بالتأكيد تتذكرون مشكلة «الدراجات النارية» وما حدث قبل عام تقريباً من حملات واسعة في محافظات عدة لضبطها ومصادرة أية دراجة لا تحمل رقماً ولا تعرف هويتها أو هوية مالكها.. القضية إياها.. وصل دخان إثارتها إلى عنان السماء.. وسمع بها القاصي والداني. ومن مرّ بجوار بوابة مجلس النواب في ذلك الوقت لابد وأن يشاهد تلك الأسر التي تشكو الفقر - الذي تمناه الإمام علي أن يكون رجلاً ليقتله - وتلك الأسر تفترش الأرض وتلتحف السماء وتطالب بالإفراج عن عائلها الوحيد "الدراجة النارية"!!. ماذا بعد ذلك.. أفرج عن بعض الدراجات.. وضاعت بعضها في "أحواش" الإيقاف والمصادرة والإهمال.. وقالوا إن هناك شيئاً من - سماح - لمن اشترى ويعمل من أجل توفير لقمة العيش لأسرته وأولاده. وقيل إن هناك حلولاً بأن يتم تعويض مالك الدراجة النارية بسيارة جديدة "أجرة" على أن يدفع جزءاً من تكاليفها وما تبقى "تقسيط".. أو أن يُستوعب سائقو الدراجات النارية "المصادرة دراجاتهم" في وظائف "السائقين" لدى شركات سيارات الأجرة!. ما خلصوا إليه.. اتضح للكثيرين بعد أن أوقفت الجهات المسئولة - الملاحقة - وسمحت للدراجات التي لا تحمل "أوراقاً" ولوحة معدنية بالعمل.. وفي نفس الوقت لم تعمل على تنظيم الإجراءات بمنح الدراجات أوراقاً جُمركية ولوحات مرورية بالمبالغ التي يحددها القانون، واستمر الأمر وكأن الرضا والقبول موجودان وليس هناك ما يمانع!. المؤلم .. والمحزن .. في آنٍ واحد .. أن محلات بيع الدراجات النارية تكاثرت خلال الأشهر القليلة الماضية.. والاستيراد للدراجات الجديدة تضاعف مع أنهم يقولون في أصل الحكاية وفصلها إن العمل بها ممنوع .. وبالتالي الاستيراد والبيع ممنوع أيضاً!!. طيب .. كيف نستطيع أن نبّلع كلمة "ممنوع" والاستيراد مستمر.. وكذلك البيع في "معارض" معروفة إذا افترضنا أنها مهربة - كما يقولون - والتجار ومن ورائهم يتاجرون .. ونسبة الشراء ترتفع من يوم إلى آخر؟!. أعرف ثلاثة شبان أحدهم أكمل دراسته الجامعية.. وجميعهم لم يجدوا عملاً.. ووجدوا فرصتهم الوحيدة أنهم "اقترضوا" من أحد البنوك وقاموا بشراء ثلاث دراجات نارية .. وابتدأوا رحلة التعب من أجل الاعتماد على أنفسهم وتوفير مصاريفهم اليومية .. ولأسرهم .. وأعرف كثيرين غيرهم أصبحت الدراجات النارية تشكل لهم المصدر الوحيد للدخل رغم محدوديته!. ومع ذلك .. يأتينا هذا الخبر .. حملات واسعة لضبط الدراجات النارية ومحلات بيعها في أمانة العاصمة!!. يا سلام .. شفتم كيف أننا نعيش مع المتناقضات المذهلة .. وكيف يمكن أن تسمح ثم تمنع بكل سهولة .. وكيف بالإمكان أن تتحول "لقمة العيش" إلى سلعة مطاردة في الشوارع.. ومهددة بإلقاء القبض عليها؟!. صحيح .. نحن لا نريد عشوائية .. ولسنا من هواة القفز على القانون .. ولا من المحرضين على عدم الاستجابة للنظام .. بل على العكس .. هذا ما نطالب به .. وتنظيم الدراجات النارية والعمل بها من الأولويات.. لكن أن نمنع إلى حد تحول الساحة المقابلة لمجلس النواب إلى مأوى للمتضررين.. ثم نسمح .. ونسهل لزيادة أعداد الدراجات القادمة من الخارج .. ولبيعها في المحلات .. وبعد أن تتضاعف .. والفُرجة هي لسان الحال.. يأتي من يقول "ممنوع " فذلك ما لا يمكن "استيعابه". نشكو من البطالة .. ولا نوفر الحلول .. وعندما تتوفر بمجهودات من يشكونها تبرز أمامهم الصعاب .. والعراقيل .. وما يبعث على الإحباط .. واليأس!!. الآن .. لن نعاني فقط من مشكلة مالكي الدراجات القديمة .. بل الجديدة التي بيعت برضا وموافقة - ودعممة - جهات الاختصاص. مازلت إلى اليوم أتذكر مشهد ذلك الرجل الذي قرر أن يخرج للعمل على دراجته النارية وبرفقته ابنته التي لم تتجاوز سن الخامسة حتى لا يقع في قبضة "الحملة".. فوجود طفلته معه تمنحه الأمان لمواصلة عمله بحذر كونه مازال يراهن بأن هناك من يرحم منظر الطفلة ويتجنب أن يؤذيه!!. أما اليوم .. فذلك المشهد قد يتكرر بالمئات .. والعاطلون ممن وجدوا ما يسد الرمق بالعمل على دراجة نارية .. أين سيذهبون!!. إذا أردتم أن تلقوا القبض على تلك الدراجات .. عليكم أولاً أن تلقوا القبض على من سمح بإدخالها البلاد وبيعهن للعباد والمنع قائم بعد المشكلة السابقة. أما أن يتحول الأمر إلى ما يشبه لعبة القط والفأر .. بالسماح أولاً .. وبالفُرجة ثانياً .. ومن ثم بالانقضاض على الفريسة .. فذلك مالا يرضي أحداً .. ولا أعتقد أنه سيكون تصرفاً مقنعاً .. بل محزناً.. ويثير الألم والقهر.. وتوابعهما.. وأعوذ بالله من قهر الرجال!!. [email protected]