عشرات المثقفين والمثقفات خرجوا أمس بمسيرة صامتة إلى دار رئاسة الجمهورية، ليس احتجاجاً على ظلم أحد الوزراء، ولا للمطالبة برفع المرتبات بل المطالبة بإعادة وزير الثقافة خالد الرويشان إلى منصبه. قبل ستة أشهر تقريباً توجه نحو عشرة مثقفين مصريين إلى دار الرئاسة في القاهرة وتقدموا برسالة إلى الرئيس/حسني مبارك مطالبين إياه بإعادة الوزير فاروق حسني إلى وزارة الثقافة بعد ان تم اقصاؤه.. ويبدو ان الرئيس المصري اقتنع بوجهة نظرهم فأصدر قراره بإعادة الوزير إلى الثقافة، فكان ذلك سابقة عربية لم يسبق ان عرفها أحد في بلد عربي آخر. أمس كان المشهد اليمني أكثر روعة، فقد وفدت إلى صنعاء مجموعة من الأخوات من «بيت الفن» في محافظة الحديدة، والتحقن بسواهن ممن قدمن من محافظات تعز، إب، ذمار، عمران، الضالع، وأمانة العاصمة ليكونوا مسيرة رمزية، ويتوجهوا إلى الرئاسة حيث الرئيس/علي عبدالله صالح، الذي علمهم ذات يوم ان الديمقراطية وسيلة سلمية آمنة لنيل المطالب المشروعة.. وهاهم اليوم يفدون عليه مؤكدين له أنهم تعلموا الدرس، وانهم يمارسونه بأدق قيمه الاخلاقية، وأنهم يستثمرونه ليس من أجل مكسب لأنفسهم، أو امتياز يرفع دخولهم المعيشية، بل من أجل إعادة رجل إلى منصبه لانهم يعتقدون انه بدأ مشواراً وعليه اكماله. استوقفني المشهد بكل اللافتات التي حملها، وبكل المشاركين والمشاركات، وبالطريقة المنظمة والهادئة التي شق طريقه بها إلى دار الرئاسة.. واستوقفني رئيس الجمهورية وهو يخرج من مكتبه ليتأكد ان شعبه فعلاً مستوعب المرحلة، وانه مثلما تعلم الخروج بتظاهرات احتجاجية تعلم أيضاً الخروج بمسيرات تأييد ومناصرة، بل مسيرات تناصر أحد وزراء دولته.. فالأخ الرئيس يعرف جيداً أننا شعوب لانرضى على مسؤول حكومي مهما بذل لنا، وكل واحد منا يريده «تفصول» على مزاجه. اعتقد ان الموقف جديد، وان هذه الثقافة جديدة على ممارساتنا لكن بالتأكيد أنها مؤشر قوي على نضوج تجربتنا الديمقراطية ووعينا بمصالحنا الوطنية.. وهو في الوقت نفسه مبعث تفاؤل بأن بلدنا بخير، ومسؤولي حكومتنا بخير، وطموحاتنا بألف خير، وثقة الجماهير برئيسها بكل خير لذلك لجأت إليه جموع المثقفين والمثقفات رغم ان الفكرة جديدة وغير مسبوقة في ممارساتنا الديمقراطية. وفي الحقيقة إن الاستاذ/خالد الرويشان بنى أسرة ثقافية كبيرة، واحتضن الناشئين من الشباب والشابات وبحسب عملي كصحافي أعرف أن الأخوات القادمات من الحديدة إلى صنعاء هن إحدى ثمار تشجيع خالد الرويشان الذي فتح لهن العديد من المعارض الفنية في بيت الثقافة ودعم بيت الفن الذي فتحنه في الحديدة.. وهناك غيرهن تجارب كثيرة يعود للرويشان فضلها. لست بصدد الشهادة لأحد، ولاتزكية الرويشان الذي لم تسعفني الفرصة للتعرف عليه عن كثب ولعل المرة الوحيدة التي قدمت فيها على مكتبه سألني «أنت صاحب أبين» ؟ ومن يومها وأنا أدقق بوجوه أبناء أبين لأتعرف على وجه التشابه بيني وبينهم.. لكن أعتقد أن بادرة المثقفين والمثقفات لم تأت من فراغ، لابد من وجود دوافع لها، ومبررات خاصة عندما تأتي من الشريحة المثقفة ومع ذلك لا اعتراض لأحد على خيار الرئيس/علي عبدالله صالح، لأنه الأفضل بيننا في المفاضلة واتخاذ القرارات. لكنني في الختام أود التفكير بأن رهاننا على الشباب الواعي، والمنفتح.. وأن التحديات الراهنة هي تحديات فكرية وليست عسكرية.. ونتمنى ان تعطى لوزارة الثقافة أهمية بقدر وزارة الدفاع والداخلية فكلاهما صمام أمان أمن المجتمع واستقراره.