لا أفهم الدين سوى رفض للاستغلال والظلم ، وثورة دائمة على عبودية للبشر، ثورة لتحرير الإنسان من التراتبية القائمة على الجنس واللون والنوع والسلالة. لا أفهمه سوى إعادة الاعتبار لهذه النفخة الروحانية الإلهية التي تضع الإنسان كل إنسان بالضرورة في موقع المركز على الأرض .. لا أفهمه سوى نزوع مثابر لتحطيم الأصنام ، كل الأصنام والأغلال ، المهيمنة على عقل الإنسان وعلى كوامن الخلق والإبداع فيه ، وتحرير طاقاته بما يمنح وظيفة «الاستخلاف» معناها الإنساني ، ويمنح الإنسان إمكانية النهوض بها مباشرة ، على محك وجوده المنظور ، بعيداً عن وصاية «حُجّاب السماء»، و«إكليروس الكهامة» باسم الخالق ، ودون حاجة للمرور من متاهة لحى رجال الدين ، وزيارة عمامة الفتوى في كل شأن. - كان الإسلام ديناً أخيراً ، لأنه حرّر البشرية ، أو هكذا سعى ، من مكوثها الطويل على أبواب السدنة والعرافين وضاربي الرمل وسماسرة الغيب وتجار صكوك الغفران ، بانتظار تفصيل سلوكها بمقاييس ما ينبغي وما لا ينبغي ، ما تفعله وما لا تفعله .. لم يعد هناك ظل للإله في الأرض ، أصبح هناك نفخة خالقة ، تضع الإنسان موضع «الشارع» في تسيير شئونه ، على مبدأ «ماينفع الناس» ، باعتبار الإنسان رهان الخالق ، «إني أعلم مالا تعلمون»!! - بهذا الفهم فحسب يصبح «للدين الأخير» معناه الديناميكي القابل للحياة والقادر على الحركة في الواقع ، والحفز على تطويعه لصالح رفاه البشر وخيرهم ، بمعايير تنزع للمزيد من العدل والمساواة والمزيد من الحقوق. - إننا - كمسلمين - بحاجة إلى الجرأة على الاعتراف بأن الإسلام في شكله الراهن ، قد جرى تحريف جوهره ، لصالح «تأبيد سلطة السلطان وتأبيد خضوع المحكومين» خارج كل عقل وكل منطق .. - إنه التحريف الذي عصف بجيش المستضعفين والمحرومين ممن صحبوا الرسول الكريم مطلع الدعوة ، على نحو طمس كل أثر لهم عقب وفاته بعقود .. في مقابل وضوح أقدام السادة أكثر .. التحريف الذي أخرس «صوت بلال» كلياً ، ورفع «عقيرة ابن حرب». التحريف الذي دفع أباذر الغفاري لأن يطلق صرخته الشهيرة «عجبت لمن لايجد قوت يومه ، كيف لايخرج على الناس شاهراً سيفه ؟!» .. هي صرخة في وجه انقلاب «غضى المصلين وأعلى المئذنة».. وأعاد العقد الجاهلي الجائر ، وصار حتماً على المستضعفين أن «ينزلوا الناس منازلهم» «فخياركم في الجاهلية ، خياركم في الإسلام !!». تذييل - تمتعنا بما أيماننا ملكت وقلنا الدين قد شَرّعْ ليالينا موزعةٌ على زوجاتنا الأربعْ - هنا ساقٌ هنا شفة ، هنا نهدُ هنا إصبعْ - كأن الدين دكانُ فتحناه لكي نشبعْ ! نزار قباني