خرج حزب العدالة والتنمية في تركيا من أعطاف وتضاعيف المعاناة الدائمة للإسلام السياسي، والتاريخ المرتبط بتجربة الإسلاميين الأتراك الذي يمتد إلى فترة ما قبل الثورة البلشفية في روسيا، وأثناء الحروب التركية ضد المستعمرين الأوروبيين في إقليم الأناضول..يومها شرع مصطفى كمال أتاتورك في مقارعة الإيطاليين والفرنسيين والإنجليز واليونانيين مستخدماً الايديولوجيا الدينية الإسلامية لا «الإسلام المجرد»، وبنفس الروح البراغماتية تعاون مع البلاشفة الروس، وحالما استتب له الأمر أدار ظهره للإسلاميين والشيوعيين معاً، بل عمل على تقزيم وتدمير تقاليد الخلافة العثمانية العتيدة مؤسساً لتركيا الحديثة العلمانية. نستعيد هذه الومضات من التاريخ للإشارة إلى أن إسلاميي تركيا خرجوا من محارق تلك المعادلات الصعبة، وكان نجم الدين أربكان سليل تلك المدرسة التاريخية التي جمعت بين مجد الخلافة العثمانية، وصوفية بديع الزمان النورسي، ووسطية الإسلام السني، ولهذا السبب تكالبت الاوليغاركيا العسكرية واليمين التركي على حكومته، ولربما أسهم أربكان في ذلك الفعل ؛لأنه استعجل في الاتجاه جنوباً وشرقاً صوب العرب والمسلمين، وأدار الظهر للجارة الأوروبية العتيدة، الأمر الذي كشفه على المستويين الأوروبي والأمريكي وفتح المجال لمؤسسة القضاء والعسكرتاريا اليمينية للنيل منه ومن حزبه «حزب الرفاه»..أدرك رفاق وتلاميذ أربكان الأفتياء المعادلة، وتعاملوا معها بروحية متجددة، وببراغماتية أكثر نعومة وأمضى حسماً من براغماتية «الخصم القديم» والقائد المؤسس مصطفى كمال اتاتورك، وبالتالي استطاعوا أن يذيقوا اليمين المحصن بالجيش من ذات الكأس. تسلموا الحكومة أولاً، وهاهم الآن يتسلمون الرئاسة واستتباعاتها المؤكدة على مستوى الدستور والقضاء والتعليم العالي والجيش..تلك الميادين ستشكل محور الصراع القادم، وستتموضع خبرة ودهاء الثنائي جول وأردوغان أمام المحك الأصعب، إنها الاستحقاقات الباهظة لما بعد النصر ولا بد من دفعها آجلاً أو عاجلاً. [email protected]