المكانة التي يحتلها بعض المشائخ في اليمن أوغيرها لم تأت بفضل ثروة، بقدر ماصنعتها المواقف الحكيمة.. فالبقدر الذي تكون عليه حكمة وأخلاق الشيخ يأتي الصيت بين الناس، وترتفع المنازل. في مواقف كثيرة نسمع انتقادات لاذعة للمشائخ والبعض يحملهم مسئولية التخلف الذي عليه اليمن، ويربط بينهم وبين الكثير من المظاهر والعادات السلبية الشائعة..! ولكن عندما نراجع كتب التاريخ نجد أن المشائخ بعضهم كانوا ممن حمل ألوية المقاومة ضد الاستعمار، أو النضال من أجل التحرر من العهود الظالمة بل هناك من ارتبطت أسماؤهم بتواريخ محددة يستذكرها الشعب اليمني على أنها مناسبات وطنية كما هو الحال مع الشيخ القردعي، أو الشيخ حسين الأحمر، وآخرين... إن النظرة السلبية التي تكونت لدى الرأي العام حول أدوار المشائخ كان سببها المشائخ أنفسهم اذ أن بعض من آلت اليهم المشيخة مارسوها كمنصب وليس كأخلاقيات تقتضي من صاحبها التحلي بالشجاعة والحكمة، والكرم وبعد النظر، وسرعة البديهة، والسماحة والعفو وغيرها. مازلت أعتقد أن موقف الشيخ عبدالله الأحمر لحظة اغتيال جار الله عمر كان حكيماً إلى أبعد الحدود، وأنه لولا سرعة تصرفه باحتجاز القاتل لديه وأخذ إفادته أمام جمع من قيادات مختلف الأحزاب، لاشتعلت نيران الفتنة في اليمن، ولتقاتلت الأحزاب وكل منها يحمل قميص جار الله بحثاً عن غريمه. أمس كان للشيخ حسين الأحمر موقف حكيم جداً في مجلس النواب، حين تحدث عن الأخطار التي باتت تهدد الوحدة الوطنية اليمنية جراء الانفعالات والشعارات والهتافات التي ظهرت مؤخراً، ثم دعوته إلى تشكيل لجنة موسعة تزور المحافظات وتتقصى الحقائق وتقف على هموم المواطنين.. فبتقديري إن المبادرات المسئولة الداعية إلى الأمن والاستقرار هي حكمة عرف بها مشائخ اليمن منذ القدم، وهي من أخلاقيات المشيخة فعلاً... لكن في نفس الوقت لم يعجبني موقف بعض الإخوة النواب الذين (تنبأوا) بفشل اللجنة وبمصيرها السحيق، وسردوا حتى الممارسات التي ستقدم عليها السلطة وتفاعلوا نفسياً معها كما لو أنها وقعت فعلاً، وأن عليهم إبداء ردود الأفعال!! أعتقد أن على مشائخ القبائل اليمنية في مختلف أرجاء الوطن إعادة الهيبة إلى المشيخة بالعودة إلى أخلاقياتها.. فالبعض أصبح مصدر إزعاج للمجتمع، وقلق لأبنائه جراء ممارساته غير المسئولة والمتعجرفة، وانتهاكاته المستمرة للحقوق الإنسانية لرعاياه.. كما أن البعض أصبح صفراً على الشمال لأنه لم يعد يمارس أي دور في المجتمع.. ولم يعد صاحب الرأي السديد، والفعل الرشيد، والموقف الحكيم.. بل أصبح مجرد بطاقة مشيخة يتقاضى بها معاشه أول كل شهر من شئون القبائل.. لاشك أن الناس لديهم مشاكل، وعلى المشائخ تبني أدوار إيجابية في حل هذه المشاكل وعدم المماطلة بالقضايا، والسعي إلى توحيد صفوف رعاياهم على كلمة سواء، وسلوك مسئول يدعم المسار التنموي، ويرسخ الأمن والاستقرار، ويعود على الجميع بالخير.. ولعل أول ماهو مطلوب وضع معالجات لموضوع السلاح، والفكرة القائمة لدى ابن القبيلة حول ضروراته فالمشائخ قادرة على فعل الكثير إن كانت حكيمة، ومازال المجتمع يعول عليها بالكثير من المواقف.