بداية لا بد من تعريف إجرائي لهذه الكلمة «البدون» ومعرفة مصدرها وأبعادها القانونية والاجتماعية والسياسية أيضاً،فالظاهرة تبلورت في بلدان النفط الخليجية التي كانت ومازالت جاذبة للمهاجرين من مختلف الأقطار والأمصار،وكان من الطبيعي أن يكون النزوح من دول الجوار الاقليمي أكثر بكثير من الهجرات القادمة من أماكن بعيدة، وترافق ذلك النزوح الجماعي مع قوانين داخلية تستند أساساً إلى الأعراف وتتشدد في تعاطيها مع الهجرة غير الشرعية، وصولاً إلى الرفض المبدئي لادماج هؤلاء في بيئة المجتمع الموصولة بالحق والواجب، بما يعني عدم منحهم حقوقاً مكتسبة بتوالي الأشهر والسنين. هكذا وصل الكثيرون من الجوار الإيراني، وغالباً من أقاليم محددة فمنهم «البلوشيين» ومنهم «عرب إيران» ومنهم بعض القبائل الحصراوية التي تاهت بين جغرافيا مابعد النفط و«سايكس بيكو» ففقدت مواطنتها القانونية في كامل الإقليم. من هنا تسمية «البدون»: أي الذين هم «بدون جنسية» فهؤلاء لايقبلون في دول المنشأ ؛لأنهم لا يملكون وثائق ثبوتية تحدد هويتهم الوطنية، وربما لايريدون إبراز تلك الوثائق، وفي نفس الوقت لم يتم إدماجهم وتوطينهم في بلدان الهجرة. كان التعامل مع هذه الظاهرة متنوعاً بتنوع سياسات الأنظمة التي حوصرت بهذا الشكل من الحضور الإنساني غير المؤطر بالمواطنة والإقامة المشروعة، ومع الأيام تفاقمت المشكلة حتى أصبح «البدون» مصطلحاً ولطخة داكنة تحيق بالدول العربية التي تعاني هذه الظاهرة، ولقد تطور الأمر في السنوات القليلة الماضية ؛ لكي يصبح عنواناً أساسياً يتم تداوله في المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ودائماً كان المعيار المتبع في تلك المحافل موازياً للسياسات الرشيدة التي تتبعها الدول الأوروبية والولايات المتحدة في مضمار التعامل المرن مع المهاجرين «خارج القانون» واعتبارهم بشراً لا بد من تأطيرهم وإدماجهم واكسابهم الهوية الثقافية المحلية للدولة المستقبلة لهم، مع مراهنة استثنائية على الأجيال الصغيرة والشابة منهم. اليمن ومن حسن الحظ تخلو حتى اللحظة من هذه الظاهرة، غير ان اصرار البعض على التعامل العدواني مع المهاجرين وأبناء المهاجرين سيخلق هذه الظاهرة الغربية على ثقافة اليمن وتاريخه ومرجعياته القانونية. عدم ترجمة قوانين الإقامة والجنسية بطريقة متناسبة مع نصوص تلك القوانين من شأنه أن يخلق جيشاً من الوافدين «غير المؤطرين» والتعامل مع اليمانيين القادمين من الخارج بريبة وتشكك من شأنه أن يضيف جيشاً آخر ممن يفتقدون للهوية القانونية، وهذا أمر يتعارض مع مفهوم المواطنة العصرية والتاريخية، ويناقض تعاليم الدين الحنيف، ويتأبى على الحقيقة الموضوعية التي تجعل من اليمن نموذجاً ساطعاً لثقافة التمازج والتواشجات والانتماء أيضاً. أزعم أن اليمنيين المهاجرين والمولودين في الخارج لا يقلون بحال عن المتواجدين في الداخل، وقانون الجنسية اليمني الذي ينص على الازدواجية الجنسية يضع الحكم والحكومة أمام استحقاق إنساني يترجم العبقرية اليمانية والإنسانية التي يركلها البعض بأقدام الفساد والعنجهية القبائلية الضيقة، رغماً عن مرئيات القانون اليمني وسياسة الدولة.