انعكست العولمة الثقافية في بلادنا العربية على الكثير من التباينات في الآراء والمواقف، وهي بذلك تكون قد نجحت في تغيير ملامح الثقافة الأصيلة عند عدد لايستهان به من الناس في البلاد العربية والإسلامية وأسست لوعي مختلف وغريب أحياناً. وفي ظل هذا الواقع الجديد والثقافة الجديدة لم يعد هناك من شيء خارج نطاق التباينات والاختلافات ولم تسلم قضية من القضايا من ذلك، لا على المستوى الوطني ولا على المستوى القومي ولا ما هو متعلق بالمعتقدات الدينية التي أخذت نصيباً وافراً من الجدل واختلاف الفهم وانعدام الأهمية في أحيان عدة. في الأسبوع الواحد تطرح جملة من القضايا الفكرية والسياسية وغيرها للنقاش عبر وسائل الإعلام مثل الفضائيات والإصدارات التي تفتح باباً للنقاش والرأي حول قضية معينة وكل ما يطرح للنقاش لا يخلو من تصادمات الآراء والرؤى عند المفكرين والمثقفين وأصحاب العلم والذين يوصفون بشيء من ذلك.. في قضية اختلاف الآراء لا مشكلة يمكن التخوف منها لأن هذا الاختلاف لا مفر منه، غير أن المشكلة عندما لايستثنى شيء ولاقضية من الخلاف باعتبار أن لا ثابت يمكن الإيمان بثباته، وهي نظرية يؤمن بها الكثير أو آمن بها الكثير في ظل العولمة الثقافية التي زحزحت الكثير من المبادئ والقيم والثوابت عند أولئك من مكانها الحقيقي في الوعي وبدأ النظر إليها يتغير وفق ما استجد من فكر وثقافة ومايستجد ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً أو صائباً أو على درجة عالية من الدقة. أستطيع أن أجزم أن القادم تحت مظلة العولمة الثقافية يهدف بالأساس إلى مسخ وتشويه الثقافات الأصلية والحقيقة عند المجتمعات والشعوب التي لها ثقافات من هذا النوع وأصرت على التمسك بها في مقاومة الغزو الفكري والثقافي.. وفي ظل الوسائل والأساليب الحديثة في نشر الأفكار والثقافة تغيّر المسمى ليصبح عولمة ثقافية ومع هذا يجب التفريق بين ثقافة قابلة للانتشار ومقبولة في كونها ثقافة إنسانية تبني لاتهدم، وبين ثقافة تُصدّر وهي في الأساس ليست ثقافة ولاتندرج ضمن المسميات الثقافية لأنها جملة من التصرفات والأساليب يُراد منها إحداث أثر سلبي في أوساط الناس وفي المجتمعات المختلفة.. وبالعودة إلى نتائج العولمة الثقافية إلى الوقت الراهن وقد استطاعت بشكل أو بآخر إحداث كل ما نراه ونلمسه من تناقضات وتباينات وخلافات حول كل شيء ولم تعد هناك مسألة واحدة عليها اتفاق حقيقي، والخوف أن يزداد أثر هذه الثقافة على وعي الإنسان العربي تحديداً لأن الإنسان العربي واقع في دوامة الصراع الثقافي إلى جانب الصراعات الأخرى المختلفة.. فالمزيد من العولمة معناه المزيد من الخلافات والمزيد من التباينات وبالتالي المزيد من الصراعات الداخلية وفي النتيجة النهائية المزيد من الضعف وفقدان الهوية وفقدان الأرض والثروة ولاشيء أسوأ من هذه النتيجة.. لا يمكن لأحد أن يصدق أن اثنين يمكن أن يختلفا على أن احتلال وطنهما من قبل قوات أجنبية ليس مشكلة حيث يرى أحدهما أن الغزو كان عدواناً سافراً احتل الأرض وقتل الإنسان ونهب الثروة، فيما يرى الآخر أن لا مشكلة وأن الغزو كان ضرورة حتمية وأنه جاء لتحرير البلد من أهله بالطبع ويدافع عن العدوان الذي لحق بوطنه إلى حد بعيد لايمكن القبول به.. هذا مثل فقط والأمثلة كثيرة وبالمختصر كل شيء يقع في دائرة الخلاف تكون العولمة الثقافية هي السبب الأكبر فيه.. التفكير بعقلية الآخر والتخلي عن مقومات الفكرة وأسسها الاخلاقية دفع بقضايا لاتقبل الخلاف إلى واجهة الخلاف وبطريقة لاتراعي خصوصيات المجتمعات ومعتقداتها الدينية ثم يأتي من يقف ضد هذه الخصوصيات والمعتقدات وينسفها من الداخل وهو من أبناء هذه المجتمعات معتبراً ذلك عملاً انفتاحياً وواعياً وحين تضيق به الآفاق يلجأ للحرية ليحتمي بها من النقد، وللأسف يتفق الجميع في الأخير على حرية الرأي الشخصي دون النظر إلى النتائج والآثار والتبعات والخراب الذي يبدأ برأي أو فكرة ممنوعة من الرفض في ظل العولمة الثقافية والفكرية.