منذ القدم كان العربي يعتد بحسبه ونسبه.. وكان ذلك الاعتداد مشفوعاً بمكارم الأخلاق إلى أن جاء حين من الدهر تحول فيه الحسب والنسب إلى بورصة اعتيادية لنيل المكاسب غير المشروعة،أو الانجرار نحو مراتبية مجتمعية تضر أكثر مما تنفع. هذا الأمر ليس جديداً في تاريخنا الخاص .. فمن المعروف أنّ فئة من المنتفعين كانوا يمارسون التنسيب على عهود الدولة العباسية وما تلاها.. وقد كان هؤلاء يجترحون أشجاراً للتنسيب السلالي لمن يحسن الدفع ويقدم المنّ والسلوى.. وفي فترة لاحقة استمرت مشروعية الدولة العربية على أساس من الاستيهامات الموصولة بالأنساب ودونما اتكاء على الحاكمية التاريخية أو المرجعية المقرونة بآداب الإسلام وفضائله. وفي العصر الحديث ازداد الأمر كآبة بعد أن تحولت الجمهوريات إلى ملكيات اوتوقراطية مشوهة فيما فقدت أي مبرر تاريخي للآلية القائمة والمتناقضة مع التاريخ والمستقبل معاً. في هذا الباب نشأ نوع من البورصة التنسيبية المتجددة والباحثة عن وهم الصفاء السلالي القبائلي فإذا بها تقع في أتون متوالية عجائبية من التخريجات، حتى أننا نستطيع الحديث عن انفتاح ليبرالي لسوق النسب والحسب الذي ينخرط فيه الكثيرون بمن فيهم بعض المحسوبين على النخب الثقافية. من المعروف أن البشر يتساوون في الانتماء السلالي.. لكن هذا الانتماء لم يعد معياراً للمكانة والحضور الفاعل في المجتمع والحياة،وهو مايستدعي ضرورة ترجمة الهوية في سياق المواطنة حتى يكون التساكن والتعايش بين أفراد الشعب قائماً على الفطرة السليمة والتنوع الداعم للسوية المجتمعية لا العكس