اليمن ليست البلد الأول الذي يستهدف الإرهاب صناعته السياحية، فقد تعرضت مصر لهجمات تعد الأشد ضراوة في «شرم الشيخ» و«الأقصر» الأمر الذي يثير السؤال : لماذا السياحة !؟ هناك ثلاثة أبعاد في استهداف السياحة : اقتصادي، أمني، ومعنوي.. فالعمليات الأولى التي نفذتها الجماعات الإرهابية ضد المدمرة الأمريكية «كول» والناقلة الفرنسية «ليمبرج» أظهرت أن الإرهابيين يراهنون على ايقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر المادية بالجهات المستهدفة، لذلك بدأوا نشاطهم من الممرات البحرية الحيوية لتكون الخسارة غير قاصرة على الأهداف المضروبة، بل أيضاً للإضرار بالنشاط التجاري الدولي من خلال إضعاف حركة السفن، وأنشطة الموانىء، ورفع تكاليف التأمين، ومضاعفة خدمات الحماية الأمنية. وهذا النهج يفسر الجانب الاقتصادي من استهداف السياحة في بلدان تعتبرها أحد الموارد الرئيسية للدخل القومي، كما هو الحال مع اليمن ومصر. أما من حيث البعد الأمني فإن السياحة تعد من أسهل الأهداف التي يمكن الوصول إليها كون المواقع السياحية غالباً ما تكون مفتوحة وليست محصنة بأسوار كما المنشآت الاقتصادية، باعتبارها بقايا مدن أو بيئة طبيعية ساحرة، بالاضافة إلى تعدد أماكنها، بجانب الحرية الحركية التي يفضل السائح التمتع بها لاستكشاف العالم الجديد الذي يزوره.. لهذا يصعب جداً حمايتها، فتصبح مثار أطماع الإرهابيين..أما من حيث البعد المعنوي، فإن أية عملية إرهابية تطول موقعاً سياحياً فإن الضحايا لابد ان يكونوا من السياح الأجانب، وبذلك فإن الأصداء ستأخذ بعداً دولياً، ولن تبقى شأناً محلياً، ولعل سعة ردود الأفعال والأصداء الإعلامية تعدها الجماعات الإرهابية، مكسباً لنفسها ؛ نظراً لأن هذه الجماعات لا تمتلك قضية محددة «تناضل» لأجلها، بقدر ماهي مدفوعة بنزعة إلحاق الضرر والألم بالبشرية الذي تقيس على حجمه نجاح عملياتها . إن هذه الجماعات ليست غبية كما هو حال استهانة البعض بهم بل هي تفكر بطريقة سلبية وشيطانية، إذ أنها تسخر عقولها ومعارفها لفعل الشر، وبالتالي فهي تدرك ان الشرط الأساسي لانتعاش السياحة هو الأمان والسلام وهو ما يجعلهم يعتبرون أي تفجير في موقع سياحي حتى وإن لم يتسبب بسقوط ضحايا بمثابة ضربة قوية للسياحة تفقدها أحد أهم مرتكزاتها المتمثلة بالاحساس بالأمان. أمس تحدث المسؤولون في وزارة السياحة عن خطط لتكثيف حملات الترويج السياحي في الإعلام الخارجي بهدف امتصاص الأثر الذي خلفه حادث التفجير الانتحاري في مأرب.. إلا أن ذلك يبدو ليّ اجراءً غير موفق في الوقت الحاضر على الاقل، لأننا الآن بحاجة إلى نقل صور مختلفة من الداخل إلى الخارج، نؤكد من خلالها استتباب الحالة الأمنية وليس جمالية اليمن أو كنوزها التاريخية.. ففي الوقت الحاضر مهما تحدثنا عن اليمن للآخرين نجد أفكارنا تصطدم بالقلق الأمني الذي يجول في رأس المستمع. أقترح على الأخ وزير السياحة الاستفادة من التجربة المصرية بهذا الصدد.. فالحكومة المصرية بعد العمليات الإرهابية في «شرم الشيخ» و«الأقصر» تبنوا تجربة «سياحة المؤتمرات»، حيث أصبحت كل المؤتمرات التي تحتضنها مصر تقام في نفس المواقع التي استهدفها الإرهاب بما في ذلك القمة العربية التي عقدت في «شرم الشيخ».. وبالتالي فإن اسم المكان لم يبق مرتبطاً بالحدث الإرهابي، بل أصبحت كل وسائل الإعلام تردده كلما مرّ الذكر بالقمة العربية، وبمؤتمرات حقوقية، واقتصادية، ومهرجانات فنية دولية، نجحت مصر فعلاً في تحريره من ذاكرة الحدث الإرهابي. ربما ستقف أمامنا مشكلة البنية التحتية وافتقار مأرب لقاعات وفنادق حاضنة للمؤتمرات الدولية، ولكن لو تم طرح هذه المشكلة على نخبة من المهندسين الأكفاء فإنهم بكل تأكيد سيجدون لها حلاً في زمن قياسي. كما بوسعنا البدء بمهرجانات فنية دولية كمهرجان صنعاء السينمائي الذي تخطط وزارة الثقافة لإقامته أو غيره من المؤتمرات الأكاديمية والعلمية التي لا تتطلب منشآت فاخرة .. فأية فعالية دولية من شأنها تحرير اسم مأرب من البقاء في الذاكرة قيد الحدث الإرهابي. أعتقد أننا بحاجة إلى التفكير بصوت بشأن التدابير التي نواجه بها ما لحق بسمعة السياحة اليمنية من تلويث، ولا بأس أن بادر الأخ الوزير إلى إعلان رغبة وزارته باستقبال مقترحات الأكاديميين والباحثين وذوي الخبرة والاختصاص حول سبل تجاوز آثار الإرهاب على سمعة السياحة في اليمن.