يعد معرض الكتاب من أهم الفعاليات الثقافية على مستوى العالم، ومعرض صنعاء من أهم المناشط الثقافية على الإطلاق.. ولو أردنا أن نقف أمام السلبيات التي رافقت هذا المعرض فسوف نجدها كثيرة، ولماذا السلبيات وليس الإيجابيات؟!. لأننا أردنا أن نلفت نظر القائمين على المعرض إلى هذه السلبيات، أما الإيجابيات فهم يعرفونها، ومن أهم هذه السلبيات: غياب البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض والذي يتمثل بالندوات الفكرية والصباحيات الشعرية، وإتاحة الفرصة للمفكرين والمبدعين لخلق حوار حول المسألة الوطنية، وقضايا الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والوعي العام. السلبية الثانية تتعلق بمشروع "الكتاب للجميع" والذي يتم افتتاحه هذا العام، ومشروع "الكتاب للجميع" يبدو أنه جاء دون دراسة أو حتى استراتيجية، فالكتب المعروضة فيه هي نفس الكتب المعروضة على رصيف ميدان التحرير، وهي كتب تكاد تكون معلوماتها من الستينيات أو من أيام الحرب الباردة!. وقد تحدثت مع الدكتور/فارس السقاف حول هذا الموضوع في البرنامج الإذاعي الذي استضافته فيه إذاعة الشباب، وقد قلت إن الجيل اليوم يحتاج اليوم كما لم يحتج له من قبل إلى مشروع ثقافي حقيقي قوامه الوقوف الدقيق على الصياغات المنظرة للقضايا والتفاعل مع الحاضر بمفاهيم قوامها الواقعية وفك الارتباط غير المسوغ بتراكمات الماضي وآثاره وبقاياه. لذلك ينبغي لمشروع "الكتاب للجميع" أن يكون لديه لجنة علمية تعنى بالمستقبل وبشئون الجيل الجديد، تقوم هذه اللجنة بتحديد الكتب التي ينبغي ترجمتها والعمل على إعادة طباعة عصر النهضة في مجالات الإبداع والمعرفة. إن مثل هذه الكتب التي تقدم اليوم والتي أصبحت لا تحمل معرفة وإنما تحمل جهلاً فإنها توسع من دائرة الأفكار المتطرفة وخاصة عندما نرى تلك الردة الفكرية التي أصابت الساحة اليمنية والتي تعمل على غسل أدمغة المواطنين بواسطة الجامع تارة والأشرطة المتحركة التي تجوب الشوارع تارة أخرى. ونحن بعد خمس وأربعين سنة نحتاج إلى إعادة تقييم هذه الثقافة التي تمارس فينا تفكيرها والتي في مجملها صورة بائسة عملت على انقطاعنا الحضاري وحوّلتنا إلى مسخ وإلى صورة شائهة، كما عرضت البلاد إلى مزيد من التفكيك والتمزيق. وأمام مثل هذه الثقافة نحتاج إلى مشروع ثقافي حقيقي يؤمن بقيم التحديث ويتيح مهنة الاختيار لانطلاق الأفكار والآراء بعيداً عن سلطة القسر التي تستمد مشروعيتها من الكمون والثبات والاستقرار الأقرب إلى الركود. وأنا أجدها فرصة هنا لأقول إن الحداثة التي يرتقبها اليمن الجديد لا تقبل القسمة أو التجزئة، فلا يمكننا أن نقبل الحداثة عندما تكون في السيارة أو في "الفيزا كارد" التي نسحب بها الأموال، ونخشى الحداثة في المجال الثقافي والسياسي والفكري. إننا نحتاج إلى مشروع حقيقي للقراءة يتناسب والأسس الديمقراطية التي انتهجتها بلادنا، فهذا المشروع كفيل بكشف مساوئ التطرف والفكر المنغلق. إن ما يجري اليوم على الساحة الثقافية يشعرك بأن هناك تحالفاً مع القوى الأصولية المتخلفة التي ترفض التحديث وتعتبره دخيلاً على المجتمع اليمني. إذا أردنا فعلاً مشروعاً للقراءة فليكن مشروعاً وطنياً متكاملاً تشرف عليه لجنة مختصة، وتسهم فيه كل من وزارات: " التربية والتعليم والإعلام والثقافة" يمثل خشبة النجاة والأمل في التصدي للفكر الغيبي والأسطوري، والخلط بين شئون السماء وشئون الأرض من جهة، وبين الفكر التقدمي والسلفي من جهة أخرى. إننا نحتاج إلى مشروع حقيقي يتناول مختلف جوانب الحياة الإنسانية والفكرية ويهتم ببناء الإنسان قبل أن يهتم بالجوانب العلمية. إن بناء الإنسان سيحرره من أولئك الذين يبنون أمجادهم على مآسيه ويقتاتون على جهله وأميته، ويتسلح أولئك الذين لا يعملون إلا من أجل مشاريعهم الخاصة. وتحية للدكتور/فارس السقاف الذي قدم كل التسهيلات لكي يقوم هذا المعرض، ونتمنى عليه أن يشرك إلى جانبه مختصين في مجالات مختلفة، فذلك أضمن لنجاح مشروع "القراءة للجميع".