في كتابه بعنوان “ كيمياء السعادة “ يلخّص الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي مفهومه للسعادة من خلال قراءة سيكولوجية وباراسيكولوجية للإنسان، مبيناً فيه ماهية الإبحار في العوالم الداخلية للإنسان، وكيف يكون القلب مُتقلباً طوراً، ثابتاً طوراً آخر، ولماذا كان القلب من مضغة استثنائية في الجسد، وكيف يتفاعل القلب مع العقل بالمعاني الشرطية البسيطة والروحية المركّبة . إنه درس مبكر في علم النفوس المؤسس على الإيمان والتسليم بالمشيئة، مع بقاء الإرادة المخيرة للفرد القادر على النجاة وتحقيق شروط السعادة . وفي كتابه المختصر “ رسالة الطير “ يمهّد الغزالي لتلك المفاهيم والنظرات التي تناولها “ فريد الدين العطار” في “ منطق الطير “ وتلك التي جرت على ألسنة المتصوفة وخاصة “ البسطامي “ ، فالطير عند الغزالي رمز الكائن الذي يعتلي ويرى الأشياء من بعد، وهو كائن رشيق جميل واهن، ولكنه في آن واحد قادر على أن يفعل ما لا يستطيعه الأجلاف الذين يدبّون على الأرض من الكائنات الأخرى . الطير رمز للسفر في المفازات ، والتنقل في المكان والزمان بحثاً عن الوصول ، ولكنه في طريق الوصول إلى هدفه البعيد يعطش ويجوع، وقد يهلك . يتابع الغزالي رحلة مجموعة من الطيور التي تريد الوصول ، فيهلك الكثيرون وهم على درب المشقة والخوف والجوع والتقلّبات، ويبقى أقل القليل الذين يصلون . يومئ الغزالي لحياة الإنسان المليئة بالمتاعب والابتلاءات، وكيف أن الواصلين إلى الحق والحقيقة لا يصلون إلى مبتغاهم دون ثمن، وكيف أن شرط الوصول مرهون بالانتقالات والمفاجآت والمحن والويلات . هكذا يقدم الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي أبعاداً «ما ورائية» تنتمي لدهر الدهور بعد أن قدم تأصيلاً للشريعة، وتابع علوم البيان والبرهان وسطع في سماء الفكر والعقيدة كأحد أكبر العلماء الأجلاء ممن نحتاج اليوم إلى معارفهم وتجاربهم . [email protected]