إن المدرسة والحديث عنها أصبحا في مجتمعنا من المعاناة بمكان، وغدا الأمر شائكاً، وليس من السهل أن تجد لسؤالك إجابة، ولا لحديثك عن هذا الموضوع صدى، ولذا كان الولوج في الموضوع مفتاحاً لتعب وكلام لم يعد يأبه له أصحاب الشأن؛ لأنه كما يقال تلك المحن التي أصابت مدارسنا تعد من البدهيات؛ بينما في مجتمع آخر كوارث توجّه إليها كل الإمكانات.. ليس هذا تحاملاً على مدارسنا التي لم تعد تحمل الأمانة بجدارة، ولا تنتمي من حيث الشكل والموضوع إلى حقل تربية وتعليم الإنسان، وإنما شعورنا جميعاً بالحسرة والحزن على أجيال تجد نفسها ضحية لسوء الإدارة والتربية والتنظيم والتعليم، ولمعلمين وجدوا أنفسهم في مأزق التجهيل كرد فعل على سوء الأوضاع، وما علموا أنهم بهذا الفعل يغامرون بقتل اليمن حاضره ومستقبله. متى يشعر المعلمون أنهم يحملون رسالة سامية بغض النظر عن الأجر الزهيد الذي يحصلون عليه؟!. ألا يشعرون بالحرج حين يمر الطالب بين أيديهم الست السنوات الأولى ولايزال غير قادر على القراءة والكتابة، ويستمر بذلك الضعف ولا يتحرك ضمير المعلم ليقول إن هذه جريمة بحق الوطن قبل الإنسان؟!. يتحول التلاميذ الصغار إلى فرق متعددة للمشاغبة والمشاكسة وتكسير الكراسي ونوافذ وأبواب المدارس، ويحاولون عبثاً الكتابة التي شعروا بحرمانها على الجدران والطاولات وبعضهم يتآمر لضرب المعلم فلان!!. للمعلم هيبته ووقاره ومكانته، إدارات المدارس ومكاتب التربية وإهمال المعلم نفسه دفع بالتلاميذ إلى التطاول على المعلم وضربه في بعض الحالات، ولا يستشعر هذه المصيبة والكارثة أحد من المعنيين بالتربية والتعليم، وكأن الأمر عابر وليس له أهمية، لأن ثمة تسيباً جعل تلك الظاهرة تستفحل وتتضخم حتى أصبحت أمراً مشاعاً في حياتنا. الأخ وزير التربية.. هيبة المعلم إن فقدت؛ فقد معها حب العلم واحترام المعرفة، وتحول النظام التربوي إلى كارثة، لأن الحالة تعددت وتفاقمت. كما أن فقدان المعلم مكانته وحقه ساعد في فقدانه ثقته بنفسه، وبالإدارة المدرسية كلها. وهذا في اعتقادي حجر الزاوية لعدم شعوره بعظمة الرسالة والأمانة التي تحملها، ولابد من الوفاء بها، وتحول من صاحب رسالة عظيمة إلى موظف تنتهك حقوقه إدارات المدارس ومكاتب التربية في المديريات والمحافظات ؛ الذين لم يعودوا ينظرون إلى المعلم على أنه وارث مهنة الأنبياء والمرسلين والمصلحين ورجال التنوير والإيقاظ وبناة العقول والمجتمعات الإنسانية الحية والمتقدمة؛ بل إلى شخص بائس الجميع يترصده ويسعى إلى النكاية به وسرقة لقمة عيشه وإذلاله!!. إننا لم نعد نضعه في مكانه اللائق به، قهرناه بإدارات مدرسية ومكاتب لا ترحم، يجري وراء راتبه الذي لا يسلم القص والتنكيل!. كيف سيكون حاله ونفسيته في الفصل الدراسي وهو يعطي أو يراقب أو يصارع ارتفاع الأسعار؟!. فبأي لسان نطالبه بزيادة الجهد لتغيير حال مدارسنا من الداخل وهي في أيدي مديرين ووكلاء لا يصلحون لقيادة أنفسهم إلا من رحم الله، همّهم الجباية وتحصيل الرسوم وكشف الغياب. ويا ويل المعلم أو المعلمة ألا يكون ولاؤهما خالصاً لمدير المدرسة، وما دون ذلك فلتذهب المدرسة والتلاميذ والمعلمون إلى الجحيم!!. شيء مفجع يدعونا إلى الوقوف كثيراً أمام هذا التدهور الحاصل، ومن ثم السعي الجاد إلى إعادة تربية وتأهيل مدارسنا من الداخل؛ لأنها بوابتنا؛ إما إلى مستقبل واعد أو زمن جامد خارج التاريخ.