للخلاف حدوده التي يجب أن لايتعداها مهما اشتد أو عظم، هكذا تنص المبادئ الدينية والأخلاقية عموماً التي تحكم علاقات الناس ببعضهم وتحديداً في المجتمع الواحد وفي البلد الواحد. لايمكن أن نضع كل شيء تحت طائلة الخلاف دون استثناء لشيء مهما كانت أهميته ومهما كانت تبعات الاختلاف عليه أو الخلاف حوله، لتصبح حياتنا بذلك طقوساً من الخلاف اليومي على كل شيء،تحت تأثير وهم الحرية وتعدد الرأي، لأن ثمة حرية وثمة آراء لا علاقة لهما بالعقل ولاعلاقة لهما بالمسؤولية، ومن الحرية ومن الآراء ما لاعلاقة له بالدين والأخلاق ولا علاقة له بالديمقراطية التي يتشدق بها دعاة هذا النوع من الحرية والرأي. لنتفق أولاً على مالانختلف عليه ونضع حدوداً للخلاف نحن أبناء الوطن الواحد المتجانس، وبعد ذلك نتفق ونختلف،لكن ماهو حاصل لايضع حداً لخلاف.. كل شيء حتى الوطن صار نقطة خلاف، هذا لايمكن القبول به اطلاقاً ،ومن الغريب أن البعض يستهويه كل مايقع وراء حدود الخلاف أو يفترض أن يبقى خارج حدود الخلاف، فيدفع به إلى المقدمة، وهنا تنعكس الأمور وتتضح الحقائق التي تدير عجلة الخلاف سراً.. لهذا نرى أن الأمور لاتسير عند البعض وفق رؤية واضحة تحكمها المسؤولية ومصلحة الناس جميعاً في هذا البلد، لكنها تسير وفق اجندات قذرة تريد أن تستغل كل عارض لتنفيذ أهدافها، وهذا ما لايمكن وصفه بأنه يقع ضمن دائرة الخلاف المشروع والمنطقي، لأنه يسعى جاهداً لتقديم المصالح الخاصة على حساب كل شيء. وحتى لايبقى الحديث عائماً نقول: إن وحدة الوطن والوطن بكله خارج دائرة الخلاف والاختلاف ولا مجال للخلاف عليهما، لنتفق أولاً على هذا.. وهو متفق عليه من قبل قيام الوحدة المباركة إلا من قلة ولاحكم للقلة ولاتأثير لها ولا صوت لها ولاصدى، وعلى هذا الأساس لاحوار على مالاخلاف عليه إنما الحوار على أمور يمكن أن تكون في موضع خلاف في وجهات النظر.. وحين نذكر مالاخلاف عليه فالأمر يقتضي أن نجتنب كل مايمس الوطن ووحدته وأمنه واستقراره بسوء.. لأن كل ذلك لاخلاف عليه من الاساس فلا يحاول من يحاول أن يجعل من ذلك مواضع خلاف، ومن الغباء والبلاهة أن يتم التعاطي معه صوتاً واستماعاً ومن الحماقة أيضاً أن يجرى توظيف كل سلبي يطرأ هنا أو هناك لتعزيز فكرة الخلاف على وطن بوحدته وأمنه. دعونا نؤكد أن للخلافات مسارها ولها حدودها التي تقف عندها، وأن الخلافات مهما كانت شديدة فالمفترض أن لها قيماً ومبادئ تحكمها وتحدد مساراتها وحدودها. وما أكثر القيم والمبادئ التي يتحدث عنها دعاة الخلاف وأصحاب ثقافة الاختلاف ،وعليه نأمل إن كانت تلك القيم والمبادئ صادقة أن تتدخل لتضع حداً لدعوات الخلاف وتوقف أصحابها عند حدود الخلاف التي يعترف بها الجميع بل التي تعترف بها القيم والاخلاق وتحقق آمال وتطلعات الناس في المضي قدماً نحو المستقبل الأفضل. أحسب أن وقفة جادة صادقة مع الذات يقفها الجميع سوف تعيد ترتيب الأوراق، دون ارتهان لأحد ودون عناد أو مكابرة ودون إصرار على موقف وإن بدا خاطئاً سوف تكون المواقف أكثر اخلاقية وصدقاً وأكثر وطنية حين نحسب النتائج على المدى البعيد والمدى القريب أيضاً.. علينا أن نستفيد من الماضي ونضيف لهذه الاستفادة المتغيرات التي تدور في المنطقة وفي العالم عموماً لنحدد أين نقف وكيف نقف؟ ونحدد مواقفنا وما نريد وما لانريد بصدق. لاخوف إلا من الجهالة والغباء حين يحكمان التصرفات والمواقف وحين يحددان حدود الخلاف ومواضع الخلاف جملة وتفصيلاً.. ومن تحالفات تدعو للخلاف وتقود إليه فلا تخدم أمناً ولا استقراراً وتزيد من معاناة الناس بما تستنزفه من اهتمام وجهود وربما امكانيات مادية كان أولى بها أن تأخذ طريقها إلى حيث تنفع الناس من ذوي الحاجة، ومن هذه التحالفات حين تعمل لمصالحها الخاصة دون اعتبار لمصالح عامة ودون اكتراث بالنتائج المترتبة على مثل هكذا مواقف خاطئة..