يعتبر قانون الجنسية اليمني من أكثر القوانين تطوراً في منطوقه النصي واستئناسه الكبير بالقوانين الدولية وخاصة القانون الدولي الخاص، وهو فرع من أكثر الفروع القانونية حيوية وارتباطاً بالمعطيات العصرية والتاريخية معاً. لقد ذهب فقهاء القانون إلى تخصيص هذا الفرع نظراً للتداخل الكبير بين الشعوب ، عبر الهجرات والزواج وما يستتبعهما من معطيات على الأرض، وارتباط تواجد الإنسان المكاني بخضوعه لقانون المكان بالرغم من كونه يحمل جنسية أخرى، فالحق و الواجب لا يستويان بين المواطن والمهاجر القادم من بلد آخر ، لكنّ بعضاً من الحقوق والواجبات تطال المهاجرين القادمين إلى بلد آخر ، سواء في إطار الزيارة العابرة أو الإقامة القصيرة أو الإقامة الطويلة، الأمر الذي اقتضى تخصيص هذا الفرع المهم من القوانين مع مراعاة جملة المواثيق والعهود الدولية الناظمة لحقوق الإنسان. المحزن في العالم العربي واليمن -أيضاً -أننا نسارع في التوقيع على المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ؛ لكننا لا نستطيع تطبيقها على الأرض بالنظر لسيادة ثقافة الأعراف ومرجعيات ما قبل الدولة العصرية، والفساد بأشكاله الناتئة والمغلّفة ، ولعل خير مثال شاخص نراه فيما يحيق بالأشقاء الصوماليين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية ممن يتعرضون لمعاملات قاسية بسبب الفساد المستشري في أروقة القائمين على تنفيذ نصوص قانون الهجرة والإقامة والجنسية. تنسى بعض القيادات القائمة على تنفيذ قوانين الهجرة والإقامة والجنسية أن صومال ما قبل الحرب الأهلية كان حاضناً لملايين اليمانيين الهاربين من جحيم الظلم والفقر والجوع ، وهكذا كان الحال أيضاً في إثيوبيا وإندونيسيا والهند، وتشهد سيَر المهاجرين اليمنيين في تلك البلدان أنهم لم يواجهوا تعسفاً وتمييزاً - كالظلم - كالذي يوزعه أقحام البلد من حملة رسالة النقاء السلالي المزيف ، ليس على الصوماليين والإثيوبيين فقط ، بل على اليمانيين القادمين من تلك البلدان بالذات. ولقد انتعشت ذاكرة المخالفة الجوهرية لنصوص الدستور والقانون باجتراح لجان لتجنيس أبناء المهاجرين اليمنيين.. كما يحصل الآن عملياً في محافظة عدن وبمخالفة صريحة للقانون؛ فالأصل في قانون الجنسية أن الجنسية لا تمنح لليمني بل للمقيمين من العرب وغير العرب وبتمييز واضح لصالح العرب وهو أمر يناقض نصوص المواثيق والمعاهدات الدولية التي حدت بنا إلى التميز عندما اعتمدنا ازدواجية الجنسية وسجلنا مأثرة كبرى في هذا الباب والغريب العجيب أننا فيما نعتمد ازدواجية الجنسية لصالح كل اليمانيين القادمين من بلدان الشمال الأوروبي الأمريكي نُخضع القادمين من بلدان الجنوب الفقير «الأسود» للتجنيس!! فنفرق بين المهاجرين اليمنيين ونتجاوز منطوق القانون بصورة سافرة. أتمنّى من رجال القانون أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع الحسّاس وأن تتموضع الأمور في مكانها الصحيح ؛ فاليمن ليست بحاجة إلى ظاهرة «البدون» المنتشرة في بعض دول الجوار العربي ،والتي سنأتي على فداحاتها لاحقاً. OMarabdulaziz 105 @ hotmail.com