حياة الناس وظهرت معالمها في صعدة ومأرب وعمران. لقد أصم الوزير آذاننا في ما أنجزه في صنعاء عاصمة الثقافة العربية، وكأنه أنجز المسرح والسينما، وعمل على تطوير الموسيقى، وتشجع الدراسات الأكاديمية المتخصصة، ودعّم الكتابات السردية، وبنى المراكز الثقافية في كل عواصم المحافظات. إن الذين يرصدون إنجازات الوزير لا علاقة لهم بالثقافة، فهم يغفلون أن الرجل كان يملك ميزانية ضخمة بدّدها على المعارض التشكيلية وحضور احتفالات العواصم الثقافية العربية بفريق مكون من ثمانين شخصاً تقريباً لا علاقة لهم بالثقافة على الإطلاق؛ بدليل أن في كل رحلة من هذه الرحلات كان البعض يرتكب أشياء مشينة تسيء إلى اليمن!. للرويشان إنجاز وحيد لا يمكن إنكاره هو تأثره بوزير الثقافة المصري الفنان/فاروق حسني، فقد حاول الرويشان ترسم خطا فاروق حسني في كل شيء حتى في اللغة، لم يعد يتحدث الرويشان إلا المصرية ويفتتح المعارض التشكيلية، وتعزف الفرقة الموسيقية في كل وقت وحين معزوفات كوكب الشرق أم كلثوم. فاروق حسني فنان تشكيلي وطبيعي أن يهتم بالفن التشكيلي، لكن الرويشان كاتب قصة، ومع ذلك حارب كتّاب القصة حرباً لا هوادة فيها. أعود فأقول إن الوزيرين وجدا فرصة لإثارة فقاعة ضخمة من أجل مد فترة الصلاحية التي انتهت بالنسبة لهما؛ الأول عن طريق تقديم الاستقالة، والثاني بدفع مجموعة من صغار المبدعين والمبدعات البائسين الذين يقعون تحت وطأة الجوع ولقمة العيش والاضطهاد، ووصل الأمر إلى حد تسول المنصب الوزاري والزج بالبسطاء وأنصاف المبدعين إلى معركة ليست معركتهم، لقد ذهب هؤلاء إلى أمام دار الرئاسة للمطالبة بعودة الرويشان بطريقة تسيء إلى الوزير الجديد وتهدر الثقافة وقيمة المثقف، وتحوله إلى تابع مهيض لسيادة الوزير الذي لا يجد ذاته إلا على كرسي الوزارة!. إن جل من خرج في هذه المسيرة يعرف أن الرويشان لم يقدم شيئاً للثقافة سوى أنه أفرغ المشهد الثقافي من محتواه، لقد علّق أحدهم على المسيرة بقوله: إنهم يشبهون مجموعة من المحتالين الذين يريدون بيع منزل متهدم وآيل للسقوط بتزييف واجهته وتلوينه بألوان فاقعة؛ لكن الزمن كفيل بفضح هؤلاء وكشف حجم الخراب والتزوير الذي أسهم هؤلاء جميعاً في صنعه. ألم يكن بوسع الوزير طوال السنوات الماضية التي تولّى فيها الوزارة أن يحدث نهضة ثقافية تصل إلى المواطن العادي في مأرب والجوف وشبوة وصعدة والمهرة تساعده على تجاوز الجهل وتجاوز الأمية الثقافية؟!. إن من خرج في هذه المسيرة كان على يقين بأنه على باطل؛ لأن مهمة المثقف لا تتوقف عند جعله بوقاً للأشخاص يمجدهم ويعلي من قيمتهم، وإنما مهمته أن يتحول إلى سلطة عملية، سلطة احتجاج ورفض ورغبة في التغيير. رسالة لوزير الثقافة الحالي الدكتور المفلحي: أحياناً ننتقد الآخرين ونتهمهم بالتقصير في أعمالهم، دون أن نسأل أنفسنا: كيف فقد هؤلاء القدرة على العمل، ولا في أي ظروف، لذلك فالمطلوب منك ألا تقع فيما وقع فيه من سبقك، وعليك ألا تجعل المثقفين ينقسمون إلى حزبين، وعليك أن تكون صبوراً، وتيقن بأنك لست وحدك الذي يريد أن يحقق مشروعاً ثقافياً في هذا البلد، فهناك الكثيرون من المثقفين يمتلكون هذا الإحساس، فالوزير بمفرده لا ينتج ثقافة ما لم يرتبط برغبة المثقفين، وهناك تتحول الثقافة إلى فعل اجتماعي شامل.