إن الأحداث والمحن والصراعات الداخلية في دهاليز البيت الواحد تخلّف الكثير من التعب والإرهاق والمكايدات، وتحدث خللاً في علاقة المرء بذاته ومشاعره وأحاسيسه، وتحتاج النفوس حتى تصفو إلى صبر وتعهد واقتراب ومعالجة فائقة للأمور الشائكة حتى يلتئم الجرح وتعود العافية تربط الحقيقة والحلم بين هذا وذاك، وتلحم ما يمكن أن يشكل يوماً ما مدخلاً لتعب وإقلاق السكينة وإثارة الأحقاد والضغائن ومن ثم عودة الغيوم السوداء فوق أحاسيسنا من جديد.. إن أحداث صيف 94م التي انتهت عسكرياً يوم 7 يوليو من نفس العام لا يحسب نصراً لأحد، ولا هزيمة لأحد أيضاً، بل هو يوم الجماهير اليمنية كلها من المهرة حتى صعدة؛ ثبتت فيها وحدتها، وأعادت الاعتبار لليمن الأرض والإنسان. أكدت الجماهير اليمنية أن الوحدة ليست ملك الجماعتين نصفهم في الشمال ونصفهم الآخر في الجنوب، متى ما أرادوا أن يعيدوا التاريخ إلى الوراء أمكنهم ذلك. لا .. ليس الأمر بهذه السذاجة، ولا الوحدة اليمنية رخيصة إلى حد الاستهتار من هذا أو ذاك، إنما هي نتاج لنضال اليمنيين جميعاً دون استثناء وهدفهم الأكبر، وليس ثمة ما يدعو إلى استرخاصها أو التفريط فيها، لكونها عنوان شرف لوطن وعرض لشعب بأكمله، ومن هذا الذي يفرط في عرضه وشرفه وكرامته ومستقبله؟!. تحملت الجماهير اليمنية نتائج تلك الأحداث وتداعياتها اقتصادياً واجتماعياً، وما أعلنوا الشكوى لأحد غير الله الذي قال لنا جميعاً: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». ولابد في المقابل من الوقوف عند خطواتنا التي قطعناها حتى الآن لنرى ما إذا كنا نسير في الاتجاه الصحيح وأعمالنا كلها تصب في تحقيق الغايات والمقاصد التي ضحّى من أجلها خيرة رجالات وشباب اليمن، وإعادة تقييم مؤسساتنا وأجهزتنا ومرافقنا والأهداف التي تحققت والتي لم تتحقق بعد، كل هذا ليس ترفاً ولا تضييعاً للوقت والجهد؛ وإنما تعزيز وتثبيت للمراقبة والمحاسبة وإعلاء لمبدأ الثواب لمن أحسن، والعقاب لمن استهتر وأفسد. إن الوحدة اليمنية بحاجة إلى أن نثبّتها أكثر فأكثر، ونقوّيها ونعلي من شأنها ونضعها ضمن الثوابت التي لا تمس ولا يُستهان بها؛ وذلك بإعادة تقييم أنفسنا وتربيتها على الطموح الذي يصب في مصلحة ونماء وتنمية الجماهير اليمنية وتحريرها من الفقر والبطالة والضرب على أيدي الفاسدين والعبثيين الذين أضروا بفسادهم مصلحة واقتصاد اليمن، وهؤلاء أشد ضرراً على الوحدة الوطنية من الصراعات والحروب؛ لأنهم ينخرون كالسوس، ويأتون على الأخضر واليابس. ولو أننا وجّهنا امكاناتنا وجهدنا في تخليص البلاد ومؤسساتها ومرافقها من اخطبوط الفساد، ورميناهم بالنظام والقانون وهيبة الدولة، فإننا بهذا نكون قد ثبتنا قواعد وأسس الوحدة اليمنية أكثر فأكثر، وأثبتنا لأنفسنا وللعالم أننا أكبر وأقوى من اخطبوط الفساد، ونتأكد ونؤكد أننا قد نظفنا البيت اليمني من «مصاصي الدماء» والقوارض البشرية. راهنت الجماهير اليمنية رغم كل الأحداث التي مرت بها على بناء اليمن الجديد ولايزال رهانها قائماً، وعلينا أن نكون في مستوى هذا الرهان وهذا الإصرار على ان نكون. لنقف إذاً أمام المرحلة ونقيم لنعرف أين نجحنا، وأين أخفقنا، أين سرنا بخطى جيدة، وأين تعثرنا، وهل يلزمنا إعادة ترتيب وتأهيل البيت اليمني كلما سرنا أو قطعنا خطوات؟.. ليس هذا ترفاً ولا عيباً؛ بل هو سيكون مصدر قوة وثبات خطواتنا القادمة. لنكن من الشجاعة بمكان ونعيد قراءة الملفات والقضايا والمراحل والمواقف والظروف والأحداث قراءة متأنية منصفة ومحايدة، ومن ثم نقوم بجدولة القضايا والمعالجات المهم فالأهم وعلى مستوى الساحة اليمنية كلها دون استثناء أو بخس أو خجل أو إقصاء، فستكون خطواتنا هذه حياة جديدة وطاقة فريدة للوحدة اليمنية، ونهجنا الديمقراطي التعددي وحرية التعبير وحماية الحقوق والحريات، وهي في الوقت نفسه معالجة شجاعة وموضوعية لكل ما يهمنا ويقلق سكينتنا على مستوى الساحة اليمنية من أقصاها إلى أقصاها. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.